"السبعة وذمتها".. كوميديا مستوحاة من المجتمع اللبناني

  • 4/1/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تقتبس الأعمال المسرحية أحيانا عناوينها من أمثال شعبية وأقوال مأثورة ومحفورة في ذاكرة الشعوب، من بينها "عامل السبعة وذمتها"، وهو مثل شائع وقديم جدا يتداوله أهل بلاد الشام، حيث يوصف به الشخص الذي يرتكب المعاصي ويعترف بها علنا. وتم اقتباس هذا المثل في عنوان المسرحية الكوميدية اللبنانية "السبعة وذمتها" وهي من تأليف وإخراج محمد دايخ، وتمثيل كل من حسين قاووق، نورهان بودرغام، هالة ذبيان، ماريا ناكوزي وحسين دايخ. ويسير فيها المخرج وفق إطار مسرحي كلاسيكي، على مستوى الشكل والمضمون، طارحاً قضايا تهم الشعب اللبناني بطريقة فكاهية. ويتطرق المخرج محمد دايخ بمهارة لقضايا متعددة وحساسة تؤثر في الكثير من الأحيان على المجتمع اللبناني، حيث تهدف المسرحية التي تدور حول اجتماع مجموعة من الأشخاص لتناول العشاء، إلى محاكاة المجتمع اللبناني لأنها تطال عددا كبيرا من القضايا التي تتراوح بين الدين والجنس والمصاعب الاقتصادية والأحداث الأمنية والسياسة. وتبدو "السبعة وذمتها" نسخة مسرحية من الفيلم السينمائي “أصحاب ولا أعز” للمخرج اللبناني وسام سميرة، سواء في عدد الحاضرين في المسرحية وهم الأشخاص السبعة، أو في الموضوع العام للعمل وطبيعة الحوار والشخصيات، إذ يدخل الجميع في لعبة من دون تسميتها، تكشف مشاكلهم الثنائية واختلافهم المتصاعد فيما بينهم وتظهرهم جميعا حاضرون لخيانة الآخر مع أول فرصة، وصولاً إلى مشهد الختام الذي يتطابق مع ختام الفيلم حيث تنقلب الأدوار بينما لا تحل المشكلات أو تتغير، ولا أحد يترك الآخر أو يقطع علاقته به بل يكتفون بمجرد اتهامات مبنية على شواهد ودون مواقف تذكر فالكل هنا متهم ومدان والكل قادر على الخيانة في الخفاء. المخرج محمد دايخ يتطرق بمهارة لقضايا متعددة وحساسة تؤثر في الكثير من الأحيان على المجتمع اللبناني ويحكي محمد دايخ، مؤلف المسرحية ومخرجها وأحد الممثلين فيها عن العمل فيقول “أنا صاحب البيت، تدعو زوجتي إخوتي للعشاء، فيصطحب أحد إخوتي صديقا له، هذا الصديق مختلف عنا جميعا، فهو يعيش في سجن نفسي يجعله يتكلم ويتصرف وحتى يرتدي ملابس ويؤمن بقيم ومبادئ تعود إلى حقبة الحرب الأهلية التي عاشها اللبنانيون من عام 1975 إلى العام 1990. ونعيش جميعنا حالة من الصدمة الفكرية تعمقها اختلافاتنا الدينية". ويتابع "في هذه المسرحية ألعب دور رجل ملتزم دينيا، ولنا جارة مسيحية، سيقول الكثير من النقاد إن الحديث عن الطائفية والإسلام صار من الكليشيهات المكررة، لكنني ضد هذه الفكرة وضد الكليشيه انطلاقا من فكرة أن النص المسرحي الواحد إذا سلمته إلى مليون شخص فسيعالجه كل واحد منهم بطريقته الخاصة". وأضاف دايخ "المسرحية فيها 600 مليون رسالة أو كلمة أو شيء مقصود فيه، لكن فيها أيضا خليط من دين وسياسة واجتماع، فيها هواجس النفس البشرية، وركزت في بدايتها على اللاوعي الإنساني وحقيقة النفس البشرية والأصوات الحقيقية التي يكلم كل واحد فينا بها الآخر لكنه لا ينطق بها، هي تلك الانطباعات والمشاعر التي نبنيها اعتمادا على إحساسنا لكنها في الحقيقة إشارات من عقل لاواع إلى آخر لا واع أيضا". وتدور الشخصية