حظر الاتحاد الأوروبي تقنية التكسير الهيدروليكي المستخدمة في عمليات التنقيب عن النفط بسبب أضرارها على البيئة. بيد أن هذه التقنية لا تزال تُستخدم في الولايات المتحدة. فهل يشكل الغاز الأمريكي بديلا للغاز الروسي؟ اتفاق أمريكي أوروبي على تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي من خلال الغاز الأمريكي أعرب آندي جورغيو وهو ناشط مقيم في ألمانيا في مجال حماية البيئة ويقوم حملات ضد الغاز واستخدام التكسير الهيدروليكي، عن مخاوفه من تداعيات اتفاقية الغاز التي أبرمت بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماد القارة الأوروبية على الغاز الروسي والتي جاءت في ختام قمة الناتو الخميس الماضي. وبشكل مجازي، انتقد اتفاق الغاز الجديد بقوله: "كنا نعتقد أنه يمكننا استقلال سيارة أخرى، لكنا أدركنا أننا لا نزال نسير صوب الهاوية". يشار إلى أن تقنية التكسير الهيدروليكي لا تزال تُستخدم في الولايات المتحدة وتسببت في ثروة للنفط الصخري في البلاد رغم ضررها الكبير على البيئة وهو ما دفع التكتل الأوروبي إلى حظرها منذ وقت طويل. وفقا للاتفاق الأمريكي-الأوروبي، فسيتم نقل قرابة 15 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي المسال إلى الشواطئ الأوروبية عبر المحيط الأطلسي هذا العام، هو ما يمثل فقط حوالي ثلث الغاز الروسي الذي جرى نقله إلى ألمانيا العام الجاري. ويتم استخراج الغاز الطبيعي المسال الذي سيجرى نقله إلى أوروبا تقريبا من آبار التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط والغاز والتي انتشرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويحذر نشطاء البيئة من أن استبدال الغاز الروسي بالغاز الأمريكي المسال الذي يعد أعلى تكلفة نظرا لضرورة إنشاء بنية تحتية جديدة لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، لن يضمن أمن الطاقة وإنما أيضا سيحول دون تحقيق الأهداف المناخية والتحول الأخضر على المدى الطويل. وفي ذلك، قال موراي ورثي، قائد حملة الغاز في مؤسسة "غلوبال ويتنس"، إن هذه الاتفاقية "تضع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مسار مضلل وخطير عبر إنشاء سريع للبنية التحتية الجديدة اللازمة لاستيراد أوروبا الغاز الأحفوري." وأضاف أن "سيمهد هذا الاتفاق الطريق أمام بناء محطات استيراد جديدة لتأمين نقل واردات الغاز الأحفوري لسنوات قادمة وذلك رغم إقرار الاتحاد الأوروبي الحاجة إلى الحد من استخدام هذا الوقود المدمر للمناخ بشكل نهائي". يشار إلى أن عملية التكسير الهيدروليكي تتمثل في ضخ كميات هائلة من السوائل والمواد الكيماوية في التكوينات الصخرية تحت ضغط عال لإحداث شقوق لتسهيل عمليات التنقيب عن النفط والغاز. وتعرضت هذه التقنية لانتقادات كثيرة حيث من الممكن أن تتسرب المواد المستخدمة في هذه التقنية إلى المياه الجوفية ما يؤدي إلى تلوثها. ورغم حظر الاتحاد الاوروبي لهذه التقنية ، إلا أن التكتل أبدى ترحيبه باستيراد الغاز من الولايات المتحدة التي لم تحظرها بعد. تسرب الميثان يدمر المناخ ويرى نشطاء البيئة أن تزايد المساعي للحصول على الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة والذي يُطلق عليه "غاز الحرية" سيكون له تداعيات خطيرة على المناخ نظرا لأن التكسير الهيدروليكي يزيد من انبعاثات غاز الميثان العالمية وهو من الغازات الدفيئة شديدة القوة حيث تسهم في زيادة الاحترار العالمي بحوالي 85 مرة أكثر من تأثير ثاني أكسيد الكربون خلال فترة عشرين عاما. وفي ذلك، قال جورغيو إنه في ظل بذل جهود قليلة لتنويع مصادر الطاقة، فإن غاز الميثان الذي يعد من أخطر الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ، سوف يتسرب على جانبي المحيط الأطلسي. يشار إلى أن الاتفاق الأمريكي-الأوروبي حمل حرصا شديدا على الجمع بين هدف تنويع إمدادات الغاز و" الأهداف المناخية ". ويرمي الاتفاق إلى "تقليل كثافة الغازات الدفيئة في كافة مرافق البنية التحتية الجديدة للغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب عبر استخدام الطاقة النظيفة لتشغيل العمليات في المواقع وتقليل تسريب الميثان وإنشاء بنية تحتية نظيفة ومتجددة في إطار التحول الهيدروجين." الجدير بالذكر أنه حتى في حالة استبدال الغاز الروسي، فإنه من المرجح أن يحافظ على مرتبته كثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بعد