في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير، ما وضع الدول الغربية تحت ضغط كبير للتفاوض مع دول الخليج لزيادة الإنتاج. وكان آخر هذه المحاولات زيارة رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»، للسعودية للقاء ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» في الرياض، ولقاء الشيخ «محمد بن زايد» في أبو ظبي، يوم 16 مارس، حيث فشل في تحقيق أي اتفاق مع الجهتين. وجاء ذلك بعد رفض طلب مماثل من الرئيس الفرنسي، «إيمانويل ماكرون». وكان أبرز المحاولات فشل الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، في عقد مكالمات هاتفية مع القادة السعوديين والإماراتيين حول نفس الموضوع، في الأسبوع الأول من شهر مارس 2022. ورغم هذه المحاولات، كان القادة الخليجيون حازمين في موقفهم، ورفضوا تغيير سياساتهم وعقودهم لإرضاء «واشنطن» وحلفائها. وتحدث العديد من المحللين عن استراتيجية تحوط دول الخليج، التي تتجنب الانجرار إلى النزاعات المتعلقة بأوكرانيا، لكنهم في الوقت ذاته، تساءلوا عن المدة التي سيستمر فيها مثل هذا النهج، وأشار البعض إلى أن الفرص الاقتصادية والسياسية، قد تغري دول الخليج للانخراط مع شركائها الأوروبيين، إذا استمرت الأزمة. وفي هذا السياق، أشار «جون ألترمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إلى أن الدول المصدرة للنفط في المنطقة، «محجمة عن عزل روسيا»؛ نظرا إلى التصورات المتعلقة بانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. وعلق «إميل حكيم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، بأن رفض مطالب واشنطن وحلفائها، يمثل استمرارًا لـ«السلوك التحوطي المستمر منذ بعض الوقت في الشرق الأوسط. وفي تأييد لهذا، علق «توبياس بورك»، و«جاك سينوجليس»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، بأن «التحدي المتمثل في الاستجابة للتطورات في أوكرانيا»، دون التضحية بالعلاقات الودية مع موسكو، يمثل «معضلة» للجهات الفاعلة الإقليمية. وبالمثل، أوضح «ماكس كولشيستر»، و«سمر سعيد»، و«ستيفن كالين»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن دول الخليج لا ترغب في تعريض اتفاقها الحالي في «أوبك بلس» للخطر، والذي يتضمن الالتزام العالمي بالحفاظ على زيادات إنتاج النفط عند 400 ألف برميل يوميا كل شهر. ومن هذا المنطلق، رأت «إيلين والد»، من «المجلس الأطلسي»، أنه من الواضح أن حصص الإنتاج «تأتي في طليعة»، مخاوف دول الخليج، فيما يتعلق بمحاولتها تجاوز هذه الأزمة. واستمرارًا لهذه الحجة، أشارت «سينزيا بيانكو»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى أن الرياض «لا تريد تسييس النفط، وإخلال التوازن داخل «أوبك بلس»، بعد أن رفضت دعوات متعددة لزيادة إنتاج النفط في جهود كبح ارتفاع الأسعار. وعلق «بورك»، و«سينوجليس»، بأن دولًا مثل السعودية، والإمارات، «لديها القدرات الاحتياطية لضخ المزيد من النفط»، لكنها لن تفعل ذلك «لمجرد أن واشنطن، أو دول أوروبا تطلب منها ذلك. ووفقًا لـ«بيانكو»، ستكون دول الخليج أيضًا، حذرة من محاولات روسيا للضغط عليها، بعد أن اتصلت سابقًا بقطر، والإمارات، والسعودية، في محاولة لثنيها عن اتخاذ موقف «صدامي»، ضدها في سوق الطاقة العالمي. وبحسب «بورك»، و«سينوجليس»، فإن قرار دول الخليج رفض طلبات الدول الغربية، كان «متأثرًا على الأرجح، بممانعة تعكير صفو العلاقات مع موسكو»، و«الرغبة في إرسال إشارة إلى واشنطن بأنهم لن يفعلوا ما يطلبه الغرب». وحذرت «والد»، من أن هذا «الموقف»، قد «يتعذر الاستمرار فيه»، إذا واصل القادة الغربيون «الضغط عليهم» بشأن هذه القضية. علاوة على ذلك، فإنه على الرغم من عدم استعداد دول الخليج للابتعاد عن الخطط المُحددة سلفًا؛ رأت «بيانكو»، أن هذا يعني أنهم «لا يعتبرون روسيا شريكًا استراتيجيًا»، على الرغم من توقيع كل من السعودية، والإمارات، اتفاقيات تعاون عسكري معها. وكما أوضحت الباحثة، فإنه على