انفلات الأسعار يُقصي اللحوم من قائمة خيارات الفقراء في لبنان

  • 3/28/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أجبر الفقر معظم الأسر اللبنانية على التنازل عن وجبة اللحوم الحمراء التي كانت لا تغيب عن موائد السكان بمختلف فئاتهم، في ظل تدهور مستوى المعيشة الذي دفع الناس إلى استبدالها بمواد غذائية أخرى أقل تكلفة. وفي بلد ينهشه انهيار اقتصادي وترتفع فيه تدريجيّا أسعار المواد المستوردة وجدت ليلى إبراهيم، كغيرها من اللبنانيين، نفسها مضطرة إلى الاكتفاء بتناول أطباقها المفضلة من اللحوم مرة واحدة في الأسبوع، مستعيضة عنها بحمية ترتكز أكثر على الحبوب والخضروات. وتقول المرأة الأربعينية لوكالة الصحافة الفرنسية “كنت أتناول شريحة من اللحم أو الدجاج أو السمك يومياً، لكن أسعار هذه المواد باتت خيالية”. وتضيف “خفضنا استهلاكنا من اللحم الأحمر إلى مرة واحدة في الأسبوع. أصبحت نباتية تقريبا بحكم الضرورة لا الاختيار”. نبيل فهد: بيع اللحوم في المتاجر الكبيرة تراجع بسبعين في المئة وارتفعت أسعار اللحوم الحمراء المستوردة أكثر من خمسة أضعاف، حتى أن الكيلوغرام الواحد من لحم البقر بات يعادل نصف قيمة الحد الأدنى للأجور المحدد بنحو 675 ألف ليرة (33 دولارا). وتخطت بعض الأنواع المستوردة والأفضل جودة قيمة الحد الأدنى للأجور بالكامل في بلد فقدت فيه العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار خلال عامين فقط. وتظهر الأرقام الرسمية أن نحو 80 في المئة من السكان باتوا تحت خط الفقر، بينما تدهورت قدرتهم الشرائية وانحسرت الطبقة الوسطى إلى حد كبير. وبحسب مرصد الجامعة الأميركية للأزمة ارتفعت أسعار اللحوم، حتى نهاية العام 2021، بنسبة تراوحت بين 440 و530 في المئة، كما سجل الدجاج ارتفاعا تراوح بين 328 و425 في المئة. وتقول إبراهيم “بتنا نضع كمية ضئيلة من اللحم في المحاشي أو اليخنة، وحتى اجتماع العائلة على طبق اللحوم المشوية في أيام الآحاد لم يعد ممكنا”. ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من صدور الدجاج نحو 120 ألف ليرة (5 دولارات) مقابل 300 ألف ليرة (15 دولارا) لفيليه البقر أو ما بين 150 و170 ألف ليرة (7.5 و10 دولارات) للحم المفروم. ودفعت الأسعار بالكثيرين، على غرار إبراهيم، إلى تغيير عاداتهم فيما تراجعت “بنسبة سبعين في المئة” المراجعات لدى أخصائيي التغذية، بحسب ما أفادت نقيبتهم كريستال بشي. وتقول بشي إن البعض من اللبنانيين باتوا “يجدون حرجا في الإفصاح عن عدد وجبات اللحوم التي يتناولونها”، مشيرة إلى أنهم صاروا يعتمدون أكثر على الدجاج الأقل تكلفة، فيما “لا ترد اللحوم سوى مرة أو مرتين” في الأسبوع. ويوضح نقيب أصحاب السوبر ماركت نبيل فهد أن الزبائن “أبدلوا اللحوم الحمراء بالدجاج في المرتبة الأولى، وبالدرجة الثانية بالحبوب”، خصوصاً بعد رفع الحكومة الدعم عنها مع سلع أخرى قبل عام. غلاء فاحش يرهق جيب المواطن غلاء فاحش يرهق جيب المواطن وتراجع بيع اللحوم الحمراء في المتاجر الكبيرة بنسبة 70 في المئة، وفق فهد الذي يوضح أن التأثير الأكبر انعكس على القصابين الصغار الذين يعدون المقصد الرئيسي للسكان خصوصا خارج المدن الكبرى. وتقول نانسي عواضة من فريق مراقبي جودة اللحوم في محافظة بيروت إن “الكمية في براد القصاب تقتصر اليوم على ربع أو ثلث ما كان سابقا”، وتحديدا قبل الأزمة التي تفجرت في أكتوبر 2019. وتزامنا مع تراجع استهلاك اللحوم، الذي يهدد نشاط القصابين، تراجعت أيضا الشكاوى التي كانت تتوالى إلى عواضة وزملائها بنسبة 75 في المئة. وليس في ذلك دليل صحة أو تحسن في مطابقة الشروط الصحية بل هو عائد، وفق عواضة، إلى أن اللبنانيين “قللوا من استهلاك اللحوم، وبالتالي من شرائها”. ولم يعد الزبون يحدد طلبيته وفق الكمية، بل بحسب المبلغ الذي بحوزته؛ ففي أحد متاجر بيروت اقترب شارل نصور (62 عاما) من القصاب وطلب منه كمية من اللحم المفروم مقابل 30 ألف ليرة (1.5 دولار). ويتكرر المشهد ذاته يوميا. وازداد الوضع سوءا مع دخول لبنان في أزمة كهرباء ووقود حادة في صيف 2021، ما رفع كلفة حفظ الطعام أساسا وبالتالي أسعار المواد الغذائية. وتتخطى ساعات التقنين من مؤسسة كهرباء الدولة 22 ساعة في اليوم، وجراء رفع الدعم عن استيراد المازوت بات أصحاب المولدات الخاصة يطلبون مبالغ مرتفعة جداً لتأمين التيار الكهربائي تعويضاً عن النقص في إمدادات الدولة. كريستال بشي: الناس باتوا يعتمدون أكثر على الدجاج لأن تكلفته أقل ويقول الشريك الإداري لشركة فيد للتوزيع واستيراد اللحوم عماد حروق “كان الوضع مقبولا حتى النصف الأول من 2021، لكنه اختلف بعد أغسطس”. وأكد أن ذلك يعود إلى “ارتفاع تكاليف التخزين في ظل انقطاع التيار الكهربائي والاعتماد على المولدات الخاصة على مدار الساعة، مما أثر على سعر البيع”. وأضاف “حتى المقتدر لم يعد يستهلك كما في السابق”. وأمام تراجع الاستهلاك قلل المستوردون أيضا من الكميات التي يشترونها من الخارج. ويوضح حروق قائلا “كان يصل إلى لبنان شهريا نحو 70 حاوية من اللحوم المبردة، أما الآن فبات عددها نحو 40” فقط. وانعكس العزوف المتزايد عن شراء اللحم على المطاعم، ويقول نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي إنها “خسرت محركها المتمثل في الطبقة الوسطى، وبقي 5 في المئة فقط من المواطنين قادرين على الاستمرار بالسلوك نفسه فيها”. والمطاعم في لبنان غنية بأطباق بديلة عن اللحوم، وتتنوع بين العدس والحمص والأعشاب المتبلة وغيرها، ما يجعل الزبائن قادرين على اختيار ما يناسبهم ووفق “أسعار تناسب موازناتهم”. لكن مديرة العناية بالزبائن في مطعم “كبابجي” للأطباق اللبنانية هالة جباعي تقول إن “الأزمة الاقتصادية وأزمة كوفيد – 19 أدتا إلى تراجع كبير في مبيعات كل الأصناف وخصوصاً الأطباق القائمة على اللحوم”.

مشاركة :