"شكون فينا".. تشظي الذات بين النضال والحب

  • 3/31/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"شكون فينا"، أو "من فينا"، هو إنتاج مسرحي مغربي جديد عرض مؤخرا في مدينة شفشاون بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، وهو مسرحية مستمدة من مرايا تشظي الذات وإعادة مراجعة أخطاء الماضي القريب والبعيد، في محاولة لترميم ما كسرته سنوات وسط عتمة الوساوس. والمسرحية تصنف ضمن مسرح “الديودراما” أو مسرح الثنائيات الذي يقوم على ممثلين فقط يؤديان دورهما على الخشبة، ويدخلان في حوار عبر مشاهد العرض، يجسدان من خلالها ما يعتريهما من تحولات نفسية ناجمة عن التصاعد الدرامي. والعمل هنا من تشخيص الممثلين يوسف شفايش وبدر العكباني، وسينوغرافيا آمنة زاوي، ونبيل العكباني ويوسف شفايش، ومن إخراج محمد الشريف الطريبق. وتدور تفاصيل أحداث المسرحية فوق الخشبة التي تحتوي على كرسي خشبي أبيض، كإحالة إلى المحاكمة والاعتراف وجلد الذات وسط فضاء معتم وحالك. المسرحية تصنف ضمن مسرح "الديودراما" أو مسرح الثنائيات الذي يقوم على ممثلين فقط يؤديان دورهما على الخشبة وتنطلق المسرحية من قلب ظلام حالك، كما لو أن مونولوغ الذات لا يتأتى إلا في السواد، مثلما يحدث في شاشة الحلم تماما، ويظهر ممثلان متلبسان بعتمة الخشبة وهما جالسان على كرسي أبيض، ويلتفتان إلى بعضهما البعض في صمت وغموض، ويستكشفان المساحة المحيطة بهما والتي تبدو كغرفة ملائمة لاستدراج الشخصيات ومن ثم دفعها إلى البوح والصراع الفكري. واعتمد المخرج سينوغرافيا بسيطة جدا، دون الكثير من الديكورات أو المؤثرات الفنية، إلا من الكرسي الأبيض المخصص للانتظار والذي يبدو ككرسي طبيب نفسي يقود البطلين إلى الاعتراف رغم السواد الذي يلفهما ببعض المكر ومحاولاتهما الجاهدة للتخفي والغموض. ويتميز الحوار في المسرحية بين الشخصيتين بأنه مونولوغ تصاعدي وفق تحولات نفسية لشخصيتين متصارعتين حول امرأة، هي الغائب الحاضر على الخشبة، وهما شخصيتان اختارتا السواد عتبة كإحالة مستبطنة إلى سخرية لاذعة من الماضي. ولا يرتبط الرجلان بأي أسماء أو مسميات، ولا يعرّفان بهويتيهما ولو تلميحا، بل تجمعهما “سعاد” التي يحبها كل واحد منهما بطريقته الخاصة، الرجل الأول تنكر لمبادئه، ونتيجة لذلك خسر حب سعاد، بيد أنها ظلت بداخله ويتأجج حبها في فؤاده كلما سمع اسمها. أما الشخص الثاني فحبه لسعاد تاريخي يحمله في داخله من مرحلة الطفولة ويحلم بالزواج منها في نهاية المطاف، بيد أنه يشعر بمسافة غرامية بينه وبينها، ويحمّل مسؤولية هذا الابتعاد للشخصية الأولى التي تسببت في خيانته وتلاعبه بعواطفه، بل والتلاعب حتى بلغته. ويندمج بطلا المسرحية في حالة من السجال والاستفسارات، ويسعى كل واحد منهما إلى الدفاع عن مواقفه وقناعاته ذات البعد العاطفي والاجتماعي وعن قضايا أخرى، في لعبة المرايا المعكوسة التي تتناول في طياتها صراعات الذات مع ماضيها، ومع أحلامها وأهدافها وطموحاتها، وكذلك هربها المتواصل من تأنيب الضمير والتوبيخ الذاتي الناتج عن الخسارات التي كلفت كل واحد منهما ثمنا باهظا من حياته. ويستمر الصراع حول سعاد التي تتحمل قراءات متعددة، فهي أنثى وذكرى وفكرة ملتبسة ومتشابكة، لكن مهما تعددت الأوجه فهي نفسها سعاد في أعماق الشخصيتين، وهذا ما يجسده المشهد الأخير من المسرحية الذي انصهرت فيه الشخصيتان في بعضهما البعض. وفي هذا الإطار أوضح مؤلف ومخرج المسرحية محمد الشريف الطريبق “أن ‘شكون فينا’ مسرحية تحكي عن لقاء وحوار بين شخصين يدخلان في لعبة، يتقنان من خلالها أسلوب الحكي عن تاريخ النضال وعلاقتهما بالحب لفتاة اسمها ‘سعاد’ في محاولة استرجاع نوع من المحاسبة للماضي بين الشخصيتين، وفي الأخير يكتشفان أنها لعبة يحاولان الاندماج فيها وينسيان أنها لعبة “. الحوار في المسرحية مونولوغ تصاعدي لشخصيتين متصارعتين حول امرأة هي الغائب الحاضر على الخشبة الحوار في المسرحية مونولوغ تصاعدي لشخصيتين متصارعتين حول امرأة هي الغائب الحاضر على الخشبة كما أبرز المخرج المسرحي والسينمائي الطريبق أن المسرحية التي عرضت مرتين فقط وتابعها مثقفون وأدباء وفنانون وجمهور نوعي، “أعادته إلى حنينه وحبه الأول للفن الرابع”. كما اعتبر أن شوقه المؤجل للعودة إلى المسرح بعد أن خطفته أضواء السينما وبهرجها ظل يراوده لسنوات وانتشله من بين ركام أحلام السينما وإبداعاتها التي لا تنتهي، مسترجعا أن أول مسرحية قام بإخراجها عرضها بشفشاون في أول مراحل مساره الفني. وذكر الطريبق -الذي أغنى الخزانة السينمائية والتلفزيونية بحزمة من الأعمال أبرزها “تسقط الخيل تباعا” و”ثمن الرحيل” و”زمن الرفاق”، وصولا إلى “ليالي الحي القديم”- أن إخراجه لمسرحية “شكون فينا” ساعده على “التخلص من أعباء التقنية والتجهيزات الكثيرة”. وأشار إلى أنه عمل في هذه المسرحية مع الممثل مباشرة وبإمكانيات ذاتية وبسيطة، وبذلك كانت السينوغرافيا في هذه المسرحية “بسيطة ولا تتطلب إمكانيات كبيرة لأن الهدف هو النص والقدرات التمثيلية وحضور الجمهور وقدرته على فهم رسائل المسرحية”. ويذكر أن محمد الشريف طريبق من مواليد مدينة العرائش، شمال المغرب، في عام 1971. وتلقى تكوينا في نوادي السينما في المغرب. وقد اتبع تدريبا في باريس. وأخرج خمسة أفلام قصيرة وسبعة أفلام تلفزيونية. ويعد “زمن الرفاق” أول فيلم طويل له، وكان قد حاز الجائزة الكبرى عثمان صامبين في مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة في عام 2009، وجائزة أول عمل في مهرجان طنجة السينمائي الوطني في عام 2008، وجائزة الجمهور في المهرجان الدولي للفيلم المتوسطي تطوان في عام 2009، وجائزة المسابقة الرسمية لمهرجان أبوظبي السينمائي في عام 2008. كما أخرج العديد من الأفلام القصيرة مثل “رسالة حب” (2008) و”30 سنة” (2006) و”موال” (2005). وآخر أفلامه كان فيلم “أبي” الذي أخرجه في العام الماضي وتدور أحداثه حول شابة تحمل اسم شيماء في العشرينات من عمرها، تسافر من إحدى مدن الشمال نحو مدينة سيدي إفني للبحث عن أبيها الذي اختفى في ظروف غامضة إثر خلاف عائلي.

مشاركة :