حسابات الغرب المُعلَنة ومخاوف العرب المخفيَّة

  • 12/1/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أكدت التصريحات البريطانية وما تبعها من إجراءات عدد من البلدان الأوروبية، بعد حادث تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء، أن الغرب يعيش حالة قلق من جراء تنامي ظاهرة الإرهاب المتورط فيها باحتضان رموز الإرهاب وجذوره منذ الثمانينات. وربما امتد الأمر بحيث يصبح الشرق الأوسط، بمفهومه الجديد، متسعاً بما فيه الكفاية لإرهابيي العالم كله، سواء كانوا عرباً أو من أصول عربية، أو غير عرب. وعلى رغم كون حادث الطائرة الروسية شأناً مصرياً روسياً، فبريطانيا تعاملت معه منذ اللحظة الأولى باعتباره حادثاً إرهابياً، وعلى رغم الإدعاء بملكيتها معلومات استخباراتية فنية، فالدلائل تؤكد أنها لا ترقى إلى حد كونها قرينة أو دليلاً دامغاً على إرهابية الحادث. يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها بريطانيا وغيرها من الدول في هذا الصدد، بُنيَت على تقديرات موقف وأمور تتعلق بإدارة المخاطر. ومن هنا كان لزاماً عليهم تقدير حجم الوجود البريطاني في مدينة شرم الشيخ والذي تجاوز عشرين ألف شخص. تقديرات الموقف مقرونة بعلم إدارة المخاطر، توجب على الحكومة البريطانية اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر على اعتبار أن عدم اتخاذها قد يكون خطراً عليها وعلى مكانتها، وذلك لحين التيقن من عدم فرضية الإرهاب في سقوط الطائرة وإجبار الجانب المصري على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في تأمين السياح، وبالتالي ينسحب الأمر على البلدان العربية كافة التي تقصدها السياحة البريطانية، ناهيك عما تشكله هذه الإجراءات من ضغوط على هذه الصناعة التي يشكل السياح البريطانيون نسبة كبيرة من مداخيلها على المستوى العربي، وبالتالي فهي من مخرجات الاقتصاد البريطاني. وإن كنا تناولنا الجانب المعلن من الحسابات الغربية في ما يتعلق بالإرهاب، ففي مقابلها توجد هواجس غير معلنة لدى العرب، مرتبطة بالغرب باعتباره قاسماً مشتركاً في منظومة الإرهاب الذي بات مهدداً لهم قبل أن يكون مهدداً للغرب. فإن كانت الدول العربية على علمٍ بعناصرها التي انضمت إلى «داعش»، فعلى الجانب الآخر توجد عناصر الجيل الثاني من جماعات الإرهاب التي ولدت في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية بعد فرار الجيل الأول من مواطنه الأصلية واحتضانه في أوروبا، سواء بمنحه اللجوء السياسي أو إقامات رسمية معلنة، وكان لبريطانيا نصيب الأسد فيها. وهذا الجيل أصبح ناقماً على إقامته في أوروبا والغرب عموماً وبات مقصده الانضمام لصفوف «داعش» في غياهب الدولة الوهمية للبغدادي، ولم تبادر السلطات البريطانية أو سلطات أي دولة من التي أصبحت هذه العناصر تحمل جنسياتها، بحصرهم وتبادل المعلومات بشأنهم مع أجهزة الأمن العربية، تماماً مثلما حدث في عدم المبادرة بإعلان أسماء طرفي المحادثة الملتقطة في شأن الطائرة الروسية وفقاً لرواية البريطانيين. إضافة إلى ما سبق، هناك عناصر أوروبية الأصل امتدت إليها مخالب الفكر التكفيري المتطرف بفعل المخالطة الاجتماعية بالزمالة والجيرة والصداقة، والاستقطاب المغناطيسي المشغوف بالخروج عن النمط الروتيني لشعوب لم يعد لديها أي مطالب سوى الخروج عما هو مألوف لناموس حياتها النمطي المشابه لحياة آبائهم وأجدادهم. هذه العناصر هي أخطر ما في منظومة الإرهاب حالياً، لكونها غير مرصودة أمنياً بواسطة أجهزة أمن الدول العربية في المقام الأول، ولإمكانها الانتقال إلى الدول المستهدفة وفقاً لتكليفات عبر شبكات التواصل وبعد تلقي دورات تدريبية افتراضية لا تحتاج إلى وضعهم محل الشبهات بالتردد إلى مناطق ودول تثير الجدل بترددهم إليها، خصوصاً أن هويات سفرهم الأوروبية هي في حد ذاتها مفتاح دخولهم إلى دول عربية، وعلى رأسها مصر والمغرب وتونس والجزائر من دون عناء الحصول على تأشيرات أو الخضوع لإجراءات أمنية استباقية، كما يحدث مع أي عربي يرغب في ملامسة أرض سفارة أو قنصلية أي من الدول الأوروبية قبل أن تطأ قدمه أراضي هذه الدول نفسها. ويظل الهاجس الخفي الذي يقلق العرب من نيات الغرب تجاههم هو: هل الغرب جاد حقاً في مشاركة العرب في الحرب على الإرهاب؟ أم أن لديه حسابات مختلفة، أو مخططاً مغلَّفاً بعبارات ومصطلحات جديدة وكبيرة في ظاهره، بينما باطنه تفريغ الغرب من الإرهابيين حتى لو كانوا من أصول غربية أصيلة وتصديرهم كل ما هو جديد وكبير؟

مشاركة :