يشكّل الروائي الكويتي خالد النّصر الله (1987)، حالة خاصة في المشهد الأدبي المحلّي العربي، على مستوى الكتابة السّاخرة، أو على مستوى صناعة الكتاب، فقد أسس دار نشر أطلق عليها اسم «نوفا بلس» ونشر عام 2007 وهو في العشرين من عمره أول كتبه بعنوان «كويتي من كوكب آخر» على نفقته الخاصة، ثم توالت أعماله الروائية، منها: «يوم الحدث، الحقيقة لا تقال، هرطقة، زاجل، الدّرك الأعمى»، إضافة إلى مجموعته القصصية «المنصة»، وقد وصلت روايته «الدّرك الأعلى» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب – عن فئة المؤلف الشاب عام 2017، وآخر القطاف روايته الجديدة «الخط الأبيض من الليل» الصادرة حديثاً عن «دار السّاقي»، والتي وصلت إلى القائمة القصيرة للرواية العربية «البوكر» في نسختها الـ15، وتسرد حكاية الصراع الدائر بين الكاتب والرّقيب، أما العنوان فله دلالات ومعان خفية بين نقيضين: الخط الأبيض وهو فعل التحدي والإرادة والمقاومة، والليل المعتم المعبّر عن الفكر الظلامي والقمعي، أما بطل الرواية الذي تمّ رسم شخصيته بعناية فائقة، فيعمل مدققاً في إحدى المؤسسات الحكومية المعنية بمراقبة الكتب، قارئ نهم وكاتب من طراز خاص، يعيش صراعاً مقلقاً بين الشغف والتّكليف، لكن معاناته الحقيقية تبدأ عندما يفاوض روائياً يعشق أعماله وينتقدها في ذات الوقت، مما يدخله في صدامات وصراعات مع نفسه، إلى أن يقرّر أن يغلف حياته بالعزلة مع الكتب، متماهياً موضوعه مع كواليس مقص الرّقيب الثقافي، عالم النّشر وأضواء الشهرة والدّور المزدوج للمثقف ككاتب وصاحب رسالة تنويرية. يقول النّصر الله: «بطل روايتي شخصية واقعية، كان التّهميش قدرها، لكنه صلب عنيد في السّعي لنيل حقوقه، والعمل على تحقيق مزيد من الحرية للكتاب والمثقفين، حتى يقرر في نهاية الصراعات الشائكة بين الرقابة والإبداع، الانقطاع عن العمل، منتصراً للمثقف فيه على حساب الموظف». ويضيف حول روايته بقوله «الرواية أيضاً ترتكز على قضية متشعبة، تتحدث عن الوضع الإنساني الملتبس لشخصية الرقيب، دون تحديد الدولة التي تجري فيها الأحداث، فالثيمة عالمية، والموضوع برمته شمولي، لكنه ساخر ويبعث على تساؤلات كثيرة حول حرية التعبير التي ما زالت قيد البحث إلى ما لا نهاية»، كما أن الشخوص والبناء السردي واللغة والصراع ضد اللاءات المقيدة لحرية التعبير، فهي مسائل ممتدة في كل الفضاءات الاجتماعية وتخاطب كافة شرائح الناس في أي مجتمع» وجاءت لغة النصر الله الساخرة شفيفة شاعرية غير متكلّفة وسيّالة بقدر متانتها، ومتناغمة مع الأحداث التي كانت تتطور عبر إيقاع سريع لاهث، في ظلال صورة فنية وصفية جديدة، ومنسجمة مع حالات الشخصيات وتحولاتها، ومع الإسقاطات التي بثها الكاتب في ثنايا روايتين: الرواية التي نقرأها، والرواية الضمنية المختبئة خلف عالم المنع. «الخط الأبيض من الليل» رواية متمردة في الشكل والمضمون، والكاشفة للمستور، وكل ما يشوب عالم الثقافة والإبداع والنشر من مفارقات، بل إنها تجسد صورة المثقف في أجلى عذاباته، وهي أيضاً رواية سهلة الفهم رغم ما يكتنفها من غموض وغرائبية، وتعبير كاركاتوري في بناء الحوارات في أكثر من موقع في هذا العمل الأدبي الرفيع، الذي يقدم لنا شخصيات واضحة بلا مساحيق، أناساً ترتبط بالحياة وتكشف عن دواخلها بدون مركبات النّقص.
مشاركة :