في 20 مارس الجاري، أو قبل أربعة أيام، كان الاحتفال باليوم العالمي للسعادة، وفي هذا التوقيت من كل عام تصدر الأمم المتحدة تقرير السعادة العالمي، والتقرير يعتمد على نموذج سلم كانتريل المكون من عشر درجات، والذي يتراوح ما بين أفضل وأسوأ حياة ممكنة، وقد جاءت المملكة في الترتيب 25 من أصل 156 دولة، وتقدمت مرتبة واحدة مقارنة بعام 2021، ولكنها قفزت قرابة أربعين مركزاً ضمن أسعد شعوب العالم، أو من الترتيب 94 إلى ترتيبها الحالي، وذلك خلال الفترة ما بين 2017 و2022، وفي هذا دلالة على نجاج الاستراتيجيات الوطنية في مؤشرات السعادة التي يقيسها التقرير، بجانب تركيز المملكة على البعد الاجتماعي في وضع السياسات الحكومية. توجد ستة محددات للإسعاد يقيسها التقرير، وتشمل في مجملها، نصيب المواطن من الناتج المحلي الإجمالي، والسابق يوفره البنك الدولي، ومعها متوسط العمر الصحي المتوقع، وتقوم منظمة الصحة العالمية بتأمينه، بالإضافة للدعم والتكافل الاجتماعي، والحريات الفردية، ولولا تعارض بعضها مع الدين وثقافة المجتمع لتقدم السعوديين كثيراً، وكذلك مؤشر الكرم بالتبرع للأعمال الخيرية، ومدركات الفساد ومعدل انتشاره في القطاعين العام والخاص، ويحرر التقرير سبع شخصيات أكاديمية وبحثية من أميركا وكندا وبريطانيا وبلجيكا وكوريا الجنوبية، وهم في معظمهم متخصصون في الاقتصاد والتنمية، باستثناء شخصية واحدة تبحث في علم النفس السلوكي، رغم ارتباطه الوثيق بمفهوم السعادة الحسي، وهو الأهم بطبيعة الحال، أو كما يقول ابن تيمية، جنتي وبستاني في صدري. فنلندا تصدرت مؤشر السعادة العالمي لخمسة أعوام متتابعة، والمفارقة أنها تعتبر من بين الدول الأعلى في حالات الانتحار، وفي استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب، والسابق يشكل تحدياً لتأطيرات السعادة الأممية، وهناك استطلاع عالمي للمشاعر يتناول الحالة النفسية للشعوب، وتتراجع فيه فنلندا المنطوية على ذاتها أمام اجتماعية دول أميركا اللاتينية المتصدرة، والدول الإفريقية جاءت في مؤخرة تقرير السعادة، ولكنها تفوقت في مقياس الإحساس بمعنى الحياة في استطلاع المشاعر. اهتمامات السعوديين أبرزها استطلاع شركة ايبسوس الفرنسية في 2020، الذي حوى 29 معياراً لتحديد السعادة، فقد شغلوا فيه الترتيب الثالث ضمن أسعد شعوب العالم بعد الصين والنرويج، وأعطوا أولوية خاصة لاقتصاد الدولة والتسامح والترفيه، ولامتلاك المساكن والسيارات والملبوسات، وللسفر والدين. لعل الأنسب في رأيي، هو إجراء إحصاءات وطنية لقياس السعادة بشكل سنوي، وبمعايير تناسب المجتمع السعوي واحتياجاته، ويكون ذلك بمعرفة برنامج جودة الحياة، وبالمشاركة مع بيوت خبرة محلية، فالبرنامج يشرف على أكثر من 125 مبادرة تعمل على تطبيقها 14 جهة حكومية، وتأتي في مجملها لإسعاد الناس وتحسين أحوالهم المعيشية، وربما قدمت النتائج الإحصائية فرصة لمراجعة وتعديل المبادرات إذا لزم الأمر، ويؤكد الواقع قبل الورق أن سعادة السعوديين الحالية لا تحتاج لشهادة من غيرهم.
مشاركة :