تمكنت التلميذة سايي غارات، البالغة من العمر تسع سنوات، من التواصل بسهولة مع مدرّس العلوم عبر الإنترنت، حيث جلست على سرير في منزل جدتها في غرب الهند. لكنها كانت تعلم أنها لن تكون قادرة على البقاء في نفس المكان لفترة طويلة بسبب اتصال الإنترنت الضعيف عبر الهاتف المحمول الذي اعتمدت عليه في تعليمها حين انتقلت فصول دراسية في قرية دونجي إلى الإنترنت بعد أن ضرب الوباء البلاد في مارس 2020. وقالت تشاندرا كامالكار غارات جدة سايي “تكون الشبكة جيدة في بعض الأحيان، وسيئة أحيانا. على حفيدتي أن تنتقل من غرفة إلى أخرى، ومن زاوية إلى أخرى، بل وتخرج أحيانا”. وعادت سايي إلى المدرسة، لكن البقاء على الإنترنت طوال اليوم لا يزال يمثل تحديا لها ولعشرات الملايين من الأشخاص الذين يعانون من ضعف الاتصال في المناطق الريفية بالهند، حيث تعيق الفجوة الرقمية التعليم وسبل العيش والوصول إلى الرعاية الصحية. وقالت غارات إن “الأمر صعب للغاية عليها… نتساءل أحيانا ما إذا كان الأمر يستحق العناء”. وفي الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، يوجد أكثر من 800 مليون مشترك في الإنترنت، وفقا لهيئة تنظيم الاتصالات. ومع ذلك، لا يتصل بالإنترنت سوى حوالي 38 في المئة من السكان في المناطق الريفية. وجعلت الحكومة النطاق العريض العالمي أولوية في إطار برنامج الهند الرقمية لتحسين الحوكمة من خلال التكنولوجيا، مع مشاريع مثل النطاق العريض الريفي “بهارات نت” الذي يهدف إلى ربط حوالي 650 ألف قرية في جميع أنحاء البلاد. بيانات رخيصة لكن الدمج الرقمي لا يزال بعيد المنال بالنسبة إلى معظم مناطق الهند الريفية، للتأخيرات في التنفيذ، ونقص الوصول والأمية الرقمية، وفقا لتقرير صادر عن المجلس الهندي لأبحاث العلاقات الاقتصادية الدولية. وقد يتغير ذلك الآن بسبب تحركات السياسة الأخيرة التي شملت الموافقات الأسهل لنشر شبكة النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية، والإطلاق الوشيك له من شركة بهارتي أيرتيل وجيو بلاتفورمز وشركة ستارلينك المملوكة لأيلون ماسك، وغيرها. قالت منسي كيديا الزميلة في المجلس الهندي لأبحاث العلاقات الاقتصادية الدولية، وخبيرة الاتصالات والإنترنت، إنه “مع تشبع الأسواق الحضرية، يوجد اهتمام كبير بين مقدمي الخدمات لزيادة عدد المشتركين في المناطق الريفية. لكن الاتصال الريفي يجب أن ينظر إلى ما هو أبعد من التكنولوجيا المهيمنة أي إلى الألياف الضوئية والاتصالات المتنقلة. ويمكن أن يساعد النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية في تحقيق الاتصال بتكاليف أقل بكثير”. وكانت الأمم المتحدة قد اعتبرت عام 2016 أن الوصول إلى الإنترنت هو حق من حقوق الإنسان، مضيفة بندا إلى الإعلان العالمي بشأن “تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها والتمتع بها على الإنترنت”، بما في ذلك النساء والفتيات المتأثرات بهذه الفجوة الرقمية. وكانت الهند، التي تعتبر من أكثر الدول التي تُغلق فيها الإنترنت في العالم، من بين العديد من الدول التي عارضت التعديل في ذلك الوقت. كما أن لديها واحدة من أقل رسوم بيانات الهاتف المحمول على مستوى العالم، مما يساعد الاتصالات اللاسلكية المتنقلة على تغطية الجزء الأكبر من مشتركي الإنترنت البالغ عددهم 834 مليون مشترك في البلاد. لكن، لا يتمتع سوى حوالي 24 مليون مشترك باتصالات إنترنت ثابتة. وساعد القطاع الخاص والمبادرات الخيرية إلى جانب البرامج الحكومية في تعزيز الاتصال ودعم محو الأمية الرقمية في المناطق الريفية. وقال مايكل