رباعيات صلاح جاهين: بعثٌ فني جديد!

  • 3/28/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الرباعية قالب شعري يستعرض فيها مؤلفها منطقه الفلسفي بشكل مثالي، شذراتٍ منجمّةً، كأنها رسائل نجمية في سماء الحروف، هكذا تعرفنا عليها مع العالم حين اطلعنا على ترجمة رباعيات عمر الخيام الفارسية، ولكن في مصر، كان هناك شاعر آخر وفلسفة أخرى وبالتأكيد ديوان آخر من الرباعيات. إنها رباعيات صلاح جاهين. جاهين في عام 1963 جمع صلاح جاهين، الشاعر، ورسام كاريكاتير السياسي والاجتماعي، ومؤلف الأغاني، وكاتب السيناريو، وراوية مسرح العرائس، رباعياته المنشورة في المجلة الأسبوعية المصرية (صباح الخير)، ليتم طباعتها بين غلافين، لتشكل الذوق الثقافي بما فيها من عمق. في تقديمه للديوان، كتب يحيى حقي، الرباعية الواحدة تنبئ عن إقبال شديد على الحياة وإكبار لها. وتعلق بها، وتنبئ فى الوقت ذاته عن الاستهانة بهذه الحياة واحتقارها لا تدرى أهى لذة حسية أم هى لذة روحية؟ أمتفائل هو أم متشائم مؤمن؟ هو أم كافر؟ إن كانت الحيرة مؤلمة فليس هنا لذة تفوق لذة هذه الحيرة التى يلقيك عمر الخيام فى أحضانها أو بين مخالبها، ذلك لأنها ليست ناجمة من أنك تجد نفسك فى فراغ من حوله فراغ، بل لأنك فى قلب دوامة تدور من حولك لا تعرف أين رأسها من ذيلها، هذا هو عين الخدر الذى يحبه الكبار الذين يركبون أرجوحة الصغار. يحيى حقي وإذا كنت تمتعت بهذا الخدر على يد عمر الخيام فإنى قد تمتعت به أشد المتعة على يد صلاح جاهين. هذه الرباعيات هى صلاح جاهين، وصلاح جاهين هو هذه الرباعيات، لذلك لم يجد غضاضة من أن يتخذ من نفسه هو مرجعًا لكل رموزه، فقد وصف نفسه بأنه قرين مهرج السيرك لا تدرى هل هو يضحك أم يبكي.. هل هو مطمئن أم خائف؟ هل هو مستسلم للحياة أم رافض لها؟.. هل هو يؤمن بالبشر أم يكفر بالفناء أم بالبقاء؟.. هل يعطف على ضعف الإنسان أم يضيق به؟.. قد لا تعرف كيف تجيب على هذه الأسئلة. ولكنك ستعرف ولا ريب شيئًا واحدًا لا يمكن لك إنكاره: هو أنك لقيت عنده السعادة التى كنت تتمناها ولا تجدها: أن تقابل فنانًا أصيلاً لأحد لإنسانيته ورقته وصدق نظرته وعمقها، هو وحده الذى يجود عليك بفيض الكريم. وقد بني الاسم الشهير لجاهين أيضًا على أوبريت الأطفال”الليلة الكبيرة “، الذي عرض 1960 من إخراج صلاح السقا، وألحان الموسيقار الكبير سيد مكاوي. إضافة إلى ذلك، أعطت الرسوم الكاريكاتيرية السياسية والاجتماعية اليومية لصلاح جاهين، والتي نُشرت لسنوات طويلة في جريدة الأهرام، بُعدًا عميقًا آخر لفكر الشاعر. هذا الأسبوع، بعد ستة عقود، تعود الرباعيات إلى الحياة مجددا، حيث يعرض الفنان السوري يوسف عبدلكي انعكاساته لها، في القاهرة، من خلال معرضه بالمشربية… تتناول أعمال الفحم الخاصة بالفنان يوسف عبدلكي استحضار حالة حرب للتعبير عن شواغل وعواطف المواطن السوري وسط هذا النهر الضخم من الدم، كما يقول الفنان و يشير الى تاريخ بلده الاصلي الحديث، أما حياته التي لا تزال مصنوعة بعناية فهي مزخرفة بالطلاء الاحمر و غالبا ما تتضمن لحظات صريحة كالجماجم و العظام وحتى القلب المعلق على مسمار. يوسف عبدلكي، وعملان له للرباعيات عاش عبدلكي في باريس من 1981 حتى 2005 و حظر عليه فيما بعد مغادرة سوريا بعد مصادرة جواز سفره واعتقل بسبب نشاطه، بعد غياب طويل عن المشهد المصري، يعود الفنان السوري الكبير يوسف عبدلكي بمعرض جديد . وتضم المجموعة رسوما لخمس و ثلاثين رباعية من رباعيات الشاعر صلاح جاهين التي كتب اغلبها بين عامي ١٩٥٩ و ١٩٦٢. رسم عبدلكي هذه المجموعة بين عامي ٢٠١٥ و ٢٠١٩، و طبع منها عشرة نسخ مرقمة و مؤرخة ٢٠١٩ . و هي تتضمن خمس تحيات، الرائد المصري محمود مختار ( ١٨٩١ – ١٩٣٤ )، رباعية: خوض معركتها، وللمعلم الياباني هوكوساي ( ١٧٦٠ – ١٨٤٩ )، رباعية: الموج تلول، وللرائد المصري محمود سعيد (١٨٩٧ – ١٩٦٤ )، رباعية أوقات أفوق، وللدادائي الفرنسي مارسيل دوشامب ( ١٨٨٦ – ١٩٦٨)، رباعية: وسط الحطام، وللمغني المصري الشيخ إمام عيسى ( ١٩١٨ – ١٩٩٥)، رباعية: يا عندليب ألهمت رباعيات جاهين العديد من المطربين لتقديمها لمعجبيه، فغناها علي الحجار ومدحت صالح ومحمد حماقي لكنها كانت أيضًا مادة خاما لإلهام الفنانين الشباب الذين صمموا أغلفة كتب مع مجموعة مختارة من الرباعيات. “ودخل الربيع يضحك لقانى حزين نده الربيع على اسمى لم قلت مين حط الربيع أزهاره جنبى وراح وايش تعمل الأزهار للميتين عجبي..” ولد جاهين في القاهرة عام 1930 لعائلة من الطبقة المتوسطة. درس القانون في جامعة القاهرة. وفي عام 1955 بدأ العمل في المجلة الأسبوعية المصرية “روز اليوسف” كرسام كاريكاتير. وبعد عام انتقل إلى المجلة الجديدة “صباح الخير” التي أصبح رئيسا لتحريرها قبل أن يلتحق بمؤسسة وجريدة الأهرام. اشتهر جاهين بأغانيه الوطنية التي ميزت العصر الثوري لدور جمال عبد الناصر، وعرف أحيانًا بالشاعر شبه الرسمي للثورة. ومع ذلك، وبعد هزيمة مصر في حرب 1967 ووفاة عبد الناصر في عام 1970 والتحول المفاجئ في التوجه السياسي، شعر بالخيانة لكل ما آمن به. غالبًا ما تقدم قصائد جاهين موضوعات ميتافيزيقية وفلسفية مجردة تتساءل عن الغرض من الحياة البشرية، وطبيعة الخير والشر، والإرادة الإنسانية والإلهية، وحدود سعي الإنسان وراء الحرية والسعادة. أسئلة ظلت حية بعد وفاته في 21 أبريل 1986.

مشاركة :