الرغم من هذه الاتفاقيات، فإن روسيا «ليست في وضع يمكنها من أن تحل محل الولايات المتحدة، كضامن للأمن الإقليمي»، في حين أنها تقف أيضًا ضد دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة إيران، بعد أن قاومت الجهود لاحتوائها. ومع محاولة «موسكو»، الآن توجيه صادراتها النفطية إلى آسيا، بعد أن بدأت الدول الغربية في البحث عن مصادر بديلة؛ حذر «نيكولاي كوزانوف»، من «معهد الشرق الأوسط»، من أن هذا قد يزيد من «حدة المنافسة»، في سوق التصدير الآسيوي الرئيسي، لدول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من استمرار المخاوف بشأن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة؛ توقعت «بيانكو»، أن الصراع الحالي في أوكرانيا، قد يدفع دول الخليج إلى «أخذ بالغ الحيطة»، والسعي إلى توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. كما أشار «كولشيستر»، و«سعيد»، و«كالين»، إلى أن المملكة المتحدة، تسعى إلى «تعميق» روابطها الاقتصادية مع دول الخليج، بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي، مما يضيف مزيدًا من المصداقية إلى فكرة وجود فوائد طويلة الأجل لاسترضاء الغرب خلال الأزمة الحالية. وتأكيدًا لهذه الفكرة، أوضح «كوزانوف»، أن «الصورة»، قد «تتحول إلى حد ما على المدى الطويل»، عن إحجام دول الخليج الحالي إلى الانحياز كليًا للغرب، حيث إن رغبة مستهلكي النفط الأوروبيين في تقليل اعتمادهم على الصادرات الروسية، قد خلقت فرصة لزيادة وجود دول الخليج «تدريجيا» في سوق النفط الأوروبية. وبالفعل، اكتسبت السعودية موطأ قدم في أوروبا الشرقية، بعد أن وقعت صفقة لتوريد ما يقرب من نصف واردات «بولندا» من النفط، وكذلك شراؤها حصة بمصفاة نفط محلية، في يناير 2022. وأوضح «أولجا ياجوفا»، من «رويترز»، أن الصفقة قوضت موقع روسيا «المهيمن سابقًا»، في سوق النفط البولندي، حيث سعت الأخيرة إلى «تقليل اعتمادها» على موسكو؛ بعدما «ساءت» علاقاتهما خلال الأشهر الأخيرة. وكما أوضح «فيكتور كاتونا» من شركة «جي بي سي إنيرجي» للاستشارات، فإن «هدف بولندا لتحقيق الاستقلال عن الإمدادات الروسية يحركه دوافع سياسية في المقام الأول». ويتوقع المحللون أن صفقات أخرى مماثلة، قد تصبح متاحة لدول الخليج في المستقبل القريب. وافترض «كوزانوف» أن «رغبة الاتحاد الأوروبي في الابتعاد عن النفط الروسي»، والتي تسارعت بسبب أحداث أوكرانيا، يمكن أن «تفيد» منتجي النفط الرئيسيين، مثل الرياض، وأبو ظبي. وفي حالة «قطر»، يمكن تحقيق نجاحات محتملة في سوق الغاز الأوروبية على المدى الطويل. وكما أوضحت «كارين يونغ» من «معهد الشرق الأوسط»، فإن «الغاز هو المدخل الأساسي لتوليد الكهرباء في أوروبا، ومع ذلك هناك إرادة سياسية للتخلي عن الواردات الروسية منه الآن». ولتوضيح ذلك أشارت «بيانكو» إلى قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بخفض وارداته من الغاز الروسي بمقدار الثلثين، و«العزم» على تقليل الاعتماد عليه. وعلى الرغم من أن «الدوحة» ملتزمة بالحفاظ على عقودها الحالية، فإنها أعربت عن استعدادها لمساعدة شركائها الأوروبيين. وعلى هذا النحو، قد تتراءى فرصة على المدى الطويل، لمزيد من التكامل في سوق الغاز الأوروبية، وذلك بالنظر -كما أشارت بيانكو- إلى أن الروس هم في نهاية المطاف «منافس» للدوحة في تلك السوق. على العموم، مع العقوبات الشديدة التي فرضها الغرب على روسيا، والتي زادت من احتمال أن تصبح «أقل أهمية بالنسبة إلى (أوبك بلس) بمرور الوقت»، خلص المراقبون إلى أن الحرب في أوكرانيا، «سيستمر تأثيرها على منتجي النفط في روسيا والخليج سنوات عديدة قادمة». وعلى الرغم من تبني دول الخليج حتى الآن استراتيجية تحوط لتجنب الدخول في النزاعات المتعلقة بأوكرانيا، فإن الأزمة الحالية ستسهل تعاونًا أوثق بينها وبين الدول الغربية على المدى الطويل، في ضوء اندفاع الأخيرة لتنويع مصادر الطاقة الخاصة بها، والابتعاد عن الإمدادات الروسية.
مشاركة :