الفحم في الاتحاد الأوروبي. وفي سياق متصل، شدد جورغيو على أن القواعد المعمول بها في بعض مناطق الولايات المتحدة تجعل الكثير من مناطقها "متوحشة" في استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز والنفط . وأضاف ان حرق غاز الميثان دون ضوابط يساهم في زيادة معدل الانبعاثات العالية في ولاية تكساس وحدوث تسريبات من عشرات الآلاف من الآبار في حوض برميان النفطي الذي يمتد بين غرب تكساس ونيو مكسيكو فيما تم تصنيف احتياطيات الغاز في هذه المنطقة "بأنها الأقذر في العالم." وساهمت تقنية التكسير الهيدروليكي في إحداث ثورة نفطية في الولايات المتحدة فيما اشارت دراسة صدرت عام 2019 إلى أن إنتاج الغاز الصخري في أمريكا الشمالية قد يكون مسؤولا عن أكثر من نصف كافة الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري على مستوى العالم خلال العقد الماضي. هدف خفض درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية "في خطر" وحذر باحثون من تداعيات زيادة إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة على الوفاء بالهدف العالمي في خفض درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية وهو الحد الأدنى الذي حددته اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. وفي ذلك، خلص أماندا ليفين وكريستينا سوانسون وهما باحثان يعملان في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية ومقره الولايات المتحدة، إلى أن محاولات واشنطن لزيادة إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال سوف تهدد فرص الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة. وانتقد الباحثان الترويج بأن التوسع السريع في تصدير "الغاز الطبيعي المسال" باعتباره وقودا يرمي إلى تجسير الاعتماد على الوقود الإحفوري ومن ثم الانتقال إلى الطاقة النظيفة نظرا لأن الانبعاثات الناجمة هي أقل بحوالي 50٪ من الفحم. ورغم ذلك، قال الباحثان إن هذا الأمر سوف يؤدي إلى "زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري مما يجعل الانتقال إلى المستوى المنخفض والخالي من الكربون أكثر صعوبة." وكشف الباحثان عن أن التأثير المناخي للغاز الطبيعي المسال سوف يتضاعف في حالة زيادة معدلات استخراجه ونقله وتسييله وإعادة تحويله من حالته الغازية التي يوجد عليها في الطبيعة إلى الحالة السائلة. وقدرت الدراسات بأن انبعاثات الغازات الدفيئة الجديدة الناجمة عن إنتاج ما بين 130 إلى 213 مليون طن متري في الولايات المتحدة جراء مضاعفة الصادرات بمعدل ثلاث مرات بين عامي 2020 و2030 سوف تكون بمثابة إضافة 45 مليون سيارة جديدة تعمل بالوقود على الطرق سنويا. الغاز المسال ليس بديلا عن الغاز الروسي وفيما كان وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يقوم بجولة خليجية زار خلالها قطر والإمارات هذا الشهر للبحث عن إمكانية زيادة ضخ إمدادات الغاز من الخليج، خرج محللون للقول بإن محدودية العرض والطلب على المستوى العالمي سوف تجعل من الصعب زيادة تدفق الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بشكل كبير. وعمليا، فإن إنشاء بنية تحتية لزيادة عدد محطات الغاز المسال سوف تستغرق فترة ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام وهو السيناريو الذي سيجعل من الصعب بل من المستبعد تحقيق هدف الاتحاد الأوروبي في خفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام. وفي ذلك، يرى موراي ورثي، قائد حملة الغاز في مؤسسة "غلوبال ويتنس"، أن الوقود الأحفوري يعد أحد الدوافع الرئيسية للحرب ولذا يجب إنهاء الاعتماد عليه واستبداله بالطاقة النظيفة. وأضاف "يدرك الطغاة ودعاة الحروب أن زيادة معدل الاعتماد والاستثمار في مجال الوقود الأحفوري سوف يصب في صالحهم. وإذا كانت أوروبا عازمة على التخلص من الغاز الروسي على نحو حقيقي، فإن الخيار الحقيقي والوحيد أمامها يتمثل في التخلص من الغاز". واتفق في هذا الرأي الناشط المدافع عن البيئة آندي جورغيو الذي شدد على أنه التوقيت الحالي يمثل "فرصة تاريخية فريدة للتحول الجذري في الطاقة التي نعتمد عليها". وأضاف أن "الحل الذي قدمته الحكومات عبر الأطلسي لم يكن سوى بذل جهدا معتادا" دون اتخاذ خطوات حقيقية للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. --- ستيوارت براون / م ع
مشاركة :