عدت التطورات التي شهدتها الحرب الدائرة في أوكرانيا في الساعات الأخيرة، مؤشرا عن دخولها مرحلة جديدة، لا يمكن التكهن على وجه الدقة بنتائجها، في ظل تعثر الجيش الروسي عن تحقيق أهدافه، على حد اعتراف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف. وجاء تأكيد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على ما أعلنته أوكرانيا، عن بدء بعض وحدات من جيشها بشن هجمات مضادة على القوات الروسية، وخصوصا في محيط العاصمة كييف، وتأكيد مسؤول دفاعي أميركي أن سلاح الجو الروسي زاد من هجماته في الساعات الأخيرة، ليعزز من توقعات الخبراء بأن الحرب في طريقها للتحول إلى مستنقع مديد، من شأنه أن يخلط حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع ارتفاع تكلفتها البشرية والاقتصادية على بلاده. وأعلنت القوات الأوكرانية أنها استعادت السيطرة على بلدة ذات أهمية استراتيجية خارج كييف، في إشارة حديثة إلى أنها قد تتغلب على الجهود الروسية، التي استمرت أسابيع للاستيلاء على العاصمة مع تكثيف الكرملين لهجماته في جميع أنحاء البلاد. ورغم ذلك، ما زال من غير الواضح إلى متى يمكن لأوكرانيا المحاصرة، الصمود والحفاظ على قوتها في المعركة غير المتوازنة، ضد قوة نووية رئيسية، عازمة على الاستيلاء على العاصمة والمدن الرئيسية، وخصوصا الساحلية منها. وفيما يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لتعزيز التضامن مع الأوروبيين هذا الأسبوع، كرر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مناشداته لمزيد من الدعم العسكري الغربي، محذرا من أن الطموحات الروسية «تتجاوز احتلال بلاده». وأكد البنتاغون أن ساحة المعركة لم تتغير إلى حد كبير عما كانت عليه منذ أسابيع، حيث سُجّل ارتفاع في عدد القتلى مع استمرار القصف المدفعي على العديد من المدن الأوكرانية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإرهاب المدنيين. وهذا ما شهدته بشكل خاص مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة، حيث تعرضت لبعض أسوأ أعمال العنف منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير (شباط) الماضي. ولكن حتى مع تصعيد الكرملين لهجماته، بدا أن المقاومة الأوكرانية صامدة، على الأقل في الوقت الحالي. وقال مسؤول دفاعي في البنتاغون إن القوات الأوكرانية واصلت صد المحاولات الروسية لغزو العاصمة الأوكرانية كييف، من جهة الشمال الغربي على بعد نحو 15 كيلومترا، ومن الشرق على بعد نحو 30 كيلومترا. وأضاف، أنه لم يكن هناك «تغييرات حقيقية من قبل الروس على الأرض قرب كييف». وقال إن لدى البنتاغون معطيات تشير إلى أن القوات الأوكرانية باتت مؤهلة أكثر لشن المزيد من الهجمات المضادة ضد القوات الروسية، ليس فقط في محيط العاصمة كييف، بل وفي مناطق أخرى. وقال المسؤول إن تقديرات الولايات المتحدة تشير أيضا إلى أن الروس أطلقوا أكثر من 1100 صاروخ منذ غزو أوكرانيا. وأضاف أن الروس يحاولون النزول من خاركيف، باتجاه إيزيوم، إلى الجنوب الشرقي من خاركيف، وهو ما يُعتقد أنه محاولة لقطع منطقة عمليات القوات المشتركة التي هي في الأساس دونباس. وقال: «هذا سبب واحد وليس السبب الوحيد، ونعتقد أنهم مهتمون جدا بماريوبول حتى يتمكنوا من الصعود من الجنوب ومن الشمال من إيزيوم»، حيث يقاتل الأوكرانيون بشدة لاستعادة المدينة من الروس. وقال: «لاحظنا خلال الساعات الماضية أن الروس كانوا على الأرجح يطلقون النار من بحر آزوف، إلى الجنوب من ماريوبول، ولديهم سفن في بحر آزوف ونعتقد أنهم كانوا يقصفون المدينة ولم يكن هذا هو الحال بالأمس». وقال: «نواصل مراقبة عدد من القوات الروسية داخل المدينة. ونعتقد أن بعضها على الأقل قوات انفصالية جاءت من دونباس. الأوكرانيون يقاتلون بشدة لمنع ماريوبول من السقوط». وقيمت وزارة الدفاع للمرة الأولى أن القوة الروسية تراجعت إلى أقل بقليل من 90 في المائة من مستوى القوة القتالية المقدرة المتاحة. وقال مسؤول دفاعي إن العدد يشمل القوة القتالية الروسية التي تم تجميعها في بيلاروسيا قبل الغزو، لكنه ليس تقييما لكل القوة العسكرية الروسية. وأضاف «حتى الساعة لا توجد مؤشرات ملموسة على وصول تعزيزات روسية أو وصول مقاتلين أجانب إلى البلاد». وقال: «نحن نقدر أن مجموعة فاغنر نشطة في أوكرانيا، ونعتقد أن النشاط يتم إلى حد كبير في منطقة دونباس». «ما زلنا نرى مؤشرات على وجود هذه المناقشات حول التعزيزات والمقاتلين الأجانب وهم يضعون هذه الأنواع من الخطط، سواء من حيث إعادة الإمداد وأيضا التعزيزات. الأمر فقط أننا لم نشهد حدوث ذلك بالفعل». ورغم تأكيدات البنتاغون على أنه لم «يطرأ تغير كبير على المجال الجوي»، قال المسؤول الدفاعي إن سلاح الجو الروسي عزز من عدد العمليات التي يقوم بها يومياً بنسبة 50 في المائة، ونشر مجموعة متزايدة من الطائرات من دون طيار والذخائر العسكرية. يأتي ذلك رغم إرسال الولايات المتحدة وحلفائها الآلاف من أنظمة الدفاع الجوي المحمولة إلى أوكرانيا، وتمكنها من إسقاط الكثير من الطائرات في وقت مبكر من الحرب. وقال محللون إن الصواريخ أجبرت روسيا على تعديل عملياتها الجوية، لكنها لم توقفها. وأضاف المسؤول الدفاعي أن روسيا نفذت نحو 300 طلعة جوية في الساعات الأربع والعشرين الماضية، ارتفاعا من متوسط نحو 200 طلعة جوية في الأيام السابقة. وأشار محللون إلى أن الزيادة في العمليات الجوية الروسية يمكن أن تُعزى على الأرجح إلى عدة عوامل، من بينها تركيز أوكرانيا لدفاعاتها الجوية عالية الدقة في عدد قليل من المواقع، بما في ذلك العاصمة كييف، وخاركيف، ثاني أكبر مدينة، الأمر الذي ترك لروسيا حرية في تنفيذ عدد متزايد من الضربات الجوية حول مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية، حيث يستمر القتال، وتضع روسيا نصب عينيها ما قد يكون أول انتصار استراتيجي لها في الحرب. كما أن الكميات الهائلة من منظومات الدفاع الجوي المحمولة التي تمتلكها أوكرانيا، خلقت الآن تحديات لروسيا في استخدام طائرات الهليكوبتر والطائرات النفاثة التي تحلق على ارتفاع منخفض. ولكن يبدو أن هذه الطائرات تأقلمت، من خلال قيامها بهجمات من خارج نطاق الدفاعات الجوية الأوكرانية في كثير من الأحيان. وقال المسؤول الدفاعي الأميركي إن «عددا كبيرا» من العمليات الجوية الروسية في الحرب تنفذ من خارج المجال الجوي الروسي أو البيلاروسي. وأضاف أن روسيا شنت غارات جوية عدة مرات على أوكرانيا من خارج المجال الجوي الأوكراني، بما في ذلك إطلاق صواريخ «كروز» من قاذفات بعيدة المدى، كالتي استهدفت مركز تدريب في يافوريف غرب أوكرانيا، مؤكدا على أن طائرات روسية أخرى، تغامر بالتحليق في المجال الجوي الأوكراني لفترات قصيرة فقط. إلى ذلك اعترف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، بأن روسيا لم تحقق بعد أياً من أهدافها العسكرية في أوكرانيا. ولم يستبعد بيسكوف في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» أن تفكر بلاده في استخدام الأسلحة النووية، إذا ما تعرضت لما سماه «تهديدا وجوديا». وعن الأهداف التي حققتها موسكو في أوكرانيا بعد نحو شهر من المعارك، أجاب بيسكوف: «حسنا ليس بعد. لم تتحقق بعد». وزعم أن «العملية العسكرية الخاصة»، وهو التعبير الذي يستخدمه الكرملين لوصف الغزو الروسي لأوكرانيا، تجري بشكل صارم وفقا للخطط والأغراض التي تم تحديدها مسبقا. وأضاف أن روسيا هاجمت أهدافا عسكرية فقط، رغم التقارير العديدة عن الضربات الجوية الروسية ضد أهداف مدنية. ولدى سؤاله عن الظروف التي يمكن أن تجبر الرئيس بوتين على استخدام القدرة النووية الروسية، قال بيسكوف: «إذا كان ذلك يمثل تهديدا وجوديا لبلدنا، فيمكن أن يحدث ذلك». وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد لمح إلى استخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي اعتبرها تمثل «تهديدا» لروسيا. وفي الشهر الماضي قال: «بغض النظر عمن يحاول الوقوف في طريقنا، أو خلق تهديدات لبلدنا وشعبنا، يجب أن يعلموا أن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب كما لم تروها من قبل»، الأمر الذي عد تهديدا عن عدم تورعه في استخدام السلاح النووي، أو على الأقل التكتيكي منه.
مشاركة :