قالت مصادر سودانية إن الزيارتين اللتين أداهما مؤخرا رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان إلى الإمارات والسعودية تأتيان في إطار بحث مبادرة عربية مدعومة من أبوظبي والرياض والقاهرة لتسوية الأزمة السياسية في السودان والتي تتم بمقتضاها عودة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك. وتقترح المبادرة أيضا وضع حلول جذرية لتجاوز مشكلة عدم الثقة بين المكونين المدني والعسكري وتشكيل مجلس سيادي برئاسة حمدوك، ومجلس للأمن والدفاع برئاسة البرهان، ومجلس وزاري تكنوقراط يبتعد عن أي ميول حزبية، ومجلس تشريعي يضم في عضويته لجان المقاومة ولجان الحراك الثوري. وتزامنت أنباء عودة حمدوك إلى رئاسة الوزراء مع لقاء البرهان في أبوظبي مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وفي الرياض مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فيما تشير تقارير سودانية إلى أنه تمت خلال اللقاءين مناقشة سبل حل الأزمة السودانية وتجاوز العقبات التي حالت دون انفراجها. يوسف حمد: أرجح عودة حمدوك في ظل التحركات الداعمة لعودته وتحدثت وسائل إعلام سودانية عن عودة حمدوك المرتقبة لمنصب رئيس الوزراء في إطار تسوية سياسية للخروج بالبلاد من أزمتها المستمرة منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي. والحديث عن عودة حمدوك لم يتم التصريح به رسميا من السلطات، أو حتى الجهات المبادرة بحل الأزمة، لكنها ظهرت بشكل واضح في تصريحات وبيانات لقوى الثورة التي تقود الاحتجاجات، والتي قطعت بعدم قبولها لعودة حمدوك، باعتباره أحد أطراف الأزمة الحالية، بعد توقيعه اتفاقا سياسيا. وتبقى عودة حمدوك لرئاسة الوزراء مرهونة بالأساس باتفاق مع المكون العسكري. ويقول مراقبون إن قوة الثورة التي تقود الاحتجاجات وترفع شعارات “لا تفاوض، ولا شراكة، ولا مساواة” تمثل أول عقبة تواجه مخطط إعادته للمنصب. وبمجرد ظهور اسم حمدوك لتولي رئاسة الوزراء مجددا، بادرت قوى ثورية إلى إعلان رفضها لهذه الخطوة باعتبارها إعادة تجربة أثبتت فشلها في تحقيق أهداف الثورة. وفي التاسع من مارس الجاري أصدرت 9 من تنسيقيات لجان مقاومة للمدن و22 لجنة مقاومة الأحياء بيانا مشتركا، أعلنت فيه رفضها لعودة حمدوك لرئاسة الوزراء، باعتبار أنها خطوة تجسد فشل الطبقة السياسية في تحقيق أي تطور للدولة. وأضافت “ليس من الصواب أو الحكمة تكرار الأخطاء، إن تسمية رئيس الوزراء من أي جهة كانت اختطافا لسلطة الشعب، وتكريسا لنشوء حاضنة سياسية جديدة، ونخبة جديدة تهيمن على السلطة”. وأشار القيادي بحزب المؤتمر السوداني نورالدين صلاح الدين إلى أن حمدوك “تهاوى وسقط”، والقضية لا تتمحور حول شخص بعينه، لأن هناك سلطة انقلابية من الصعب والمستحيل ائتمانها على مسار التحول الديمقراطي. وعاد حمدوك إلى منصبه في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، عقب إقامة جبرية فرضها عليه الجيش إثر عزله في الخامس والعشرين من أكتوبر. وتولى حمدوك رئاسة الوزراء لأول مرة في أغسطس 2019، عقب توقيع الوثيقة الدستورية بين الجيش وقوى مدنية لإدارة الفترة الانتقالية التي تنتهي مطلع 2024. ويدفع العديد من المؤيدين لعودة حمدوك بما يعتبرونها أسبابا تجعله الرجل المناسب لقيادة المتبقي من الفترة الانتقالية، كونه يحظى بقبول