حث الدكتور صالح بن عبد العزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم خطباء المساجد إلى اتباع المنهج النبوي عند إعداد خطبة الجمعة، حيث إن المدة التي تستغرقها الخطبة -قصراً وطولاً- الناسُ فيها بين إفراط وتفريط وتوسط، هناك التطويل الممل، والتقصير المخلّ؛ وهذا كله خارج عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-. وفي الحديث الذي رواه عمار كما هو في مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن طول صلاة الرجل وقِصَر خطبته مَئِنة من فقهه»، وعلى هذا كره الشافعي -رحمه الله- إطالتها، وقال: «أُحب أن يكون كلام الخطيب قصداً بليغاً جامعاً»، وقال ابن حزم: «لا تجوز إطالة الخطبة» كأنه يميل إلى التحريم، وقال النووي -رحمه الله-: «المراد من الحديث: أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة»، وعند مسلم من حديث جابر بن سمرة: «كنت أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً». قال النووي: «أي بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق». قال ابن القيم في الزاد: «كان -صلى الله عليه وسلم- يقصر في خطبته أحياناً، ويطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس، وكانت العارضة أطول من الراتبة»، والعارضة: النازلة التي لها سبب حادث؛ فهي أطول من الراتبة التي هي ديدنه في خطبه، فلا يصلح أيضاً أن يكون القِصَر مطلوباً لذاته. مشيراً إلى أن من مطالب بعض الناس أن يكون جمع الجمهور بحجة القِصَر؛ فإذا كان هذا هو الهدف الذي يحدو بالخطيب إلى ذلك فهو خطأ؛ لأنه ليس مقصوداً من مقاصد الشريعة، وإنما المقصود أن تتعدد المنافع: منها الرفق بالناس، ومنها تركيز المعلومة؛ بحيث يخرج كل إنسان والمعلومة معه؛ لأن الحديث إذا طال قلَّت فائدته وأنسى بعضه بعضاً». قال ابن حجر -رحمه الله-: «واتفق العلماء على مدح الإيجاز، والإتيان بالمعاني الكثيرة بألفاظ يسيرة». واستشهد الدكتور صالح التويجري بالتطبيق العملي الذي ذكره الشيخ (سعود الشريم) حيث قال: «إن قراءة سورة (الجمعة والمنافقون) تمتد غالباً من 10 إلى 15 دقيقة، وقد تصل القراءة المرتلة المجوَّدة إلى 20 دقيقة، فيكون قصر الخطبة بالنسبة للصلاة أقل من 20 دقيقة»، وهذا كأنه يشير إلى أن هناك إمكانية تحديد عن طريق قراءة السور إلا في حالات مستثناة قد تطول فيها الخطبة؛ فإذا قرأ الإمام سورة (ق) في الخطبة فإنها ستكون الخطبة أطول، ومما ينبغي أن يلاحظه الخطيب أيضاً حالة الجو بالنسبة للناس؛ فالجو البارد غير الحار، كذلك الظروف من مطر، أو خوف، أو أن يكون الموقع في محلات تجارية، أو أسواق، أو أن يكون على سابلة الطريق وقارعة الطريق حينما يقف الناس ومعهم عائلاتهم يريدون الصلاة في غير المساجد التي في الأحياء ونحوها فإنها أمور يدركها الخطيب وينزلها على الواقع. ومن هنا فإن فكرة تعميم نموذج خطبة لكل المناطق غير واقعي ولا مفيد يرى الحاضر ما لا يرى الغائب، ومثله الموضوع؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب خطباً طوالاً، وخطب خطباً قصيرة، بحسب الموضوع الذي يستدعي ذلك؛ فهو حينما يتكلم عن الآخرة وأحوالها وما يحدث فيها يطيل؛ لأن الموضوع لا يُملّ، ويشد الناس إليه عدد من نصوص الترغيب والترهيب، وهناك موضوعات يكتفي منها بالإشارة.
مشاركة :