تحت عنوان "تأملات" قدم الفنان إبرهيم الطنبولي أحدث معارضه الفنية بقاعة زاج بيك بالشيخ زايد، الذي افتتح أخيرا، وضم 36 لوحة تعتمد على تنوع الخامات والأساليب الفنية التي وظفها في مشواره الفني، والتي هي نتاج لحالة تأمل مستمرة، يسجل من خلالها مشاهداته متجولا بين أرجاء مدينة الأسكندرية التي نشأ بها وعشقها، فتجلت بمفرادتها البصرية والاجتماعية والثقافية في أعماله على امتداد مسرته الفنية، إضافة إلى جولاته بين ربوع مصر بريفها وقراها التي صاغها بصريا على مسطحه التشكيلي. يرى الشاعر جمال القصاص إن فكرة التأمل تعد إحدى الركائز المهمة في عالم إبراهيم الطنبولي الفني، ويقول "یغرق الطنبولي في تأملاته، محاولا أن یسجل على مسطحه التشكیلي كل تلك المشاھدالمدونة في ذاكرته عبر السنوات.. تلك التي یخشى علیھا من الفقد ومن المحو بفعل الزمن.. ومن ثم فإن هذا التأمل لیس عابرا على السطح، وإنما یغوص في الأعماق والجذور، في الطینة الأولى الرخوة للوجود والكائناتوالبشر والعناصر والأشیاء.. تأمل ما قد كان وما ھو كائن، وما الذي یجب أن یكون، بعین الفنانوبصیرته النفاذة الخاصة. ويضيف "بالنسبة للطنبولي فإن الماضي یعني كل تلك اللحظات المشحونة بالجمال التي عاشھا في مدینة الأسكندریةبسحرھا، أو متجولا بین ربوع مصر بریفھا وقراھا، لیترسخ اللون الأخضر في وجدانھ ویطرح علىمسطحه نخیلا وأشجارا وحیاة، أما الأزرق فإنھا تلك السماء.. وذلك البحر الذي تتھادى علیھ المراكبویغازل العشاق، قبلة الباحثین عن الرزق من الصیادین، حامل رسائل البحارة التائھین، ذلك الذي یھربإلیه الطنبولي بمخیلتھ كلمھا شعر بحاجته للرحابة.. فالحاضر یدعوه دوما للفرار إلى ذاكرته.. بحثا عنزمن آفل وعن مشاھد أوشكت على الاختفاء.. وربما لھذا السبب تجده یلجأ إلى مزیج من التعبیریةوالتجریدیة أو حتى السریالیة في نفس العمل.. تعبیریة تدفق بجمال اللحظات المحفورة بداخله، یسجل منخلالھا البھجة لیتقاسمھا مع من یتأمل أعمالھ، أما تجریدیتھ فتخشى غیاب وشیك لأمكنة لم تعد ھي ذات لأمكنة.. فتبدو أعمال الفنان إبراھیم الطنبولي كجداریات ضخمة یدون علیھا رسائلھ التي یغازل فیھا مدینته التي أحبھا ولم یعدیراھا أو تراه. یتحرك إبراھیم الطنبولي بانفعال على المسطح، بین حنینه للماضي ومعایشته للحاضر، بكل تلك التغیرات السریعة التي تحدث من حوله، مسطحاته مسكونة بالحركة متدفقة بالحیاة، تبدو بعض الأعمال كمشھد متحرك لمسافر یرى ما یحدث من وراء نافذة القطار، وربما لھذا یستخدم مفردة الدراجة كثیرة، تلك التي تعبر عن الحركة والبھجة في آن.. إذ كان یستخدمھا دائما لیذھب بھا إلى عمله ویجوب الأسكندریة مسكونا بسعادة الحریة. ولیست الدراجة وحدھا التي تنقل إلینا ذلك الشعور بالحریة، إذ نجده یستخدم كذلك مفردة الطائر، وھو إنكانیرتبط دائما بفكرة الحریة، فإنھ یحمل دلالة أخرى لدى الفنان إبراھیم الطنبولي الذي یعني بالنسبة لهالحكمة، فالطما كان الطائر یرتبط لدیع بتحوت إلھ الحكمة عند المصریین القدماء، الذي كان یحمل قرص الشمس فوق رأسه، لكننا نرى في أحد أعماله أن الطائر یقف فوق قرص الشمس الذي تحمه امراة، ولیس الطائر وحده رمز الحكمة فالسمكة كذلك ترمز عنده للمعرفة والثقافة، وغیر ذلك من المفردات المتنوعة التي تكتسب في مسطحات الطنبولي دلالات إضافیة، تنقل لمن یشاھدھا رسائل علیه أن یبحث عن معناھا. ومع كل معرض یتأكد لدینا أن الطنبولي لا یتوقف عن تأملاته ولا عن استعادة ما كان..بفتح أبواب ذاكرته، لا یتوقف عن خربشاته في جدران ذاكرته ولا على مسطحاته، ھو ببساطة لا یتوقفعن اقتناص المشاھد وتخزینھا وإعادة صیاغتھا بأسلوبه.. لا یتوقف عن الإبداع ولا عن ادھاشنا. وحول تجربة الطنبولي يقول الناقد التشكيلي د.محمد مرسي أن الطنبولي يمتلك مشروعه الخاص، وإن كان يرفض أن يصنف ضمن مدرسة بعينها، هذا المشروع يعتمد على توظيف المفردات البيئية بحيث تجد نفسك موصولا ومنفعلا بالحياة من فرط التدفق والحيوية، لوحة تملك من الاحتشاد والسحر الذي لا يمكن مقاومته، هي حالة وجدانية وانفعالية فريدة، لا يصل إليها إلا المبدعون الكبار .وعندما شاهدت أعماله في مرسمه بأتيليه الإسكندرية تذكرت الرسامين الكبار الذي يشغلون العالم بأعمالهم التي لا ينقضي تأثيرها بالوقت، ولكن تتملكك رغبة جارفة باستعادة مذاقها، تتميز لوحاته بتلقائية غريبة، رغم الصنعة والخبرة الكبيرة التى تبدو واضحة كفنان يمتلك أدواته ويعرف أسرار الخامات التي يستخدمها بحرفية شديدة. ويضيف "للطنبولي موضوعاته الأثيرة، ناس الإسكندرية والبحر والمراكب، وهو يضع يده على مكامن السحر فى المدينة التى ينتمى إليها ويسوقها في اعماله فى كل العالم فهو له معارض ليس فى الإسكندرية، ولكن فى لندن وألمانيا وإيطاليا والأردن وغيرها، وإذا كانت هناك مدرسة اسمها مدرسة الإسكندرية تخرج منها فنانون كبار إلا أنه استطاع أن يكون له مدرسته وأسلوبه وألوانه التى تشبه المدرسة الوحشية ولكن بتوظيف جميل واخاذ، إنه فنان يمتلك من ألعاب السحر ما يجعلك داخل نفوذه تماما ولا تستطيع ان تنفك من هذا السحر". يذكر أن الطنبولى يشارك في الحركة الفنية منذ عام 1974، ويجمع في ممارسته الفنية بين الرسم، والتصوير بمختلف الخامات كالزيت والأكوريل والباستيل والأكريلك، ذلك بخلاف النحت والخزف، وتنبع خصوصية تجربته الفنية من ارتباطها ارتباطا وثيقا بتجربته الإنسانية وانفعاله بما يحدث حوله انفعالا صادقا يتضح أثره في أعماله الفنية.. وقد حصل على الجائزة الكبرى في بينالي شرمالشيخ الدولي، وعرضت أعماله في الداخل والخارج في كندا واستراليا وانجلترا وإيطاليا وفرنسا، وله عدةمقتنيات من إبداعاته في الداخل والخارج من بينها متحف الفن المصرى الحديث، وكذلك المتحف الملكي الأردني.
مشاركة :