خارجي وداخلي كبير، قد لا يتوفر لأي شخصية أخرى في الساحة السياسية. ويدعم المؤيدون لحمدوك رأيهم بأنه خلال عامين من فترة الانتقال الأولى حقق عدة مكاسب على رأسها إعادة البلاد إلى المجتمع الدولي، ورفع العقوبات الأميركية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاما. كما أن حكومته توصلت إلى تفاهمات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمانحين بشأن ديون البلاد الخارجية، وشهدت الشهور الأخيرة من فترته استقرارا وثباتا لسعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار. جهود عربية حثيثة لتصحيح المسار السياسي في السودان جهود عربية حثيثة لتصحيح المسار السياسي في السودان ويضاف إلى ذلك الأمل في أن يصبح حمدوك منقذا من التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ إجراءات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر. وتشهد البلاد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الخبز والوقود، مؤخرا، عقب إجراءات اتخذتها الحكومة في السابع من مارس الجاري بتحرير كامل لسعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار حيث وصل سعر العملة المحلية في البنوك إلى 600 جنيه لكل دولار، مقابل 445 جنيها قبل هذه الإجراءات. وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار المستمر للأوضاع السياسية والتدهور الاقتصادي، يبدو أن أي خطوة متوقعة بما فيها عودة رئيس الوزراء السابق لمنصبه. ويقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء السابق “لا أتوقع أن يقبل حمدوك بمقترح يعيده للمنصب في ظل الوضع الراهن”. ويضيف ذات المصدر، مفضلا حجب هويته “حمدوك يمتلك معرفة وأدوات تجعله لن يكرر تجربة يعرف أنها لن تنجح في ظل الراهن السياسي الحالي”. المبادرة تقترح وضع حلول جذرية لتجاوز مشكلة عدم الثقة بين المكونين المدني والعسكري وتشكيل مجلس سيادي برئاسة حمدوك ويرى المحلل السياسي يوسف حمد أن عودة حمدوك لمنصبه “راجحة”. ويشير إلى أن “الرجل لا مانع لديه من العمل مع العسكر الموجودين في السلطة الانتقالية، رغم فشل محاولته الأولى عقب توقيعه اتفاق الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي مع قائد الجيش”. ويضيف “من الراجح أن يتولى حمدوك رئاسة الوزارة مرة أخرى في ظل التحركات الإقليمية والدولية الداعمة لعودته”. ويلفت حمد إلى أن “ما يعزز هذه الخطوة حالات انشقاق قوى سياسية (عن قوى الحرية والتغيير)، وبالتأكيد يمكنه أن يستفيد من ذلك، ويخلق له أرضية تجعله مقبولا لدى البعض، معتمدا على التسويق الإقليمي والدولي لشخصه”. ويظل خيار حمدوك مطروحا في ظل عدم قدرة القوى السودانية على تفكيك الأزمة وإخفاق المبادرة التي ترعاها الأمم المتحدة في تحريك المياه، واستمرار منصب رئيس الحكومة شاغرا، ما يمنح سيناريو حمدوك جاذبية. وتسبب ابتعاد حمدوك عن رئاسة الحكومة في أزمة للمكونين العسكري والمدني، فالأول لم يستطع منذ استقالته أن يشكل حكومة تلقى قبولا داخليا وخارجيا ويعلم أن فرض قبضته لن يكون مقبولا من الجانبين، بينما يعاني الثاني (المدني) من فراغ في القيادة وتشتت في الرؤى وانقسام في التصورات والاجتهادات، وهو ما يمنح حمدوك قدرا من التعاطف السياسي لدى شريحة تعتقد أنه الخيار الأنسب لهذه المرحلة.
مشاركة :