في قمة قادة دول الاتحاد الأوروبي، سيتم مناقشة مسألة تعزيز السياسة الأمنية والدفاعية، ومشروع "البوصلة الاستراتيجية" في هذا المجال. المشروع يشمل خططًا لقوة دفاعية أوروبية، ولكنها لن تكون قوة منافسة للناتو. من المتوقع أن يوافق قادة الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل على خطة "البوصلة الاستراتيجية". تحمل الخطة الأمنية الجديدة للاتحاد الأوروبي عنوان "البوصلة الاستراتيجية" ، وهي كلمة تعبر بالمعنى الحرفي عن المضمون، إذ تتكون ورقة العمل من 40 صفحة تلقي نظرة شاملة على الكرة الأرضية بأكملها، وستشمل خططًا لتأسيس قوة دفاعية، ولكنها لن تكون قوة تنافس الناتو. وفي هذا السياق، يقول جوزيب بوريل، ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "يجب أن تتعلم أوروبا التحدث بلغة القوة". وبشكل خاص، تعتبر روسيا، بحربها العدوانية المستمرة ضد أوكرانيا، والصراعات في جورجيا ومولدوفا، والدور الذي تلعبه دول مستبدة مثل بيلاروسيا، هي التهديدات الرئيسية لأوروبا يلي ذلك الصين، والوضع غير المستقر في غرب البلقان، والإرهاب الاسلاموي في منطقة الساحل الأفريقي، والصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالهند ومنطقة المحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى ذلك، هناك تهديدات سيبرانية وحتى من الفضاء الخارجي. وقال وزير الخارجية اللاتفي إدغار رينكيفيكس على موقع تويتر إن القرار يمهد الطريق للاتحاد الأوروبي ليصبح "لاعباً دفاعياً وأمنياً" حقيقياً. ومع ذلك، حذر من أن مصداقية التكتل في المنطقة لا تزال تخضع للتدقيق في أوكرانيا . "صدمة كهربائية" لحلف الناتو قبل ثلاث سنوات، عندما تم الترويج لفكرة "البوصلة الاستراتيجية" من قبل دبلوماسيين فرنسيين وألمان بالاتحاد الأوروبي، كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لا يزال في البيت الأبيض، حينما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف الناتو "ميت دماغياً". لكن الآن تغير الوضع في أوروبا بشكل جذري، إذ قال الرئيس ماكرون مؤخراً إن "روسيا وجهت لنا دعوة للاستيقاظ. كنت دائماً أعتقد أننا بحاجة إلى درجة من الوضوح الاستراتيجي، والآن نحن في طور الحصول عليه". وأضاف ماكرون أن حلف شمال الأطلسي تلقى "صدمة كهربائية" عندما هاجمت روسيا أوكرانيا. لقد أصبح واضحاً من جديد للسياسيين وصناع القرار في الاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن الدفاع عن أوروبا إلا بمساعدة الناتو، أي مع الحلفاء الأمريكيين. وهذا هو السبب في أن "البوصلة الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي لا تتنافس بأي حال من الأحوال مع الناتو، كما يقول مايكل غالر، عضو البرلمان الأوروبي وخبير السياسة الخارجية في الكتلة الديمقراطية المسيحية في البرلمان الأوروبي والذي يضيف بأن "الدفاع الجماعي يجب أن يستمر بالتعاون مع الناتو في المستقبل المنظور". أما جوزيب بوريل، فقال: "اسمحوا لي أن أؤكد أن هذا الجهد لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع التزام أوروبا تجاه الناتو، الذي يظل في قلب دفاعنا الإقليمي". ووعد بوريل بأن "يظل الناتو في قلب دفاعنا الإقليمي"، محاولاً بذلك تفويت الفرصة على المنتقدين الأمريكيين للمحاولات الأوروبية للاستقلال دفاعياً عن الولايات المتحدة . يذكر أن 23 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي هي عضو أيضاً في الناتو. وتحدد السياسة الدفاعية المشتركة مجالات التعاون العسكري والانفاق الدفاعي، وكذلك فرص حشد الموارد لتحقيق المزيد من الأمن ضد الهجمات الإلكترونية والتضليل العدائي. قوة الرد بقيادة ألمانيا في ورقته الإستراتيجية، يخطط الاتحاد الأوروبي لإنشاء قوة تدخل مشتركة قوامها 5000 جندي بحلول عام 2025، لتنسيق مشاريع التسلح بشكل أفضل، ولمواءمة الميزانيات العسكرية للدول الأعضاء، والتي من المقرر زيادتها. ويمكن بعد ذلك أيضًا أن يتم دعم المشروعات المشتركة من ميزانية الاتحاد الأوروبي. وتتكوّن قوة التدخل السريع من وحدات "برية وجوية وبحرية"، وهي ليست جيشاً أوروبياً، وستكون قادرة على التنقل "لإنقاذ وإجلاء مواطنين أوروبيين" محاصرين في النزاعات. ويرى خبراء ومحللون أنه يجب على الأوروبيين الاستثمار في قدرات يفتقرون إليها حالياً، لاسيما الطائرات دون طيار (المسيرات) والدبابات وأنظمة الدفاع المضادة للطائرات والصواريخ. يصف غالر العملية على النحو التالي: "في البداية تأتي عملية تحليل ماهية التهديد. تليها عملية جرد ما لدينا من وسائل. ومن هذا يأتي استنتاج ما نحتاجه بالفعل". ووفقًا لغالر، فإنه إذا تم تنفيذ المشاريع الموجودة بالفعل في وكالة الدفاع الأوروبية (EDA) من خلال التعاون بشكل صحيح، فقد يكون هناك أيضًا دعم من الاتحاد الأوروبي. من جانبها، وافقت ألمانيا على توفير نواة قوة التدخل العسكرية خلال أول 12 شهرًا من انطلاقها. وتدعو خطة الانتشار القوات من عدة دول في الاتحاد الأوروبي إلى "التناوب"، بمعنى أنها لن تتمركز كوحدة واحدة في موقع واحد. واقترحت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبرشت أن يقوم الجيش الألماني بإنشاء أول وحدة من وحدات الرد السريع، وذلك قبيل اجتماع وزراء الخارجية والدفاع بالاتحاد الأوروبي لمناقشة السياسة الدفاعية. يقول مايكل غالر: "بالنسبة لي وبشكل صريح، فإن هذا التفكير قصير المدى للغاية. ألمانيا تتقدم وتقول: مرحباً سأفعل هذا لمدة عام. ليس هذا ما هو مطلوب". ويضيف بأن المطلوب بدل ذلك هو تشكيل وحدة دائمة قوامها 5 آلاف جندي، على أن تجري هذه الوحدة تدريبات عسكرية مشتركة وتتمركز بشكل دائم ويمكن نشرها كقوة دفاع مشتركة. البوسنة مثالاً وفي هذا الإطار، استحضر خبير الدفاع والسياسة الخارجية غالر مثالين على العمليات المستقلة التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي. المثال الأول هو البوسنة والهرسك، ويقول "إذا ما أراد زعيم صرب البوسنة الموالي لروسيا ميلوراد دوديك المغادرة والاستقلال بجمهوريته الصربية، هنا يمكن أن يتدخل الاتحاد الأوروبي"، مضيفاً أن الناتو قد لا يكون قادرًا على ذلك، لأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه أفكار أخرى لمستقبل دولة البوسنة والهرسك. ويتابع غالر لـ DW: "في اللحظة التي يقول فيها الرئيس أردوغان: لا، سيتم حظر اللجوء إلى موارد الناتو... سيحدث ذلك لأن جميع القرارات في الحلف يجب أن تكون بالإجماع. ولكن لا يزال يتعين علينا أن نكون قادرين على التصرف