غينغولد المدير في شركة إيرغالدي التي توفر شبكات في المناطق الريفية وشبه الحضرية في الهند “لن تذهب شركات الاتصالات الكبرى إلى المناطق الريفية إلا إذا كان ذلك مجديا من الناحية الاقتصادية، حيث أن تشييد البنية التحتية يكون أكثر تكلفة، وتعتبر قاعدة المستخدمين أقل قدرة على الدفع. كلما تعمقت في المناطق الريفية كلما قل الطلب. ويمكنهم مشاهدة مسلسل أو فيلم على هواتفهم ولكن هذا يتغير، وقد سرّع كوفيد هذا التحول، مع الطلب على اتصال أفضل للوصول إلى التعليم أو الرعاية الصحية”. وتصل شركة إيرغالدي، التي دخلت في شراكة مع غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت في مشاريع الإنترنت، إلى أكثر من 200 ألف مستخدم في حوالي 1500 قرية في الهند، بما في ذلك البعض ممن لم تتمتع باتصال على الهواتف سابقا. تسلق الأشجار ◙ البقاء على الإنترنت طوال اليوم لا يزال يمثل تحديا لعشرات الملايين من الأشخاص الذين يعانون من ضعف الاتصال في المناطق الريفية بالهند ◙ البقاء على الإنترنت طوال اليوم لا يزال يمثل تحديا لعشرات الملايين من الأشخاص الذين يعانون من ضعف الاتصال في المناطق الريفية بالهند على الصعيد العالمي، يأتي ثلاثة أرباع الطلاب الذين لا يستطيعون الوصول إلى التعلم عن بعد من مناطق ريفية أو أسر فقيرة، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسف). وخلال عمليات الإغلاق التي حدثت بسبب كوفيد – 19، نشرت وسائل الإعلام الهندية تقارير عن طلاب ومعلمين في القرى يتسلقون الأشجار أو التلال في محاولة للاتصال بالإنترنت. وقد تصبح هذه الصور قريبا من الماضي. ففي وقت سابق من هذا العام أعلنت شركة ونويب وشركة هيوز الهنديتان للاتصالات أنهما قد اتفقتا (في إطار مشروع مشترك مع بهارتي أيرتيل) على تقديم خدمات النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية في مدار أرضي منخفض “خاصة في المناطق التي تقع خارج نطاق اتصال الألياف”. وفي الشهر الماضي قالت جيو بلاتفورمز التي يملكها الملياردير موكيش أمباني إنها ستطلق خدمات النطاق العريض القائمة على الأقمار الصناعية في الهند مع شركة الاتصالات إس.إي.إس ومقرها لوكسمبورغ، باستخدام الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة إلى الأرض والمدار الأرضي المتوسط. ونذكر من بين هذه الشركات ستارلينك التابعة لأيلون ماسك، والتي تنتظر ترخيصها في الهند، وقد أطلقت بالفعل حوالي ألفين من الأقمار الصناعية من بين 42 ألفا تعتزم إطلاقها، والهادفة إلى توصيل الإنترنت لجميع أنحاء العالم. كما يمكن أن يكون مشروع أمازون كايبر شريكا آخر محتملا. مع تشبع الأسواق الحضرية في المدن يوجد اهتمام كبير بين مقدمي الخدمات لزيادة عدد المشتركين في المناطق الريفية وقالت كيديا إن “التكاليف الثابتة للنطاق العريض عبر الأقمار الصناعية مرتفعة، لكن تكلفة تنفيذها أقل لتغطية جغرافية أكبر وكثافة سكانية أقل، مقارنة بتقنيات مثل كابل الألياف الضوئية”. ولم يكن سكان قرية سيتلينجي بجنوب الهند، الذين سافروا ذات مرة إلى قرية أخرى على بعد حوالي 20 كيلومترا للاتصال بالإنترنت، قادرين على انتظار النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية. وتدخلت مؤسسة التمكين الرقمي وجمعية الإنترنت أثناء الوباء، وأنشأت اتصال إنترنت ثابتا في القرية باستخدام طيف مجاني وغير مرخص. وقالت لاليثا ريجي مديرة مركز الحرف في بورغاي إن هذا يعني أن الطلاب كانوا قادرين على استئناف الدراسة، وأمكن للمزارعين بيع منتجاتهم عبر الإنترنت، حيث وجد مركز الحرف الأصلي مشترين جددا.
مشاركة :