صدم الغزو الروسي لأوكرانيا، والأساليب التي استخدمها الجيش الروسي لإخضاع المقاومة الأوكرانية، شعوب الدول الغربية ودول أخرى حليفة لها حول العالم. وتم انتقاد الأسلحة والتكتيكات التي استخدمت في هذا الغزو، رغم أنها هي نفسها التي استخدمت لعقود في صراعات أخرى، بما في ذلك القصف العشوائي واستهداف البنية التحتية المدنية والمدنيين، ومنها ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ احتلالها لأراضيهم عام 1967، رغم الاتفاقات والقرارات الدولية التي تطالب بوقف هذه الأعمال والأنشطة. وبناء عليه، سلطت مجموعة كبيرة من المعلقين والمحللين الغربيين الضوء على الاختلاف الكبير في التغطية وردود الفعل الدولية على العدوان الروسي على أوكرانيا، في مقابل، احتلال ومحاصرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية. وفي واقع الأمر، فإن أوجه الشبه بين الوضع الذي يواجهه الأوكرانيون الذين يقاتلون ضد غزو بوتين، ومقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي كثيرة. وفي كلتا الحالتين، تواجه الدول الصغيرة هجومًا من قبل دول يدعمها الدول الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، أو الدول الأعضاء نفسها، والذين يمتلكون حق النقض لعرقلة الإدانات الدولية والعمل ضد هذه الاعتداءات. ودفع القمع الروسي في أوكرانيا، بما في ذلك القصف المستهدف والعشوائي للمناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والمدنيين، المحكمة الجنائية الدولية، إلى البدء في تجميع أدلة على جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا، كذلك، أدانت الأمم المتحدة، مؤخرًا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وفي جنيف يوم 18 مارس 2021، سلطت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، الضوء على استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك انتهاكات الحق في الحياة، والسلامة الجسدية التي تطول الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، وكذلك ذوي الإعاقة. ومع ذلك، لوحظ تباين صارخ في التغطية وردود الفعل الدولية على محنة الأوكرانيين والفلسطينيين من قبل الدول والمعلقين والخبراء والسياسيين الغربيين. وعلقت سارة ويتسن، من منظمة هيومن رايتس ووتش، بأنه بينما سارعت الدول إلى فرض العقوبات ومقاطعة روسيا، فإن الوضع كان مختلفا تمامًا عندما تعلق الأمر بفرض عقوبات على إسرائيل. وأشار جيمس زغبي، من المعهد العربي الأمريكي، إلى أن العديد من حكام الولايات المتحدة والمشرعين سارعوا إلى تمرير مشاريع القوانين والأوامر التنفيذية التي تدعو إلى مقاطعة جميع السلع الروسية، ومع ذلك فقد مرروا أيضًا تشريعات تجرم مقاطعة إسرائيل. وجرى انتقاد هذه المعايير المزدوجة من قبل العديد من المشرعين الأوروبيين. وصرحت النائبة العمالية في البرلمان البريطاني، جولي إليوت، بأن الفلسطينيين يتطلعون إلى أن يتعامل الغرب مع إسرائيل بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع روسيا. وبالمثل، علقت النائبة عن حزب العمال أيضا كلوديا ويب، بأن الحزن واليأس الذي نشعر به جميعًا لأوكرانيا، يجب أن يكون مطابقًا للحزن واليأس الذي نشعر به تجاه فلسطين. وانتقد النائب الأيرلندي ريتشارد باريت، الوضع قائلا: «إنه في خلال خمسة أيام تم فرض عقوبات ضد بوتين ورجاله، في حين أنه لـ70 عامًا من قمع الفلسطينيين، تم تقييم فرض العقوبات بأنه غير مفيد». وحتى في إسرائيل، تساءل رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، كيف يمكن لإسرائيل إدانة الروس، بينما ينكرون حق شعب آخر في تقرير المصير لمدة خمسة وخمسين عامًا. وبالنظر إلى ازدواجية المعايير تلك، اتُهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها، بالنفاق لإدانتهم احتلال روسيا للأراضي الأوكرانية. وأشار كريس ماكغريل، في صحيفة الجارديان، إلى أن هذه الدول تواجه اتهامات بازدواجية المعايير؛ نظرًا إلى دعمها ودفاعها عن إسرائيل دوليا. بينما أشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، إلى أن الانتهاكات التي يرتكبها الجنود الروس في أوكرانيا هي نفسها الجرائم التي تم إنشاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوقفها، واصفا أيضًا تحقيقات المنظمة في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين بـ«وصمة عار» على مصداقية المجلس. وأشار جوناثان جاير، من موقع فوكس الإخباري، إلى أن بلينكين، لجأ بانتظام إلى القانون الدولي، في إدانته لموسكو، لكن هذا الخطاب كان من النادر سماعه عندما يواجه الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي. وبالمثل، أعربت المملكة المتحدة وكندا عن دعمهما للتحقيقات في جرائم الحرب ضد روسيا، بينما طالبا أيضًا المحكمة الجنائية الدولية بإسقاط التحقيقات المتعلقة بإسرائيل. وفي هذا الصدد، هناك مطالبات بإجراء تغييرات جذرية داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ لمنع الدول من القيام بأعمال قمع وضم واحتلال أراضي الغير، حتى لا تتمكن من استخدام حق النقض ضد إدانات أفعالها (روسيا مثالاً)، أو استخدام حق النقض ضد إدانات تصرفات الدول المتحالفة معها (الولايات المتحدة مثالاً). ولتوضيح هذه المشكلة، ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا، تم عرض مشروع قرار على مجلس الأمن في 25 فبراير2022، يدين عمل موسكو العدواني. وطبقاً لـ«تريسي ويلكينسون»، من صحيفة لوس أنجلوس تايمز، فإن طلب الانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط للقوات الروسية التي تضرب أوكرانيا، لم يكن مفاجئا أن يرفضه ممثل روسيا باستخدام حق النقض. وفي نفس الشأن، عرقلت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان قرارات مجلس الأمن، التي تدين الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. فحتى قبل نهاية عام 2017، استخدمت واشنطن، ثلاث وأربعين مرة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون إدانة إسرائيل. وتضمنت هذه القرارات قرار عام 1976، الذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومشروع نص عام 1980، يقنن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وقراري 2004 و2006 اللذين يطالبان إسرائيل بوقف غزوها لقطاع غزة. وفي ظل ما سبق علت الدعوات بإصلاح مجلس الأمن. وكتب كمال درويش، من معهد بروكينجز، وخوسيه أوكامبو، من جامعة كولومبيا، ورئيس لجنة السياسات الإنمائية التابعة للأمم المتحدة، في أوائل مارس 2022، أن: العيب البارز، يتمثل في النظام الدولي الحالي الذي ظهر على الواجهة من خلال الغزو الروسي لأوكرانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودوره في الإشراف على النظام متعدد الأطراف . وبالإشارة إلى المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنح الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والمملكة المتحدة، وفرنسا)، حق النقض المطلق؛ وصف درويش، وأوكامبو، ذلك بأنه عقبة رئيسية أمام وفاء المجلس بمهمته. وفي الواقع، استخدمت جميع البلدان في مرحلة ما هذه القوة لإحباط الأمن الدولي للدفاع عن تصرفاتهم أو أفعال حلفائهم. وكما لاحظ الباحثان، فإن غزو بوتين، هو تذكير صارخ بـ«عجز مجلس الأمن» عند تعارض مصالح واحد أو أكثر من الأعضاء دائمي العضوية في المجلس. وبالإشارة إلى كيف أن نظام العقوبات العالمية، الذي يفرضه مجلس الأمن، ضد موسكو سيكون أكثر إضعافًا للاقتصاد الخاضع للعقوبات من الإجراءات الغربية الحالية التي تم سنها حتى الآن؛ شجب درويش، وأوكامبو، كيف أن حق النقض الروسي سيحول دون اتخاذ هذا الإجراء. وفي إطار هذا الواقع، وكما أوضح كولوم لينش، من مجلة فورين بوليسي، فإن استخدام روسيا لحق النقض الفيتو لعرقلة أي عمل دولي يدين غزوها لأوكرانيا، هو بالنسبة إلى الأمم المتحدة، مسألة تمثل تهديدًا وجوديًا للمبادئ والأهداف الأساسية للمنظمة الأممية. وفيما يتعلق بما يمكن فعله لتغيير هذا الوضع، دعا درويش، وأوكامبو، إلى تغيير جذري للطريقة التي يعمل بها مجلس الأمن، أي من خلال إدخال إمكانية نقض حق النقض للعضو الدائم . بينما اعترفا الباحثان، بأن مثل هذا الاقتراح سوف يتم رفضه من قبل روسيا والصين، ومن المحتمل أيضًا من قبل أعضاء آخرين في مجلس الأمن، واستشهدا بأنه من المرجح أن تدعمه غالبية الدول، وأن هذا هو الوقت المثالي أمام الديمقراطيات لاقتراح مثل هذا التغيير. وفي أماكن أخرى، قد يؤدي التقيد الوثيق بالأحكام الدقيقة للقيود المفروضة على حق النقض في مجلس الأمن، إلى تقليل إساءة استخدامه. واستشهد لينش، بأن هناك بندا رئيسيا من المادة (27) -المذكورة أعلاه- على أنه لا يحق للدول الأعضاء المتورطة في طرف ممارسة حق النقض لمنع اتخاذ إجراء، ولكن تاريخيًا، تم تجاهل ذلك إلى حد كبير من قبل القوى الرئيسية الأخرى؛ لأنه من شأنه إضعاف قوة حق الفيتو. على العموم، نظرًا إلى أن مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، أصبح غير فعال على نحو متزايد، فمن الواضح أن الإصلاح العاجل مطلوب لوقف دول، مثل روسيا، والولايات المتحدة، والصين من استخدام حق النقض لحماية أنفسهم دبلوماسيًا من أعمالهم العدوانية (روسيا مثالاً)، أو الدفاع عن انتهاكات حلفائهم (الولايات المتحدة مثالاً). ومع تباين التناقضات في ردود الفعل الدولية إزاء محنة الشعبين الأوكراني والفلسطيني اللذين يتعرضان لتهديدات وجودية مماثلة، يبدو أن هناك اختلالات أوسع في الإعلام الغربي والخطاب السياسي تحتاج إلى تغيير.
مشاركة :