إذا اعتقدنا أن التدخل ضروري". مالي .. مثال آخر أما المثال الثاني فيتضمن سيناريو إجلاء القوات الأوروبية أو المواطنين. في أفغانستان، أظهر الانسحاب الغربي المتسرع في الصيف الماضي أن الأمر لن ينجح دون الولايات المتحدة، وكان من الواضح أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على التصرف بمفرده. يقول غالر: "إلى حد ما، من المحتمل أن يلوح شيء مثل هذا الأمر في الأفق عندما ننسحب من مالي. هناك، على عكس أفغانستان، ليس لدينا عمال إغاثة أمريكيون، لذلك من المهم أن تكون لدينا قدراتنا الخاصة". وتنتشر بعثة من الاتحاد الأوروبي وبعثة فرنسية في دولة مالي الواقعة في غرب إفريقيا ضد الميليشيات الإرهابية. وتريد فرنسا إنهاء مشاركتها بحلول يونيو/حزيران بسبب خلافات مع المجلس العسكري الحاكم هناك. حان دور الاتحاد الأوروبي يحاول الاتحاد الأوروبي بناء قوة دفاع مشتركة وتجميع موارده الاستراتيجية منذ عقدين. جوزيب بوريل مقتنع بأن المحاولات ستنجح هذه المرة. حتى لو لم ترغب جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة في الانضمام، فلا يزال بإمكان مجموعة صغيرة من الأعضاء الراغبين في التعاون القيام بمهمة عسكرية نيابة عن الاتحاد الأوروبي دون أن تتمكن الدول الرافضة منع تحركها. توضح خطة "البوصلة الاستراتيجية" أن معاهدات الاتحاد الأوروبي تسمح بذلك. إذ يقول بوريل "أثناء التحرك وسط هذه البيئة الاستراتيجية التي يتصاعد فيها التنافس بشدة، يجب أن يعمل الاتحاد الأوروبي على توفير الأمن لمواطنيه، وأن يحمي قيمنا ومصالحنا.. لكن للقيام بذلك، سوف يحتاج الأمر إلى التصرف بشكل أسرع وأكثر حسماً عند إدارة الأزمات". ومن المتوقع أن يقوم رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي بالموافقة والتوقيع على الخطة. ويقول دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي إن صدمة الحرب التي جلبتها روسيا إلى أوروبا ستساعد بالتأكيد على تحقيق هذه الغاية. الموقف الأوروبي من الردع النووي على المدى المتوسط، سيتعين على الأوروبيين أيضًا الإجابة على السؤال المتعلق بموقفهم تجاه التسلح النووي وردع روسيا، حسب رأي ستيفاني بابست المستشارة الأمنية المقيمة في لندن والتي عملت في مناصب رفيعة المستوى كدبلوماسية في الناتو. والتي كتبت في بيان خلال جلسة استماع في البرلمان الألماني حول مفهوم الاتحاد الأوروبي: "حقيقة أن حلفاءنا الأمريكيين ما زالوا يضمنون أمن أوروبا ومواطنيها، هي أمر لا يظهر في البوصلة الاستراتيجية ". وتابعت: "يريد الاتحاد الأوروبي أن يمارس دوراً إلى جانب الناتو والحلفاء الأمريكيين، وأن يُسمع صوته، وأن يساعد في تشكيل الأشياء، لكنه لا يذكر أداة أساسية للقوة: مظلة الأمن النووي الأمريكية.. ولا تعطي البوصلة الاستراتيجية أي إشارة إلى ما إذا كان الأوروبيون يرغبون في تطوير قدرات الردع النووي الخاصة بهم في المستقبل أم لا، وهي القدرات التي يجب أن تستند منطقيًا إلى القوة الفرنسية للردع النووي". من المحتمل أن يوفر ذلك مادة خصبة للبوصلة التالية، والتي من المقرر أن يتم الانتهاء من العمل عليها في عام 2025 ، وفقا لدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي. بريند ريغيرت/عماد حسن
مشاركة :