في كتابه «دكتاتورية اللغة وأقنعة الرمز في الخطاب الاتصالي»، الصادر عن «مؤسسة حورس الدولية»، يبحثُ الدكتور كاظم مؤنس، في البنيات اللغوية وفاعلية الرمز في الخطاب الاتصالي، متناولاً سلطة اللغة في هذا الخطاب، ونظام الإنابة والاستبدال في اللغة، وكيفية الإدراك والوعي بالواقع من اللغة والخطاب الاتصالي. ويقسم مؤنس كتابهُ وفق هذه الموضوعات، التي يتناولها على التوالي، مفككاً العلاقة بين اللغة والرمز، ومبيناً بأن الخطاب، أياً كان شكلهُ، هو «لغة بهيئة رموز صنعت لنفسها أساساً صالحاً لما يسمى بدكتاتورية اللغة، خصوصاً في حقلا لإعلام والاتصال»، مضيفًا أن اللغة «وعاء للفكر والأفكار التي لا وجود لها خارج التركيب اللغوي»، أما التركيب اللغوي، فما هو«إلا وظيفة للمعنى يعبر عن كونه منظومة دينامية موحدة لعناصرها ووحدتها البنائية التي هي بجوهرها وحدات علاماتية يحرر معانيها السياق اللغوي». ويشير مؤنس، في دراستهِ لـ«البنيات اللغوية وفاعلية الرمز في الخطاب الاتصالي»، إلى أن الرموز، سواءً كانت صوتية أو بصرية، أو حركية (أفعال وإشارات)، هي البنى الأساسية للاتصال، حيثُ تعمل «كوسائل منتجة لبنية الرسالة الاتصالية»، فالرموز تعتمد على الفهم المشترك، حيثُ تحمل المعاني العرفية، «التي تشكل مرجعية ساندة للتوافق النفسي والفكري». ثم يفصل في المعنى، والعمليات الاتصالية؛ المرسل، والرسالة، والوسيلة، والمستقبل، والنماذج التي تفسر حركة التأثير، والعوامل التي تلعب دوراً في تفعيل السلوك اللغوي الذي يفضي إلى الإعلان عن معالجتنا للرموز وتحديد موقعها في سلم مدركاتنا وخبراتنا. بعد ذلك، يذهبُ لبحث موضوع سلطة اللغة على الخطاب، عارضاً للطبيعة الاجتماعية للغة، حيثُ تعدُ اللغة أداةً لنقل إحساس الإنسان وتصوراته للآخرين، والتي تُعد «الوسيلة الأبرز في اتصال الإنسان بمجتمعه»، إذ لا توجد اللغة إلا في المجتمع، والتي اضطرتنا تطورات الحضارة وتقعيداتها، وتطور تكنولوجيا الاتصال، إلى الحاجة للتغلب على الزمان والمكان، لتحقيق التواصل، وأصبح الاتصال، بشكله الجديد، ضرورة من ضرورات الحياة، وبتحقق هذا التصال، لم تتوقف وظيفته على نقل التصورات والمفاهيم «بل تعدت ذلك إلى فضاء أرحب يتمثل، بتثبيت، وتوسيع، وتبديل هذه التصورات وتلك المفاهيم في عقول الآخرين». كما يتطرق مؤنس، للأفكار بوصفها وجهًا آخر للغة، حيثُ إن الاتصال في جوهره، هو نشاط ذهني، وبذلك، تعدُ اللغة أبرز مظهرٍ لمادة التفكير، ومن خلال ذلك، يذهبُ مؤنس، لدراسة العلاقة بين الرموز والنظام التعبيري، وتوضيح فاعلية التركيب وفاعلية القراءة، ليصل بنا لتبيان العلاقة بين اللغة والتفكر، واللغة وفعل المعرفة، وصولاً لصناعة المعنى، معرجاً على الحداثة وخطابها. أما في سياق تناول نظام الإنابة والإستدال في اللغة، فيدرسُ مؤنس كيف يعمل الرمز على الإشارة إلى شيءٍ ما، ليحل بديلاً عنه، «أي أننا نلجأ إلى الاستعاضة عن حركة أو واقعة بإشارة دالة تقوم أساساً على مبدأ الإيجاز أو التمثل أو الاختصار المكثف للإيحاء بوجود معنى أعمق»، وتتعددُ صور الرمز الذي يأخذُ تمثل الواقع، وهناك عددُ من الرموز التي يفصلها مؤنس في فصله هذا، مستنداً فيها إلى ما اقترحه (مارسيل مارتين)، حول الرموز التشكيلية، التي تقوم على التماثل أو التناقص الشكلي في الصورة، بالإضافة للرموز الدرامية، التي تلعب دوراً مباشراً في تطور الحدث وتفسيره، والرموز الأيديولوجية، وهي التي تعبر عن معانٍ أكثر عمقاً وتقعيداً، من خلال التعبير عن أفكار تتجاوز حدود الموقف أو الحدث. الفصل الرابع، «الصورة كيفية للإدراك والوعي بالواقع» وبالوصول إلى الصورة، وكيفية الإدراك والوعي بالواقع، يناقش مؤنس في هذا الفصل، الصورة، بدءًا من قوتها حيثُ «الخطاب البصري هو الأبلغ تأثيراً من بين جميع وسائل الاتصال الأخرى»، مرورًا بحضورها المكثف في واقعنا اليوم، وفي عصر الاتصال والتواصل الحديث، حيثُ هناك حضور وتدفق جارف للصورة في شامل نظامنا الوضعي المعاصر، كما يقول مؤنس، وبالتالي، أضحى للصورة هيمنة طاغية، وفل ظل هذه الهيمنة، يحلل مؤنس حيادية الصورة، وسياقتها، وقدراتها الخطابية. ويختم مؤنس كتابهُ بفصلٍ يخصصهُ للكتابات المتعلقة بالفن والثقافة، وهو فصلُ لا يتصلُ بشكلٍ مباشر بالفصول الأخرى، إلا من حيثُ تقارب الموضوعات، فهو عبارة عن مقالاتٍ تتناول عددٍ من الموضوعات، أو كما وصفها مؤنسُ نفسه في عنونته للفصل «كتابات»، حيثُ يتطرق في هذه الكتابات، لموضوعات معاصرة، كـ«الوسائل المعبرة عن قلق العصر»، متطرقاً لصناعة الرعب في السينما، وهو ذات موضوع مقال آخر حول «وسائل صناعة الرعب»، وقد سبق لمؤنس دراسة موضوع الرعب بشكلٍ موسع في كتاب «لذة الخوف وغواية المثير في سينما الرعب». كما يكتب مؤنس في هذا الفصل، عن «جسد الممثل.. سطح لنقش الأحداث»، متناولاً المسرح، و«الإنقلاب الحاد في وسائل التعبير ما بعد الحداثة»، ومواضيع أخرى، ذات اتصالٍ بما فصلهُ حول الرمز، لكنها منفصلة عن الكتاب، من حيثُ المباشرة، إذ جاءت كمقاربات تمثيلية للموضوعات التي سبق تناولها في فصول الكتاب.
مشاركة :