فيلق الصحافة الأميركية يقرع طبول الحرب في أوكرانيا

  • 4/2/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تمتلك الحروب طريقة لإخراج أفضل وأسوأ ما في الصحافة الأميركية. ومنذ أن غزت روسيا أوكرانيا أرسل المراسلون الحربيون تقارير إخبارية عن ساحة المعركة كشفت عن “وحشية” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورغم ذلك دعا العديد من الصحافيين والمعلقين -الذين يعيش معظمهم بشكل مريح بعيدًا عن الخطوط الأمامية في الحرب- الولايات المتحدة مؤخرًا إلى تصعيد مشاركتها بطرق خطيرة؛ فقد اقترح صحافيون بارزون في مجال الأمن القومي صراحةً أن يقوم الجيش الأميركي بقصف القوافل الروسية أو فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، الأمر الذي يتطلب إسقاط الطائرات الروسية. وهاجمت هيئة الصحافة في البيت الأبيض السكرتير الصحافي للبيت الأبيض بوابل من الأسئلة المتعلقة بهذا الأمر، ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التدخل. ويصور البعض الحرب على أنها مسألة ذات قيمة وجودية لأمن الولايات المتحدة، ويقارنون الفشل في التدخل باسترضاء الدكتاتور النازي أدولف هتلر. ☚ من جانبه تلقى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما دعمًا واسعًا في وسائل الإعلام لقراره الذي يقضي بإنشاء منطقة حظر طيران خلال الحرب الأهلية الليبية الأولى وتبدو هذه الدعوات الموجهة إلى الولايات المتحدة للانضمام إلى القتال صادمة وسريعة بشكل خاص، بالنظر إلى المخاطر الجسيمة التي يمكن أن تترتب على الصراع بين قوتين نوويّتين. ويلفت دامير ماروسيتش من مؤسسة “مجلس الأطلسي” إلى أنه حتى المناوشات الصغيرة يمكن أن تتفاقم لتصل إلى حد الحرب النووية بسرعة مرعبة. ونظرًا إلى هذه المخاطر لازم الرئيس الأميركي جو بايدن الحذر بشكل مفهوم، وهي سمة لا تناسب ثقافة الأخبار الأخبار التي تبحث عن الاستقطاب والإثارة. واستضافت قناة “فوكس نيوز” مسؤولاً أوكرانيًا اعتبر الرئيس الذي لم يتخذ قرارا يقضي بإنشاء منطقة حظر طيران “خائفا” ووصفه عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بأنه “بلا قلب”. وتعتقد هيئة تحرير “وول ستريت جورنال” أن فلاديمير بوتين “نجح في ترهيب بايدن” عبر التهديد بالتصعيد النووي. في غضون ذلك لا يتم إطلاع الشعب الأميركي بشكل كامل على التفاصيل أو العواقب المحتملة لمثل هذا الإجراء. وقد وجدت استطلاعات الرأي أن الأميركيين يدعمون إنشاء منطقة حظر طيران من الوهلة الأولى، دون أن يعوا أن ذلك سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى نشوب حرب بين الولايات المتحدة وروسيا. وفي أوقات الحرب يتمتع الصحافيون ووسائل الإعلام الأكثر شهرة في الولايات المتحدة بتاريخ طويل من الميل إلى العمل العسكري. وفي العام الماضي وحده أخضعت وسائل الإعلام السائدة إدارة بايدن لسيل من الانتقادات بشأن قرار الانسحاب من أفغانستان، فيما حظي الرئيس السابق دونالد ترامب بثناء “منقطع النظير” بعد أن شن هجومًا صاروخيًا لا طائل منه استراتيجيًا على سوريا في عام 2017، لينخفض بذلك معدل شعبية بايدن فجأة بنحو 10 في المئة وسط ردود فعل سلبية ساحقة في وسائل الإعلام. في المقابل تزامنت التغطية الإيجابية لضربة ترامب الصاروخية التي استهدفت سوريا عام 2017 مع زيادة كبيرة في شعبية ترامب. من جانبه تلقى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما دعمًا واسعًا في وسائل الإعلام لقراره الذي يقضي بإنشاء منطقة حظر طيران خلال الحرب الأهلية الليبية الأولى (والذي يتذكره على أنه “أسوأ خطأ” في فترة رئاسته)، وتعرض لانتقادات كبيرة لتجنبه لاحقًا التدخل في سوريا (من المحتمل أن يكون اتعظ بالعواقب الكارثية المترتبة على التدخل في ليبيا). ومن يستطيع أن ينسى تغطية وسائل الإعلام التي لم تعترض على مبررات إدارة جورج دبليو بوش المهزوزة لشن حرب على العراق؟ وقد وجدت إحدى الدراسات أنه على مدى الأسابيع الثلاثة التي سبقت غزو العراق أيد 64 في المئة من الضيوف الذين ظهروا في برامج إخبارية وفي مختلف القنوات الأميركية الحرب، في حين عارضها 10 في المئة فقط. كل هذا مهم لأن الخيارات التحريرية التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية لديها قدرة فائقة على دفع عملية صنع القرار السياسي في اتجاه متشدد بشكل لا موجب له. إن قدرة الصحافيين على تشكيل الرأي العام قوية بشكل خاص في نقاشات السياسة الخارجية لسببين؛ أولاً، تميل السياسة الخارجية إلى أن يُنظر إليها من قبل الناخبين على أنها أقل أهمية من القضايا المحلية، لذلك فإن وجهات النظر العامة بشأن الشؤون الخارجية أكثر سهولة من ناحية التأثير عليها. ثانيًا، على عكس التحديات الاقتصادية مثل التضخم، فإن معظم الناخبين ليس لديهم اهتمام مباشر للقضايا الدولية في حياتهم اليومية ويعتمدون إلى حد كبير على التغطية الإخبارية لتكوين آراء حول الشؤون الخارجية. دعوات الإعلام الأميركي للانضمام إلى القتال صادمة وسريعة، بالنظر إلى مخاطر الصراع بين قوتين نوويتين وتخلق التغطية الإعلامية حوافز مضرة بواضعي السياسات. فأعضاء الكونغرس مثلا حساسون تجاه الروايات الإعلامية لأنهم يقومون بحملات مستمرة لإعادة انتخابهم، وهذا يسبب المزيد من القيود المفروضة على صنع القرار الرئاسي. كما أن التحيز المؤيد للحروب يسهّل بدْءها ويصعّب إنهاءها. لكن من أين يأتي هذا التحيز؟ أولاً، تعتمد التغطية المتعلقة بالأمن القومي إلى حد كبير على مصادر رسمية وعسكرية؛ مثل رجل بمطرقة يرى مسمارًا، ومن المرجح في هذه الحالة أن يتدخل. عندما سحب بايدن قواته من أفغانستان كان العديد من الذين انتقدوا قراره على شاشة التلفزيون هم أنفسهم المتخصصون في مجال الأمن القومي الذين شاركوا (وبالتالي استثمروا) في إدامة الحرب في هذا البلد. هذا الاعتماد على المصادر الرسمية من قبل الصحافة الأميركية هو ما يسميه الأكاديميون “الفهرسة”، وهو يحد من نطاق النقاش. وهناك نماذج بديلة. فالأخبار الفرنسية، على سبيل المثال، تعتمد بشكل أكبر على أصوات المجتمع المدني، لذلك تميل إلى أن تتكون من مجموعة واسعة من وجهات النظر. وفي الوقت الذي يحاولون فيه مساعدة جماهيرهم على فهم الغزو الروسي لأوكرانيا وضرورة إقامة حظر جوي، أظهرت القنوات التلفزيونية جنرالات متقاعدين مثل فيليب بريدلوف وويسلي كلارك. وخلق دعمهم لإنشاء منطقة حظر طيران انطباعًا بأن هذه الخطوة مدعومة من قبل الخبراء، على الرغم من أن المختصين في العلاقات الدولية يعارضون بالإجماع تقريبًا الخطوة. ثانيًا، تعتمد تقارير الأمن القومي بشكل خاص على المصادر الحكومية، لأنها تتطلب غالبًا الوصول إلى مناطق القتال النشطة والمعلومات الحساسة. الحروب تمتلك طريقة لإخراج أفضل وأسوأ ما في الصحافة الأميركية ثالثًا، في محاولة لجعل الموضوعات الجيوسياسية المعقدة مفهومة لجمهور عريض، يميل الصحافيون والمحللون إلى إدراج الأحداث العالمية في أطر أخلاقية واضحة مع أبطال وأشرار واضحين. وتؤدي هذه الأطر إلى دعوة الولايات المتحدة إلى القيام بالشيء الصحيح. يتجلى هذا في تعليقات السناتور الجمهوري بين ساسي عقب خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام الكونغرس حيث قال “تتحدث الإدارة عن هذا الأمر وكأنه نقاش محامي مهووس بطريقة ما، وليس كأنه معركة أخلاقية بين الأخيار والأشرار، ونريد أن يفوز الأخيار”. وعبر السفير الأميركي السابق في روسيا مايكل ماكفول عن ذلك بشكل صارخ حين قال”إذا كنت لا تريد إعطاء المزيد من الأسلحة لأوكرانيا لمنع بوتين من قتل الأطفال في أوكرانيا، فما الذي توصون به بدلاً من ذلك؟ كن دقيقا”. لكن الأفعال ذات النوايا “الحسنة” من الناحية الأخلاقية غالبًا ما تدمر الأشخاص الذين تهدف إلى مساعدتهم. ومثلما أصبح الليبيون والعراقيون أسوأ حالًا اليوم مما كانوا عليه قبل تحريرهم من ويلات الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أو الزعيم العراقي الراحل صدام حسين، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة في ساحة المعركة ستساعد الأوكرانيين على الانتصار أم على العكس من ذلك ستسهم في إطالة معاناتهم.

مشاركة :