رغم مرور سنوات طويلة ما زالت المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية تحتفظ بتفاصيلها الخاصة، حيث الجدران الرمادية التي تكتسي بها المنازل والأزقة الضيقة التي بالكاد تتسع للمارين فيها. وعادة ما تحتفظ تلك المخيمات بسماتها الفريدة، حيث يلعب الأطفال في أزقتها الضيقة كرة القدم وغالبيتهم حفاة، بينما يجلس كبار السن على جنبات الطريق يتحدثون مع بعضهم البعض. لكن داخل المنازل التي بنتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مؤقتا للذين هجرتهم إسرائيل من بلداتهم الأصلية عام 1948 (النكبة) تختلف الحكايات المأساوية. وأغلب منازل المخيمات مساحتها أقل من 100 متر مربع وتعتمد جميعها على التوسع الرأسي بواسطة بنايات متعددة الطوابق بفعل الاكتظاظ السكاني الذي حول شوارعها إلى أزقة ضيقة جدا. مع مرور عقود على تهجير الفلسطينيين من بلداتهم الأصلية عام 1948 فإن تزايد أعدادهم زاد قضيتهم تعقيدا ويعتبر مخيم بلاطة للاجئين في مدينة نابلس واحدا من بين 19 أخرى منتشرة في الضفة الغربية، وهو من أكبر المخيمات من حيث الكثافة السكانية حيث يبلغ عدد سكانه 28 ألف نسمة يعاني غالبيتهم من الفقر وظروف الصعبة. وسهاد حمودة (50 عاما) واحدة من الذين يعيشون في مخيم بلاطة مع أسرتها المكونة من 11 فردا داخل منزل لا تزيد مساحته عن 50 مترا مربعا، في وقت تكافح من أجل توفير الطعام لأطفالها. وتشكو حمودة بينما كانت تعجن الطحين الذي تتلقاه من الأونروا لتحضير الخبز لأطفالها من أن المساعدات التي تقدمها الوكالة الأممية للاجئين الفلسطينيين من مواد غذائية كل 3 أشهر أصبحت تكاد تكفي عائلتها على عكس ما كان في السابق مرة شهريا وبكميات أكبر. وتقول إن اللاجئين كانوا في الماضي يعتمدون بشكل أساسي على مساعدات الأونروا من حيث الغذاء وبعض المال لكن الأمور تغيرت الأن بسبب خفض الكميات مع تزايد أعداد اللاجئين وقلة الموارد للمؤسسة الأممية. وتضيف السيدة الخمسينية التي تشكو من مرارة الوضع المعيشي لعائلتها أن الأونروا لم تقم بأداء جميع خدماتها للاجئين على أكمل وجه مما يجعل العائلات ذات الدخل المحدود تكافح لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة. وأسست الأمم المتحدة أونروا نهاية العام 1948 لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من طرف المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى. وترى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بأنه لم يعد لدى أونروا أي سبب للبقاء في شكلها الحالي، خاصة وأنهما ترفضان حقيقة أن الفلسطينيين يمكنهم نقل صفة اللاجئ إلى أطفالهم، وفق ما أكدته تقارير إسرائيلية. وتقوم أونروا بتقديم خدمات الإغاثة والتعليم والرعاية الصحية لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في مخيمات اللجوء المنتشرة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وسوريا ولبنان والأردن. ويعد ملف اللاجئين الفلسطينيين من أبرز قضايا الصراع التاريخي مع إسرائيل الذي قارب سبعة عقود، ومع مرور كل هذه السنوات دون إيجاد حل للملف فإن تزايد أعداد اللاجئين الفلسطينيين زاد قضيتهم تعقيدا. وتقول سهاد حمودة “ليس من السهل العيش كلاجئين لسنوات عديدة وكلمة لاجئ تعني الهروب من الموت إلى ملاذ آمن لكننا نجونا من الموت إلى المعاناة المستمرة”. ورغم الأوضاع الكارثية التي تعاني منها اللاجئة الفلسطينية إلا أنها تطمح في تربية أطفالها ورعايتهم وإكمال تعليمهم حتى يصبحوا قادرين على تغيير حياتهم المأساوية. ملف اللاجئين الفلسطينيين يعد من أبرز قضايا الصراع التاريخي مع إسرائيل الذي قارب سبعة عقود ويؤكد الفلسطينيون سنويا على تمسكهم بحق العودة عند إحيائهم في الخامس عشر من مايو من كل عام لذكرى ترحيل اللاجئين عن بلداتهم وقراهم في عام 1948، الأمر الذي يطلقون عليه ذكرى “النكبة”. وعلى باب منزله المتهالك في ذات المخيم يجلس المسن إبراهيم شرارة (76 عاما) مع أصدقاء طفولته يتحدثون عن بلداتهم الأصيلة التي هجروا منها وحلم العودة قبل وفاتهم ومرارة العيش في مخيمات اللجوء. ويقول شرارة وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة لشينخوا، إن الحياة داخل المخيم ليست سهلة خاصة أن السكان ينتظرون باستمرار المساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية للبقاء على قيد الحياة. ويضيف الرجل “أعيش في المخيم منذ عام 1950 حيث كانت عائلتي أولى العائلات التي لجأت إلى هنا هربا من الموت والخوف”، داعيا الوكالة إلى زيادة خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين خاصة أن غالبيتهم يعانون من الفقر المدقع ولا يجدون أي طريقة أخرى للعيش في مستوى مقبول. ومخيم بلاطة واحد من 19 مخيما للاجئين في الضفة الغربية الذين يعتاشون من وراء الخدمات التي تقدمها الوكالة الأممية التي أعلنت الشهر الماضي عن حاجتها إلى دعم من المجتمع الدولي بقيمة 1.6 مليار دولار للعام الجاري لتغطية النفقات وتقديم الخدمات وبرامج التنمية الإنسانية. وفي أواخر العام 2021 حذرت الوكالة من أنها تواجه أزمة مالية “وجودية” وتحتاج إلى تمويل طارئ لتفادي انهيار محتمل. وتقول فريال خروب ناشطة مجتمعية في مخيم بلاطة إن المخيم يشهد حالة من الاكتظاظ السكاني في ظل صغر مساحته، بينما يعاني السكان من نقص الخدمات المقدمة، حيث يعتمدون على عيادة طبية واحدة تعمل خلال ساعات محددة فقط. وتضيف خروب أن اهتمام دول العالم يتركّز على قضية اللاجئين في دول أخرى مثل سوريا واليمن والعراق وأوكرانيا ويتناسون اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم، داعية المجتمع الدولي إلى “مساعدة اللاجئين الفلسطينيين لتغيير واقعهم المرير وبناء مستقبل لأطفالهم”.
مشاركة :