في الماضي، كانت الشركات الناشئة سريعة النمو حكراً على «سيليكون فالي» و«سياتل»، لكنها لم تعد كذلك. فاليوم، تفتخر الولايات المتحدة بالعديد من البؤر الساخنة للابتكار، بما في ذلك «أوستن»، و«ميامي»، و«نيويورك»، و«واشنطن العاصمة». وخلال السنوات الأخيرة، ظهرت محاور مماثلة في أوروبا بما في ذلك، «أمستردام»، و«برلين»، و«هلسنكي»، و«لندن» و«باريس» و«ستوكهولم». ولكن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على اقتصادات الغرب المتقدمة، بل أصبحت ثقافة الشركات الناشئة عالمية. وتأتي الصين على رأس قائمة المبتكرين مع فارق بسيط مع الهند. ولكن الشركات الأحادية القرن (unicorns) (شركات خاصة تزيد قيمتها على مليار دولار) توجد في مجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة حديثًا، مثل البرازيل، وإندونيسيا، وإسرائيل، واليابان، ونيجيريا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية. وتحظى التكنولوجيا المالية بحصة الأسد من الشركات عالية النمو، بفارق بسيط مع قطاعات رئيسية أخرى بما في ذلك، التجارة الإلكترونية، وبرامج وخدمات الإنترنت، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا التعليم، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وإدارة النقل والتسليم في سلسلة التوريد. وهناك خيط مشترك واضح بين هذه القطاعات وهو، الاقتصاد الرقمي. المجال الرقمي وفر بصورة خاصة أرضًا خصبة للابتكار في جميع أنحاء العالم. ويعكس هذا إلى حد كبير إمكانية الوصول المتزايدة، والتي تم تمكينها أولاً وقبل كل شيء من خلال التوسع السريع للإنترنت عبر الهاتف المحمول. ومع وجود أكثر من 6.6 مليارات هاتف ذكي قيد الاستخدام اليوم، فإن سوق الخدمات الرقمية المقدمة عبر الإنترنت هائل، ويشكل ما يقرب من 84 % من سكان العالم. ومما له القدر نفسه من الأهمية أن مزيجًا من الاستثمار العام والخاص أدى إلى الزيادة من سرعة الاتصالات بالإنترنت عبر الهاتف المحمول، ومن وجودتها، وإلى خفض تكاليف كل الأجهزة التي تدعم الإنترنت وتدفق البيانات. وتعد الحواجز المنخفضة أمام دخول السوق عاملًا مساعدًا أيضًا، فمتطلبات رأس المال صغيرة، كما أصبح إمداد كبير ومتزايد من المواهب الإبداعية متاحًا للتوظيف في الشركات الناشئة. بالنسبة للشركات القائمة على أساس الإنترنت، غالبًا ما يكون إجمالي السوق الذي يمكن التعامل معه كبيرًا. وفي العديد من المجالات، مثل البرامج، فهو يمتد عبر العالم، إذ تشير التقديرات الصينية إلى أن متوسط المسافة بين البائع والمشتري على منصات التجارة الإلكترونية يبلغ حوالي 1000 كيلومتر (621 ميلاً)، مقارنةً بخمسة كيلومترات في تجارة التجزئة أو الخدمات التقليدية. ولا تتعامل الشركات القائمة على الإنترنت، بما في ذلك التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية وتكنولوجيا التعليم، مع العملاء من الشركات التقليدية فقط، بل تقدم خدمات أيضًا للمستهلكين الذين لم تصلهم الشركات التقليدية في بادئ الأمر. وفي الاقتصادات النامية، على وجه الخصوص، يكون الحافز للاستثمار في البنية التحتية الرقمية والتوسع في الإنترنت عبر الهاتف المحمول قويًا للغاية، وبذلك، فهو يوفق نماذج الأعمال التجارية الخاصة الموجهة للربح مع هدف النمو الاقتصادي الشامل. ولا يمكن للشركات السريعة النمو أن تنشأ في أي مكان. والواقع أنه رغم أن مثل هذه الشركات يمكن أن تمارس نشاطها في بلدان تزايد عددها أكثر من أي وقت مضى، إلا أنها تظل مركزة في البؤر الساخنة لريادة الأعمال. وهناك أهمية كبيرة للنظم البيئية المحلية التي تدعم أنشطة ريادة الأعمال، بما في ذلك صناعات رأس المال الاستثماري، ومنصات النمو والمساواة، والخدمات القانونية والتوظيف، والأطر التنظيمية الفعالة. ويمكن لمجموعة متنوعة من البنية التحتية الصلبة وغير المادية أن تعزز أيضًا كفاءة عملية الابتكار وديناميكيتها، ولكن هناك احتمال كبير أن هذا سيتطور بمرور الوقت. وغالبًا ما تقود الشركات متعددة الجنسيات التقدم في قطاعات الدعم هذه، حيث تستفيد من خبراتها وقدراتها واتصالاتها العالمية. ولكن هذه الشركات لا تطبق نموذج العمل نفسه في بيئات جديدة، حيث تعمل على توظيف الموظفين لتولي الأمور. ويجب أن تبحث الشركات عن مواهب لديها معرفة مفصلة بالظروف المحلية، وروابط مع رواد الأعمال المحليين. ويجب دمج هذه المواهب في هيكل الشركة المتماسكة وثقافتها. ولكنها شبكة محلية تفاعلية للغاية، وهي بالتأكيد ليست افتراضية، وتشكل جوهر النظام البيئي لريادة الأعمال الذي يمكن أن يسهل تحويل الأفكار المبتكرة إلى أعمال قابلة للاستمرار. وفي هذا العصر الرقمي، يمكن لجميع البلدان، بل ينبغي لها أن تهدف إلى تطوير محاور لريادة الأعمال المبتكرة. ولكن لكي تُحقق النجاح، يجب أن تنمي مكوناته الرئيسية، لا سيما رأس المال البشري والبنية التحتية للشبكة الرقمية. ويجب أن تكون جميع جهودها قائمة على فهم خصائص النظم البيئية المحلية التي يزدهر فيها الابتكار. لقد أصبحت ريادة الأعمال التكنولوجية عالمية، لكن قلبها النابض لا يزال محليًا. * حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وأستاذ فخري بجامعة ستانفورد، وكبير الزملاء في معهد هوفر. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :