تبدو د. أفراح ملا علي سعيدة بإتقانها وتعلمها اللغة الإسبانية ومن ثم تخصصها في الأدب الإسباني كونه يشكِّل خبرة فنية عميقة للتجربة الإنسانية وكونها اطلعت عن قرب على آداب الشعوب الأفريقية واللاتينية والأوربية التي تتحدث تلك اللغة ولم تحظ كثير من علومها وآدابها بالترجمة بعد، كما ترى أن الأدب الأسباني الحديث ولد من جديد. تلتقي "ثقافة اليوم" في هذا الحوار ب د. أفراح بها للحديث عن سر اهتمامها بالإسبانية محاولين إلقاء الضوء على تأثير الأدب الإسباني في الآداب العالمية: *سؤال يتبادر إلى الذهن، لماذا كان اهتمامك باللغة الأسبانية عن غيرها من اللغات الرومانتيكية؟ - لأن الأدب الأسباني يتميز ويتربع على عرش التفرد الأدبي بلا منازع، فهو أحد الأسس المهمة للغاية في علم الفيلولوجية أو ما نسميه علم اللغة والأدب الاسباني. وإذا ما سُئلنا عن سبب هذا التفرد والتميز فالأسباب عديدة من ضمنها أن الأدب الإسباني لا يقتصر فقط على اللغة الإسبانية! بل تعدى هذه المرحلة بدرجات! فالأدب الإسباني لا يعني انحباسه في الأدب القشتالي واللغة القشتالية، بل أيضا الأدب الكاتلوني أو القطلوني نسبة لإقليم كاتالونيا، الأدب الفالينسيانو نسبة إلى منطقة فالينسيا، والأدب الباسكي من الباسك في شمال اسبانيا، والغاليغية أو ما نسميه الغاجيغو والذي يعود إلى إقليم غاليثيا الإسباني بحدود البرتغال. ولم يكتفِ هذا الأدب بتفرعه في لغات أخرى بل أيضا انطلاقته إلى قارات أخرى كالدول الناطقة للغة الإسبانية في أميركا اللاتينية وأيضا الدول الآسيوية كالفلبين. الأدب الإسباني هو أدب يهود وعرب إسبانيا وليس فقط لسكان شبه الجزيرة الأيبيرية المحليين كونه كتب بالعربية والعبرية والرومانسية والالخاميدا أو الأعجمية الأندلسية، وهي كتابات أعجمية متداولة في إقليم الأندلس غالبا كتب فيها الشعراء والأدباء أعمالهم بالحروف العربية ولكن بلغة أعجمية. ولا يجب علينا أن ننسى أن الأدب الاسباني هو امتداد وفرع من فروع الأدب الرومانطيقي أو الرومانسي ذي الأصل اللاتيني. * متى انتهى الأدب الأسباني من المرحلة الشفاهية، وأصبح أدباً مكتوباً؟ -يبزغ الأدب الإسباني بالعصور الوسطى تحديدا بالعصر الثالث عشر كأدب موثق ومدون. فنرى الخرجات المعربة، والتي كان الشعراء العرب والعبرانيون سببا أساسيا في انتشارها، فهذه الخرجات كانت جزءا من موشحاتهم الخالدة. أما الملاحم والأناشيد نميز من بينها أنشودة السيد El Cantar Del Mio Cid، وهي من مؤلف مجهول ولكن المخطوط كان موقع باسم بيدرو أباد Pedro Abad. ونرى أيضا بالعصر الثالث عشر مدونات عن مسرحية ملوك الشرق، وأدب صنائع الكهان. هذا النوع الأدبي الذي يدونه رجال الدين والمثقفون ولا يقتصر بالضرورة على القساوسة. فعلى سبيل المثال من طبقة النبلاء يلمع اسم بيدرو لوبيث دي ايالله Pedro Lopez de Ayala ، عبرانيين مثل سيم توب Sem Tob، ومسلمين كشعر يوسف من مؤلف عربي مجهول. *هل كانت هناك ترجمات معتمدة للغة الأسبانية في ذلك الوقت؟ -حين نتابع خط سير تاريخ الأدب الاسباني وصولا إلى شخصية فذة ذات نظرة أكاديمية بحتة ألا وهي الملك الفونسو العاشر الملقب بالفونسو الحكيم، وهو مروج للغة القشتالية وواحد من أهم مؤسسي أكاديمية المترجمين في طليطلة الإسبانية. حيث جمع العرب والعبرانيين والإسبان تحت مظلة واحدة من أجل جمع أكبر قدر من المترجمين بهدف العلم والعلوم. فكان شاعرا فذا وأعتبره شخصيا الملك الأكاديمي الفعلي لما آلت إليه تلك الحقبة من ازدهار ومعرفة. نصل إلى العصر السادس عشر ونرى الأدب الإنساني الذي يتجلى باسم نجم مازال يسطع نوره حتى الآن ألا وهو الحكيم والمعلم أنتونيو دي نيبريخا Antonio De Nebrija. أحد أكبر معلمي جامعة سالمنكا، أقدم وأعرق جامعة بالمملكة الاسبانية. وهو مؤلف كتاب القواعد الإسبانية وأول مدون لها. *متى حصل الانقسام للأدب الأسباني، إلى آداب لاتينية؟ -مع هذا الأدب الذي ملأ صفحات التاريخ بزخارفه الملحمية وأشعاره العميقة وموشحاته التي تعيدنا الى هذا الفردوس المفقود، فردوس الأندلس، نبحر إلى أدب أميركا اللاتينية، والتي يطلق عليها البعض بالأدب الايبيري! أو الأدب الاسباني الأميركي! والتي تتفرع بدورها إلى الأدب الأرجنتيني،البوليفي، أدب شيلي، الادب الكولومبي، أدب كوستاريكا، الادب الكوبي، الادب الاكوادوري، أدب السالفادور، أدب غواتيمالا، أدب هوندوراس، الأدب المكسيكي، أدب نيكاراغوا، أدب باناما، ادب البارغواي، أدب البيرو، أدب بويرتو ريكو، الأدب الدومينيكاني، أدب الاوروغواي والأدب الفينيزويلي! فيبدأ هذا الأدب مع أول خطوات كريستوفر كولومبس أو كريستوفال كولون Cristobal Colon كما يسميه الأسبان في الرحلة الاستكشافية التاريخية لأميركا. ويبدأ الانخراط الثقافي والأدبي والإنساني وينتج نوع من الأدب والذي يتحلى بطابع عالمي فيما بعد، على سبيل المثال الأدب الملقب بالبوم سنة الستينات بالأرجنتين! وكان كاتبها خورخي لويس بورخيس من أهم الكتاب آنذاك. *برأيك هل تغيّرت ملامح الأدب الأسباني الحديث؟ الأدب الاسباني ولد من جديد مع الحرب الأهلية الإسبانية على يد الجنرال فرانثيسكو فرانكوFrancisco Franco . وقبل هذه الحرب اسماء كتاب وشعراء تزن كتاباتهم الذهب المصفى مثل غونغورا ،كيفيدو، ماشادو، بيكير الخ. يطول شرح الأدب الإسباني ولا تكفي الكلمات للتطرق إلى تاريخ هذا الأدب القيم.
مشاركة :