أنهى البنك المركزي المغربي مرة أخرى الجدل الدائر حول توقيت الدخول في المرحلة الثالثة من تحرير سعر صرف الدرهم، في ظل الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي على الرباط بهدف تحفيز الاقتصاد بشكل أكبر. ومن الواضح أن القلق من تراجع قيمة العملة المحلية في ظل ضبابية الوضع الاقتصادي دفع السلطات النقدية إلى تأجيل استكمال خطط التعويم من أجل توفير الشروط اللازمة لاحتواء التداعيات السلبية المحتملة على التوازنات المالية. واتخذ المركزي عقب اجتماع مجلس إدارته الثلاثاء الماضي قرارا بعدم الانتقال لمرحلة جديدة في هذا المسار، بينما لا تزال الأنشطة التجارية والاستثمارية تعاني من انعكاسات الأزمة الناتجة عن الجائحة رغم الجهود الحكومية المبذولة لاحتوائها. عبداللطيف الجواهري: الوضع لا يسمح بالاستمرار في تحرير صرف العملة وقال محافظ المركزي عبداللطيف الجواهري خلال مؤتمر صحافي إن بلاده “لن ترضخ” لمطالب صندوق النقد “إلا إذا تأكدنا من الاستعداد التام للشركات الصغيرة، بخصوص استثماراتها وعملياتها التجارية، وقدرتها على الادخار”. وأضاف “ناقشنا الموضوع مع بعثة صندوق النقد وناقشنا شروطنا المسبقة من حيث الوضعية الاقتصادية العامة للمغرب”. وتابع “بعثة الصندوق تقول إن الشروط تسمح بالاستمرار في التحرير لكننا نقول إنها مرحلة صعبة جدا”. وبدأ المغرب تعويم عمليته المحلية في يناير 2018، حين سمح لسعر صرف الدرهم التحرك بهامش 2.5 في المئة صعودا أو هبوطا أمام اليورو بنحو 60 في المئة والدولار الأميركي بنحو 40 في المئة، كمرحلة أولى للتعويم الكامل على مدى 10 سنوات. وفي مارس 2020 شرعت السلطات النقدية بتطبيق المرحلة الثانية من تحرير سعر صرف الدرهم من خلال توسيع هامش التحرك إلى خمسة في المئة صعودا أو هبوطا. وأوصى خبراء صندوق النقد في تقرير صدر في يناير من العام 2019 السلطات المغربية بعدم التأخر في توسيع نطاق تحرير سعر صرف الدرهم. وقال حينها إن “توسيع نطاق تحرك الدرهم ضروري بهدف حماية الاحتياطات النقدية الأجنبية وجعل الاقتصاد المغربي في وضع أفضل لاستيعاب الصدمات الخارجية المحتملة والحفاظ على القدرة التنافسية”. وفي يوليو من العام ذاته رحب الصندوق ببداية تحول المغرب لمرونة أكبر في سعر الصرف، مما سيساعد الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية، وحث الحكومة كذلك على الاستفادة من الفرص المتاحة لمواصلة تعويم العملة بطريقة متسلسلة ومتقنة. وعلى الرغم من تأخير استكمال التعويم ثمة نقاط التقاء بين المركزي المغربي وصندوق النقد الدولي وأيضا البنك الدولي للاستفادة من مساعدتهما لترخيص العملات المشفرة بالبلاد. وقال الجواهري إن “مرحلة الاعتراف بالعملات المشفرة ستأتي بالضرورة، لكن يجب علينا وضع الإطار القانوني لذلك”. وأضاف “لا يجب أن نتأخر، ولا أن نتسرع لوجود مخاطر، منها ما يتعلق بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال”. ويخشى المغرب على اقتصاده وعملته المحلية، نتيجة لخروج النقد الأجنبي عبر تجارة العملات الافتراضية، ما قد يخفض في مرحلة من المراحل معروض النقد الأجنبي. وبالنظر إلى حالة اللايقين التي تلف التطورات المتعلقة بالوضع في أوكرانيا وتداعياته المحتملة على الاقتصاد العالمي، أكد الجواهري أن المركزي الذي أبقى على سعر الفائدة دون تغيير عند 1.5 في المئة للشهر الثاني عشر تواليا، سيواصل ضمان تتبع تطور الظرفية الاقتصادية والمالية عن كثب وسيقوم بتحديث منتظم لتوقعاته وتحليلاته. مؤشرات وتوقعات 2022 1.5 في المئة سعر الفائدة الرئيسي 0.7 في المئة نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.7 في المئة معدل التضخم 35.4 مليار دولار الاحتياطي النقدي وترى وزارة الاقتصاد والمالية أن الشروط الأساسية لإنجاح إصلاح نظام سعر الدرهم تتمثل أساسا في متانة أسس نشاط القطاعات الإنتاجية وصلابة القطاع المالي وقدرته على مواجهة تقلبات أسعار الصرف. وليس ذلك فقط، بل يجب توفر سوق صرف متطورة نسبيا تتيح للفاعلين الأدوات الضرورية لتغطية المخاطر، بالإضافة إلى مصداقية السياسة النقدية والقدرة على التحكم في معدل التضخم. وقال الجواهري إن “الاقتصاد المغربي لا يشهد حاليا حالة ركود بل على العكس نحن في مرحلة ضغوط تضخمية بعدما أضحت ملموسة سواء في البلدان المتقدمة أو الناشئة”. وأشار إلى أن عام 2022 يتسم بالتضخم المستورد، معتبرا أنه من الضروري إجراء تحديث أكثر تواترا لمؤشر أسعار الاستهلاك في هذه الظروف خاصة وأنه خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 0.7 في المئة من تقدير سابق عند 2.9 في المئة بعدما نما الاقتصاد بنحو 7.3 في المئة العام الماضي. ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم هذا العام إلى حوالي 4.7 في المئة ارتفاعا من نحو 1.4 في المئة تم تسجيلها بنهاية العام الماضي. ويسعى البنك المركزي للحفاظ على سياسة نقدية استيعابية في ظل نمو اقتصادي ضعيف تباطأ في أعقاب تراجع القيمة المضافة للقطاع الزراعي الاستراتيجي وكذلك تراجع مداخيل السياحة. ومع ذلك فمن المرجح أن تصل الأصول الاحتياطية لدى المركزي إلى 342.8 مليار درهم (35.4 مليار دولار) هذا العام مع تحسن القطاعات الاستراتيجية وفي مقدمتها السياحة على أن تبلغ 347.3 مليار درهم (35.9 مليار دولار) بنهاية العام المقبل. وأوضح المركزي، في بيان صدر عقب الاجتماع الفصلي الأول لمجلسه لهذا العام، أن الأصول الاحتياطية، التي تأخذ بعين الاعتبار على وجه الخصوص توقعات التمويلات الخارجية للخزينة تضمن تغطية حوالي 6 أشهر ونصف الشهر من واردات السلع والخدمات. وفي ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية المباشرة يرتقب أن تناهز المداخيل ما يعادل نحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام ونحو 3.5 في المئة خلال العام المقبل.
مشاركة :