عادة ما يتم التركيز على العلاقة السببية بين انعدام الأمن الغذائي، وثلاثة عوامل رئيسة؛ هي (النزاعات المسلحة والأوضاع الاقتصادية والتغيرات المناخية)، دونما النظر إلى مساحات «التأثير المتبادل»، من خلال اعتبار «أزمة المناخ» محركة للأزمات الأخرى، بما في ذلك تأثيرها على الأوضاع الاقتصادية، وحتى الأمنية، لجهة تداعيات التغير المناخي العميق، على تفاقم النزاعات المسلحة في بعض البلدان، فكيف يحدث ذلك؟ حددت دراسة حديثة أوجه التأثير المتبادل بين انعدام الأمن الغذائي من جهة، والنزاعات المسلحة والأوضاع الاقتصادية والتغيرات المناخية من جهة ثانية، بالتطبيق على أزمة المياه في عدد من الدول، وهي الأزمة الناتجة عن التغير المناخي، والتي تقود إلى صراعات مسلحة حول المياه، أو تفاقم صراعات قائمة بالفعل، وهو ما يعكس أثر أزمة المناخ «المباشر وغير المباشر» على تفاقم الصراعات. وخلصت الدراسة إلى أن «أزمة التغير المناخي تؤدي بشكل لا لبس فيه إلى تفاقم الظروف ذاتها، التي تسهم في صراعات المياه: الجفاف والندرة وعدم المساواة». الدراسة التي أجراها معهد المحيط الهادي (مجموعة بحثية مقرها أوكلاند)، وجدت أن النزاعات على المياه زادت بشكل حاد في السنوات العشرين الماضية، واشتبك المزارعون والرعاة في أجزاء من أفريقيا حول الوصول إلى المياه، حيث تشتد الصراعات في منطقة عانت من حالات جفاف سيئة بشكل غير عادي. كما اندلعت احتجاجات مناهضة للحكومة في إيران بسبب شح المياه، فيما أدى تقاسم المياه إلى تمزيق عديد من الدول السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، التي تمتد على ضفاف نهر آمو داريا (جيحون). وطبقاً للرئيس الفخري للمعهد، بيتر جليك، في إفادته حول الدراسة، التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» قبيل أيام، فإنه منذ العام 2000 «كان ربع النزاعات التي أثارها الوصول إلى المياه في ثلاث مناطق تعاني من ندرة المياه بسبب الاحتباس الحراري: الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء». بشكل منفصل، قدرت الأمم المتحدة أن 19 دولة في أفريقيا يبلغ مجموع سكانها 500 مليون نسمة تعاني من انعدام الأمن المائي. على رأس تلك القائمة ثلاث دول ليست غريبة عن الصراع، وهي: تشاد والنيجر والصومال، بما يكشف جانباً من مساحات «التأثير المتبادل». ظواهر متطرفة وتواجه معظم الدول في القارة الأفريقية مستويات أعلى من مخاطر الظواهر الجوية المتطرفة؛ لأن تغير المناخ يجعلها أكثر تواتراً وأكثر حدة، مما يفوق قدرة البلدان على التكيف. ومن ثم، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المخاطر، فغالباً ما يجعل الكوكب الأكثر سخونة الأماكن الجافة أكثر جفافاً وأكثر سخونة أيضاً، ما يؤدي إلى منافسة فائقة على الموارد، لا سيما المياه. وقبيل أيام نشرت المجموعة البحثية المذكورة تسلسلاً زمنياً للنزاع على المياه، عبر 1297 واقعة رئيسية، تُعدد حلقات النزاع عبر تاريخ البشرية، إذ تسببت مسألة «الوصول إلى المياه» في حدوث اضطرابات أو أصبحت سلاحاً في الحرب، وفي بعض الأحيان تصبح موارد المياه ما يسميه التقرير «ضحية» للنزاع، إذ يتم تفجير الناقلات وتسميم الآبار وغيرها من الأمور. يقول الخبير الحقوقي، الأمين العام لتحالف الحد من انتشار الأسلحة، أيمن عقيل، في تصريح لـ«البيان»: إن أزمة التغير المناخي من شأنها المساهمة بشكل أو بآخر في تفاقم النزاعات المسلحة مستقبلاً في العديد من البلدان حول العالم، التي تعاني من آثار أزمة المناخ. وفي هذا السياق يبرز مصطلح «أمننة البيئة» الذي ذكره خبراء مدرسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية، وذلك بالنظر إلى البعد الأمني لقضايا البيئة وتأثيرها على الأمن القومي للبلاد، وبما يتطلب مجموعة من التدابير الاستثنائية لمعالجة تداعيات أزمة المناخ على النزاعات القائمة، بالعمل بالتوازي بين إيجاد حلول سلمية للأزمات، ورؤى واستراتيجيات معالجة أزمة المناخ لدرء أي تفاقم محتمل للنزاعات لاحقاً. القضايا البيئية وفي ضوء ذلك، يشير عقيل إلى ضرورة فتح آفاق للتعاون وتبادل ونشر المعلومات المرتبطة بالقضايا البيئية المختلفة والصراعات الدولية، بهدف معالجة الأسباب التي تقود لتفاقم معدلات العنف، وبما يسهم في الدفع بالحلول السلمية للنزاعات أخذاً في الاعتبار بالعوامل البيئية والصحية. كما يتحدث بموازاة ذلك أيضاً عن أهمية «العمل على دعم التعاون لتطوير أنظمة الرصد والإنذار المبكر للكوارث المناخية، مع تبني نهج استباقي قائم على التعامل مع مخاطر تغير المناخ». ويُبرز الأمين العام لتحالف الحد من انتشار الأسلحة، الدور المُنوط بالمجتمع الدولي القيام به، من خلال الالتزام بتطبيق نص المادة 26 من ميثاق الأمم المتحدة، للحد من تفاقم الصراعات والأزمات المختلفة، كما يُبرز ضرورة احترام حق الدول في الحصول على المعلومات، ومشاركة تلك المعلومات لكل الأشخاص المتضررين من التغير المناخي وفيما يتعلق بتداعيات أزمة المناخ الأمنية. وفي السياق، فإن مؤشر جامعة نوتردام العالمي للتكيف مع التغيرات المناخية، كان حدد في وقت سابق 30 بلداً باعتبارها أكثر عرضة للتأثيرات السلبية لتغير المناخ، معظمها دول تعاني من تفاقم النزاعات المسلّحة، مثل الصومال وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية والنيجر وتشاد ومالي، وتنضم إلى القائمة أيضاً كل من اليمن وميانمار. وفي ضوء ربط آثار أزمة المناخ بالصراعات، أشار المجلس الاستشاري الألماني المختص بالتغير المناخي، في تقرير سابق له، إلى مسارات رئيسية عدة قال إنها تربط التغير المناخي بالصراع، وهي: (شح المياه العذبة والنقية، وانعدام الأمن الغذائي، وتفاقم الكوارث الطبيعية من حيث وتيرتها وحدتها، وكذلك زيادة أنماط الهجرة وتغيرها)، وجميعها عوامل تسهم بشكل أو بآخر في تفاقم الصراعات. تباين على الجانب الآخر، سلط تقرير للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الضوء على حدود التأثير والتشابك بين قضيتي التغيرات المناخية والصراعات المسلّحة. أشار التقرير إلى وجهات نظر متباينة بهذا الشأن، فمن ناحية قد تؤثر التغيرات المناخية على تصاعد العنف والصراع داخل المجتمعات؛ إذ إن ندرة الموارد الطبيعية قد تقود إلى البحث عن سبل لضمان واستدامة العيش، ومن ثَمَّ زيادة حدة المنافسة بين الأطراف الداخلية (..) الأمر الذي قد يؤول إلى صراع داخلي عنيف. بينما من ناحية أخرى، يرى آخرون أن التغيرات المناخية قد تكون أحد دوافع ومحفزات الصراعات، وليست سبباً مباشراً فيه، أي أنها تتفاعل مع عدد من العوامل الأخرى، التي تؤدي إلى النزاع، بينما رأى فريق ثالث أن التغيرات المناخية سبب في التعاون والتكامل وتجنب النزاع. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :