بقلم الكاتبة/ أ.فايز الرابعة روسيا تتزعم الشرق، وأمريكا تتزعم الغرب، هذه الأزمة أعادت الصراع بين الشرق والغرب على طاولة الأحداث أين تقف السعودية ودول الخليج من الأحداث؟ أمريكا بينها وبين السعودية ودول الخليج تحالف قديم قائم على مبدأ ايزنهاور، هذا التحالف حقق مصالح مشتركة لجميع الأطراف. أمريكا تحقق لها إمدادات الطاقة، وضمنت معادلة (البترودولار) ودول الخليج حققت التنمية، وحصلت على الدعم والحماية ما هو مبدأ ايزنهاور: هي كلمة ألقاها الرئيس ايزنهاور عام ١٩٥٧ حول الوضع في الشرق الأوسط. مختصرها بأن أي دولة في المنطقة تستطيع أن تطلب الدعم الأمريكي الاقتصادي والعسكري، وأمريكا ملزمة بتقديم الحماية لدول المنطقة لضمان سلامتها واستقلالها من خلال هذا المبدأ استطاعت أمريكا تكوين حلفاء لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وحشدت الدول العربية والإسلامية ضد الاتحاد السوفيتي لتفكيكه، أمور كثيرة استطاعت أمريكا أن تحققها من خلال هذا التحالف مع السعودية ودول الخليج وقد يسأل البعض عن (البترودولار) وهنا أوضح بأن الدولار عملة خاضعة للعرض والطلب، فإذا زاد الطلب على الدولار لشراء النفط، وترتفع قيمته، والعكس صحيح. والدولار غير مغطى بالذهب، لكنه العملة الوحيدة التي يشترى بها النفط، وكل يوم دول العالم تشتري ١٠٠مليون برميل من النفط بالدولار. إذا افترضنا أن سعر النفط ٨٠دولارًا، وكل يوم يباع ١٠٠مليون برميل، فإن العالم يطلب الدولار يوميًا بمقدار ٨مليارات. وخلال السنة النفط يجعل العالم يطلب الدولار بمقدار ٣ تريليون تقريبًا، هذا المبلغ الضخم يجعل الدولار متماسكًا؛ وكأن الإنتاج الأمريكي يحقق نموًا بمعدل ١٣٪ طبعًا أمريكا لا تحقق نموًا بهذه النسبة، ولكن المواطن الأمريكي وجميع سكان الأرض ينعمون بدولار ذي قوة شرائية ويجد قبولًا في جميع البنوك المركزية حول العالم بفضل نفط، ونفط دول الخليج بالذات. ولو قررت دول الخليج بيع النفط بعملة أخرى سيصبح دولار أمريكا مثل ليرة أردوغان إذا تكمن أهمية دول الخليج لأمريكا لهذه الأسباب: -أهم مصادر للنفط. -قدرتها على توازن سعر النفط. -موقعها الاستراتيجي لربط الشرق بالغرب. -سوق مهم للمنتجات الأمريكية. -قيادة دول العالم العربي والإسلامي. -أساس مهم لقوة العملة (البترودولار)في المقابل دول الخليج استطاعت من خلال التحالف مع أمريكا أن تحمي المنطقة من أطماع كثيرة، كما استطاعت دول الخليج أن تطور منظومتها التعليمية والصحية والعسكرية والصناعية خاصة صناعة النفط.. لا شك أن العلاقات الأمريكية الخليجية حققت مكاسب للطرفين. إن قوة العلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة بين الدول. لكن في العقود الأخيرة تفكك الاتحاد السوفيتي، فلم يعد يهدد منابع النفط، وأمريكا اصطنعت أحداث سبتمبر لتحتل العراق وتسلمه لإيران! ليس هذا فحسب بل تبنت مشروع الفوضى الخلاقة وإسقاط أنظمة الحكم في الشرق الأوسط أمريكا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي لديها مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير. أين مبدأ ايزنهاور؟ عندما زار قادة دول الخليج أوباما في ٢٠١٥ لم يقدم لهم أي ضمان لاستمرار هذا المبدأ، والتحالف كان يقوم على مصالح، وفي الفترة الأخيرة أمريكا لا ترى أنها تلك المصالح ذات أولوية لم تقف أمريكا عند هذا الحد، بل قدمت لإيران البرنامج النووي، ودعمتها برفع الحذر عن أرصدتها لتكون قائدة للمنطقة، وتتغلغل في الدول العربية، وعمل أوباما على دعم الربيع العربي، وزعزعة أمن واستقرار دول المنطقة من خلال إيران والإخوان وداعش والحوثيين.. إلخ.اذا كما قال هنري كيسنجر: (على أعداء أمريكا أن يخشوها، وعلى أصدقائها أن يخشوها أكثر). فلا أمريكا التزمت بالتحالف والمبدأ الذي قامت عليه العلاقة بدول المنطقة، ولا دول الخليج ملزمة أن بأن تعيش (حالة حب من طرف واحد) فعلاقة الأمس الاستراتيجية لم تعد جذابة تبين الخذلان الأمريكي في الربيع العربي والاتفاق النووي، والموقف من الحوثيين، وشروط بيع السلاح المجحفة. خلاف الابتزاز السياسي من قبل بايدن في ملف أحداث سبتمبر، وقضية جمال خاشقجي، واتفاقية المناخ..كل هذه الأمور تجعل السعودية ودول الخليج تعيد ترتيب علاقاتها الاستراتيجية. خلاف (ضمور المصالح المشتركة) أمريكا لم تعد المهيمنة على الاقتصاد بعد أن خسرت الحرب التجارية مع الصين، وجائحة كورونا. وبسبب كورونا ضخت أمريكا سيولة ضخمة في ظل انخفاض الفائدة، مما جعلها في بحر من التضخم والدين، وهذا سيؤثر على البطالة والنمو بشكل سلبي، خلاف الانقسام الداخلي. بعد الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا تساهم في الناتج العالمي بمقدار ٥٠٪ تقريبًا، حاليًا أمريكا لا تساهم بنسبة ٢٠٪ من الإنتاج العالمي، وربما يكون الإنتاج الحقيقي (ليس النقدي) أقل من ذلك بكثير في ظل التضخم وارتفاع الأسعار.. فالحلم الأمريكي الذي سحر العقول أصبح حكاية مملة في المقابل نجد الصين قوة اقتصادية هائلة استحوذت على الإنتاج العالمي.. تنتج كل شيء. وتعمل على طريق الحرير كمشروع اقتصادي سيهيمن على العالم، وهو بمثابة قطار اقتصادي من يركبه سيحقق معدلات النمو والانتعاش، ومن يتأخر عنه سيعاني من مشاكل اقتصادية كذلك التحالف الصيني الروسي سينتج عنه مارد (اقتصادي عسكري) هو الأقوى على مستوى العالم، وهذا التحالف سوف يخضع أوروبا لروسيا من خلال إمدادات الطاقة. فالطاقة التي تذهب لأوروبا من روسيا.. جزء كبير منها سيذهب للصين، فلن يستطيع تحالف “أوكوس” تهديد إمدادات الطاقة للصين لو أراد. في الوقت الذي كانت أمريكا تهدف لإشغال روسيا عن الصين، من خلال أزمة أوكرانيا، ستجد أنها أخضعت أوروبا لروسيا من خلال إمدادات الطاقة. نفس الخطأ الذي ارتكبته أمريكا في كازخستان وكان سببًا في هيمنة روسيا على كازخستان.. ربما غدا روسيا تهيمن على أوروبا والهيمنة هنا ليس المقصود منها الاحتلال، ولكن الاتحاد الأوروبي الحليف الاقوى لأمريكا، والذي تشكل ككتلة لضمان عدم عودة الاتحاد السوفيتي، سيكون هزيلًا اقتصاديًا فطاقته قائمة على روسيا، وبطبيعة الحال روسيا لن تقدم الطاقة إلا وفق ما يخدم مصالحها معركة الشرق والغرب ليست وليدة الأزمة الأوكرانية، هي ممتدة من أيام النظرية الرأسمالية والنظرية الاشتراكية. وأخذت الرأسمالية من الاشتراكية، وكذلك الاشتراكية أخذت من الرأسمالية، من أجل أن يهيمن كل طرف علي العالم، وهذا صراع لن يقف إلا بالهيمنة المطلقة على العالم. بالنسبة للسعودية ودول الخليج وفق الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية.. يبدو أن المراهنة على التحالف الأمريكي مثل المراهنة على جواد خسران. ولا أعتقد أن السعودية ودول الخليج تنوي العودة للجلباب الأمريكي والتعرض مرة أخرى للخذلان هذا الأمر يؤكده امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن على قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، رغم الضغوط الأمريكية. والإمارات في مجلس الأمن تمثل دول آسيا والمحيط الهادي ومجموعة الدول العربية.. وهذا الامتناع له أبعاد سياسية واقتصادية لا شك أن الفيتو الروسي منع صدور أي قرار من مجلس الأمن يدين دخول روسيا في اوكرانيا. ولكن امتناع الإمارات والصين والهند، يعطي مؤشرًا عن تشكل قوة عالمية صاعدة (اقتصادية وسياسية) لم تؤثر عليها الضغوط الأمريكية، ناهيك أن تطلب ود أمريكا والدول الغربية. أخيرًا: هنا لحظة تاريخية.. لولا اتفاق أوبك بلس وارتفاع أسعار الطاقة ما كان لبوتين هذا الموقف الصلب، والسعودية ودول الخليج تقف على الحياد، وهنا أيضًا استذكر بيت بدر بن عبدالمحسن: حنا عمار الخصم .. وحنا دماره وحنا إلى ضاقت .. نحل المشاكيل.
مشاركة :