توازن القوة هو توازن الطاقة: الخليج، روسيا وأمن واردات النفط والغاز في أوروبا

  • 3/25/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بينما يبدو الأوروبيون قلقون بشأن التداعيات الجيوسياسية والعسكرية للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، فإنهم يدفعون بالفعل ثمنا باهظا في مجالين آخرين: الطاقة والاقتصاد. وفي مواجهة محاولات روسيا لتسليح إمداداتها من الطاقة، فإن الأوروبيين مصممون الآن على إنهاء اعتمادهم على الغاز الروسي. وعمل الاتحاد الأوروبي مؤخرا على إضفاء الطابع الرسمي على التزامه بخفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول 2023. وفُرضت عقوبات بالفعل على النفط الروسي الذي كان يمثل 25 في المئة من إجمالي مشتريات الاتحاد الأوروبي من المنتج في 2020. وتضافرت هذه الديناميكيات مع الاختلالات الموجودة مسبقا في أسواق الطاقة لدفع أسعار النفط إلى 130 دولارا للبرميل في الأسبوع الأول من شهر مارس. وشهد المستهلكون والشركات في أوروبا ارتفاعا هائلا في فواتير الطاقة نتيجة لكل هذه العوامل. ولجأ الغرب إلى منتجي الطاقة الرئيسيين والشركاء على مدى عقود في الخليج، فقط ليكتشفوا أنهم كانوا مترددين في اختيار جانب في الحرب. وتواصلت الحكومة الروسية، التي تجني 40 في المئة من إيراداتها من صادرات النفط والغاز، مع قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لثنيها عن سلوك المواجهة في سوق الطاقة. يجب على أوروبا أن تقدم للخليج حلا وسطا أكثر جاذبية بشأن تسعير الكربون والتخلص التدريجي من الهيدروكربونات ووجه الرئيس فلاديمير بوتين رسالة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل اجتماع فبراير 2022 لمنتدى الدول المصدرة للغاز. وأعلنت قطر، التي تعدّ أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، عن استعدادها للمساهمة في أمن الطاقة الأوروبي في حالة تعطل الإمدادات الروسية، مع التأكيد على أنها لن تكون قادرة على المساعدة من جانب واحد. ولقطر طاقة احتياطية قليلة في السوق الفورية للغاز الطبيعي المسال (الذي يُتداول حاليا بأسعار عالية جدا)، لكن الدول الأوروبية تدرس إمكانية الاتفاق مع زبائن هذا البلد الآسيويين على التخلّي لها عن كميات كبيرة من الغاز المتعاقد عليها. وتحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد إلى بوتين قبل إعادة التأكيد على التزامهما باتفاق جدول الإنتاج الذي وقعته روسيا وأعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في عام 2020 بصيغة أوبك+. وفي ذلك الوقت، أجبرت الرياض موسكو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات عن طريق إغراق سوق النفط من أجل انهيار الأسعار وحتى عن طريق البيع المباشر للزبائن التقليديين لروسيا في أوروبا الشرقية. وستضع الصفقات التي وقعتها المملكة العربية السعودية هذا العام مع شركة أورلين البولندية ومصفاة كالوندبورالدنماركية الرياض الآن في وضع أقوى للوصول إلى الأسواق في بولندا وجمهورية التشيك وليتوانيا والدنمارك. ومع ذلك، تدعي الرياض الآن أنها لا تريد تسييس النفط وإخلال التوازن داخل أوبك+. وقد رفضت دعوات متعددة لزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار، والتي جاءت في شكل مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وزيارة أدّاها إلى الرياض كلّ من منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك ومبعوث وزارة الخارجية لشؤون الطاقة عاموس هوشستين، ومكالمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهاتفية مع ولي العهد. كما انضم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى المعركة، وسافر إلى كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على أمل أن تنجح علاقاته الشخصية مع حكام البلدين. وعلى الرغم من تردد دول الخليج في تغيير المسار، إلا أنها لا تعتبر روسيا شريكا استراتيجيا. ولهذه الدول أربع مصالح رئيسية مرتبطة بروسيا: التعاون في سياسة الطاقة، والوصول إلى التكنولوجيا العسكرية، والاستثمار، والتنسيق الجيوسياسي. جهود بوريس جونسون باءت بالفشل جهود بوريس جونسون باءت بالفشل وقلصت روسيا من تدخلاتها في جميع هذه المجالات بشنها حربا شاملة على أوكرانيا. وتعتبر موسكو محاورا مهما لقطر في منتدى الدول المصدرة للغاز وللمملكة العربية السعودية في أوبك+، لكنها منافس أيضا. وإذا تسبب التحول الأخضر، كما هو متوقع على نطاق واسع، في تقلص سوق النفط في السنوات القادمة، فستكون روسيا والمملكة العربية السعودية على استعداد لخوض معركة طويلة الأمد على حصص السوق. وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات استراتيجية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن روسيا ليست في وضع يمكنها من استبدال الولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي أو كشريك دفاعي استراتيجي. وتتماشى نهاية اللعبة الروسية في سوريا وليبيا مع الإمارات، لكن سياساتهما انتهازية. ففي حين أن روسيا ربما حاولت مؤخرا استخدام الاتفاق النووي الإيراني كوسيلة ضغط ضد العقوبات الغربية، إلا أنها قاومت منذ فترة طويلة المحاولات السعودية لاحتواء إيران جيوسياسيا. والواقع أن رفض دول الخليج الوقوف ضد روسيا إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا لا يتعلق بروسيا نفسها، بل إن الأمر يتعلق بالانتقال في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، واتباع نهج المعاملات لحماية المصالح الوطنية، وتجنب تكاليف المواءمة الاستراتيجية. على الرغم من توقيع اتفاقيات استراتيجية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن روسيا ليست في وضع يمكنها من استبدال الولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي أو كشريك دفاعي استراتيجي وترى دول الخليج أن الولايات المتحدة ملتزمة بالتخلي عن دورها التقليدي كضامن لأمن الشرق الأوسط، مما يعني أنها تعتقد أن لدى واشنطن القليل لتقدمه. وفي الواقع، من المرجح أن ترى حدود التحوط الشديد بسرعة. ويمكن للأوروبيين، الذين يبقى تأثيرهم أقل بكثير من تأثير الولايات المتحدة في الخليج، تسريع هذا الحساب. ويجب أن يوجّهوا رسالة واضحة إلى دول الخليج مفادها أن إقامة شراكة قوية في مجال الطاقة مع أوروبا الآن لن تكون مجرد محاولة قصيرة المدى للتغلب على روسيا ولكنها أيضا عنصر في استراتيجية تمتد لعقود من الزمن للتحول الأخضر، وهي استراتيجية من شأنها أن تقلل من مخاطر عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وخاصة في منطقة الخليج. ولإيصال هذه الرسالة، يجب على نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز ومفوض الطاقة كادري سيمسون، المضي قدما في زيارة إلى المملكة العربية السعودية كان من المقرر أوليا إجراؤها خلال الأسبوع الثالث من شهر مارس، ولكن يمكن تم تأجيلها بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. وستحتل الطاقة مكانة بارزة في برنامج العمل المشترك القادم بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، نظرا إلى أن الدول الأوروبية تعتبر دول الخليج مصدرا رئيسيا للطاقة الخضراء وشريكا في الاستثمار في هذا القطاع. ولا يزال بإمكان القادة الأوروبيين تعديل الوثيقة، التي يجب نشرها قريبا، لتوسيع مشاركتهم مع دول الخليج في قضايا الطاقة. ويجب أن يقدموا لدول الخليج حلا وسطا أكثر جاذبية بشأن تسعير الكربون والتخلص التدريجي من الهيدروكربونات، بالإضافة إلى التزام استراتيجي أقوى بالتجارة في الطاقة الخضراء والكهرباء والغاز الطبيعي المسال. ويمكن لأوروبا أن تشجع دول الخليج على التخلي عن التحوط المفرط من خلال هذا النوع من الاتساق الواضح. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :