المدن الفاضلة الحُلم إذ يتحوّل كابوساً..!

  • 12/2/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إنّ المطرَ لبالمرصادِ؛ فأما البنية التحتيّة إذا ما ابتلاها المطر؛ فكشف عن زيْفها؛ يقول المسؤول يومئذٍ: أين المفر؟! كلاّ. أنتَ الوَزر. (إلى ربّك المستقر)! * لـمّا طغى الماءُ ما وجدنا من شيءٍ نحمِلكم عليه!.. وإذا ما انهمر «المطر» قُضيَ الأمرُ الذي فيه تستفتون عن شأنِ بنيةٍ تحتانيّةٍ أنتم أنشأتموها من قبْلُ.. فهل كتبتم علينا ما نكرهه..؟ وإنّ منكم مَن لو يشاء لجعلَ من «ماء المطر» كلّ شيءٍ ميت.. وكذلك تفعلون. * ولئن سألتَ أهل الأرصادِ عمّا تُخبئهُ لنا «المُزن» أنبأُوكَ بوجلٍ عن سيلٍ (عرمرمٍ) يأتي على كلّ شيءٍ فيُدمّرها بإذن المقاول..! فساء صباحُ المُمطَرين على النحو الذي يُصيبُنا المطر بأذاه. وإماطة هذا الأذى شعبةٌ من شعبِ الإيمان لكنّ أهل (الأمانات) لا يفقهون حديثا. * لقد كانَ الإنسانُ حيواناً «طوباوياً » (يعني حالماً) ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى يباغته بالافتراس شقيقه: حيوانٌ كابوسي (يعني ظالم) إذ يقضُّ مضجع حلمه بالمدينة الفاضلة فيجعلها خاويةً على عروشها كأن لم تغنَ بالأمس. * يا أيها الملأ إنّ المطر كتابٌ (عظيمٌ) ألقيَ إلينا من السماء.. وإنه باسم الوطنيّة ألاّ تخونُ الأمانة وائتوني «معترفين»، وبشفافيةٍ أفتوني في أمر «المليارات» وما تدّخرون؟! * ما بالُ مُدنهم ظلّت وفيّةً لصُنّاعها حيثُ بقيت: «فاضلةً» في حين حافظت مُدنُنا على ظلالها القديم حتى كأنها آلت على نفسها إلا أن تكونَ حرضاً فنكونَ فيها من الهالكين (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله). * العمل الصالح لا يُمكنُ له أن يتأتى إلا عقب علمٍ وإيمانٍ ينضافُ إليهما فقهُ حفظِ مقصدِ «عمارة الأرض»، وإذا ما تقرّر ذلك يمكننا إذ ذاك فهم ما جاء في القرآن الكريم على نحوٍ نعقِلُ فيه عن ربنا قوله: ﴿هوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ﴾ وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾. وليس بخافٍ أنّ من التحقيقِ في شأن «الاستخلاف» التوافرُ على بسط معاني: (العُمران) للمدن بالحق والعدل ابتغاء إقامةِ حضارةٍ لا تنفصلُ عنها «القيم» يكون من شأنها أن تبني لا تهدم، أن تُصلح لا أن تُفسد، أن تَقتصد لا أن تُبدد. * ليس يصحّ لا في الشرع ولا في العقل الاحتجاج بالقدر على: «المعايب»، ذلك أنّ (الفساد) إذ يظهر في البرِّ والبحر فإنما هو بما كان مما قد كسبته أيدي الناس قال تعالى: «ظهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، وإنّ من معاني هذه الآية ما يمكن الإشارة إليه بالآتي: إنّ الفساد إذ يظهر فإنما هو قد كان من ذي قبل: «موجوداً» غير أنّ آثاره هي التي قد كانت لا تظهر إلا متأخرة وإن رغمت أنوفٌ دأبها الاشتغال بما أوتيت من قوةٍ على إخفائه، وذلك أنّ الفساد من شأنه أن يبقى مستتراً بسببٍ من غفلتنا عنه أو لتواطُئينا مع من اقترفه أو لعدم اهتمامنا بالحفاظ لمقدّرات «الوطن» ليفضح اللهُ بالتالي بعضاً من: «مشاريعنا» بالمطر لنكتشف كم كان مهولاً حجم ما عندنا من فسادٍ مستشرٍ.! * على ذمة كانط: حتى الشياطين يكون باستطاعتهم بناء «مدينة» وإنشاؤها!! بيد أنّ المشكلة تكمن في الإجابة عن: أيّ مدينةٍ يمكن أن يؤسسوا؟! ما يعني أنّ التشكيك ليس في القدرةِ على إنشاء مدينةٍ لتكون قائمةً إنما الشكّ في إمكانيّة كونها: «فاضلة» تُحافظ على الأدنى من مقومات العيش بكرامة لكلّ من استظلّ بسمائها وافترش أرضها.! والفاضلية هنا بأدنى سقفها لا بأعلاه؛ إذ الحديث عن المدينة الفاضلة المطلقة ضربٌ من الخيال الممتد من لدن: (جمهورية: «أفلاطون» إلى يوطوبيا مدينة المفكر اليهودي الألماني والتر بنيامين» مرورا بمدينة الفارابي الفاضلة ومملكة دانتي، و«يوطوبيا» توماس مور، و«مدينة شمس» كامبانيلا، و«مدينة إقامة مبادئ المسيحية» التي قال بها إرازموس، ومدينة أركاديا لسونازارو، ومدينة جينا لجونزاليس مندوزا، ومدينة أستري لهونوري أورفي). تبقّى أن نتفاءل جرّاء هذه الأمطار بأنّ ثمّة ربيعاً (ليس عربياً) سيفرش أرض هذا الوطن المبارك خضرةً وأزهاراً و..و..! ذلك أنّ ربي لا يُقدّر إلا خيراً.

مشاركة :