الرئيسية في المسرحية حول رجل يدعى موسى، وهو مسجون نفسيا وذهنيا في حقبة الحرب الأهلية في لبنان ويعيش في صراع مع أزمة هوية بشكل مستمر. ويُشبِه الممثل حسين قاووق، الذي يمثل دور موسى في المسرحية، هذه الشخصية بمعظم اللبنانيين. وقال قاووق "الكاركتر (الشخصية) اسمه موسى، هو كاركتر متوقف بحقبة معينة من الزمن، لا يتغير، مثله مثل ثلاثة أرباع الشعب اللبناني وهو عاجز عن إيجاد نفسه الحقيقية في الواقع الحالي الذي يعيشه". ولا تزال الحرب الأهلية، التي استمرت 15 عاما وشهدت انقسام لبنان على أسس طائفية وفتحت انقسامات مع مجتمعاته المسيحية والمسلمة، تشكل سياسات البلاد حتى اليوم. وبالنسبة إلى دايخ وقاووق فإن المسرحية لا تهدف إلى إضحاك الناس فقط لكن أيضا التعبير عن أفكارهما على خشبة المسرح. وقالا أيضا إنهما يأملان في أن يشجع ذلك الناس بمختلف فئاتهم على النزول إلى المسرح والمساعدة في انتعاش هذا المشهد النابض بالحياة. وقال حسين قاووق "الكوميديا هي أسهل طريقة لتبليغ أفكارك إلى الآخر، وليس من الهين أن تعمل على الكوميديا وإضحاك شعب متعب جدا. ونحن هنا نقول للمتفرج تعال اضحك وتعلم وافهم، وشاهد مشاكلك ومشكلات الآخر من منظور مسرحي". وتأتي هذه المسرحية الكوميدية، المضحكة المبكية، في وقت صعب للغاية بالنسبة إلى لبنان إذ يواجه أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة أجبرت العديد من الشركات والمؤسسات على الإغلاق. "السبعة وذمتها" تبدو نسخة مسرحية من الفيلم السينمائي "أصحاب ولا أعز" للمخرج وسام سميرة سواء في عدد الحاضرين في المسرحية أو في الموضوع العام للعمل و"أي عامل مع تكراره بيصير طبيعي، الدولار كان أمر مش طبيعي صار طبيعي، السلاح الفلتان هو أمر مش طبيعي صار طبيعي، رئيس جمهورية.. دولة كرواتيا هو أمر مش طبيعي وصار طبيعي.." هذا جزء من الحوار الذي يجريه إبراهيم (محمد دايخ) مع أخيه سليمان ويلخص كل ما يمر به اللبنانيون من تأقلم مع الأوضاع السيئة والاستسلام لما يصنعه بهم النظام السياسي الفاسد، فالصمت والتكيف مع الأزمات والصدمات صار عادة سهلة. ويحرص محمد دايخ في هذا العمل على قول إن الفرد وكذلك الجماعة "تعمل السبعة وذمتها" فلا تترك فعلا لا أخلاقيا إلا وارتكبته في حق النفس والمجموعة، فحتى في مشهد انفجار مرفأ بيروت تعاطت كل جهة سياسية مع الحدث عبر الوسيلة الإعلامية الخاصة بها، وتناولته وفقا لغاياتها السياسية، وحدها أصوات أهالي الضحايا تنقل حقيقة ما حدث. ويرى اللبناني إرنستو أشقر، وهو من الجمهور الذي حضر العرض، أن مسرحية "السبعة وذمتها" نجحت في تصوير الواقع اللبناني بحلوه ومره قائلا "المسرحية طالت المجتمع اللبناني، طالت كل فرد بالأسرة، بأي نوع من الديانات والطوائف وجسدت الواقع اللبناني بحزنه، بفرحه، وأنهاها بالمضحك المبكي". أما بالنسبة إلى فاطمة حمزة، التي شاهدت العرض أيضا، فإن المسرحية تسلط الضوء على مدى تأثير الأمور الدينية على العلاقات بين أفراد المجتمع. وقالت فاطمة إن العرض "أوصل رسالة جيدة مفادها إلى أي مدى بإمكان المسائل الدينية التأثير في المجتمع والأفراد فيما بينهم، وتساؤل "مين أنا" (من أنا) بإمكان أي شخص أن يسأله لنفسه ليبحث في معتقداته وكل ما يحتاج التغيير في تركيبة شخصيته".

مشاركة :