أوديسا (أوكرانيا) - اتهمت أوكرانيا الأحد روسيا بارتكاب "مجزرة متعمّدة" في بوتشا غداة العثور على عشرات الجثث في المدينة الواقعة في شمال غرب كييف بعد تحريرها من القوات الروسية، ما أثار استياء مسؤولين غربيين وتعالت أصوات دولية للتحقيق في جرائم حرب. لكن وزارة الدفاع الروسية نفت الأحد أن تكون قواتها قتلت مدنيين في بوتشا الواقعة خارج كييف والتي استعادتها القوات الأوكرانية من الجنود الروس. وأوضحت الوزارة "في وقت كانت فيه هذه المدينة تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية، لم يتعرض أي مواطن محلي للعنف"، مضيفة أن الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت لجثث في شوارع بوتشا كانت "فبركة جديدة (قام بها) نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية". ويسعى مسؤول كبير من الأمم المتحدة الأحد في موسكو للتوصل إلى "وقف إطلاق نار لأغراض إنسانية" في أوكرانيا، فيما سمعت سلسلة انفجارات في مدينة أوديسا الساحلية. وأعلنت أوكرانيا أن القوات الروسية تنسحب من مدن أساسية في محيط العاصمة كييف وتشرنيغوف في الشمال لإعادة الانتشار في الشرق والجنوب بهدف "الحفاظ على السيطرة" على المناطق التي تحتلها هناك. وبعد أكثر من شهر على بدء الهجوم الروسي أعلنت مساعدة وزير الدفاع الأوكراني غانا ماليار السبت "تحرير إيربين وبوتشا وغوستوميل ومنطقة كييف بكاملها من الغزاة". لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أفاد على فيسبوك بأن الروس بانسحابهم سواء "من تلقاء أنفسهم" أو بعد معارك يتركون خلفهم "خرابا كاملا والكثير من المخاطر" وحذر بأن "القصف يمكن أن يتواصل"، متهما العسكريين الروس بـ"تلغيم الأراضي التي ينسحبون منها ومنازل وذخائر وحتى الجثث". وفي بيان نشرته الأحد، نددت منظمة هيومن رايتس ووتش بالانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين والتي ترقى إلى مستوى "جرائم الحرب" التي ارتكبها جنود روس في مناطق تشرنيغوف وخاركيف وكييف. ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أنها وثّقت عدة حالات "انتهاكات قوانين الحرب"، مشيرة إلى حالة اغتصاب امرأة عدة مرات وضرب جندي روسي لها وعمليات إعدام سبعة رجال و"حالات عنف أخرى" و"تهديدات ضد المدنيين"، فضلا عن النهب. وفي مدينة بوتشا بضواحي كييف شوهدت جثث حوالي عشرين رجلا أحدهم مصاب بجرح بالغ في الرأس في أحد الشوارع على مسافة مئات الأمتار. وقال أناتولي فيدوروك رئيس بلدية المدينة التي استعادها الأوكرانيون من القوات الروسية، إن "كل هؤلاء الأشخاص أعدموا، قتلوا برصاصة في مؤخر الرأس" مشيرا إلى دفن نحو 300 شخص "في مقابر جماعية". وأضاف "في بعض الشوارع نرى 15 إلى 20 جثة على الأرض لكن لا يسعني أن أقول كم من الجثث لا تزال في أفنية المنازل وخلف الأسوار"، موضحا أنه عُثر على عدد من القتلى مكبلي الأيدي بواسطة شريط قماش أبيض يستخدم للإشارة إلى أنهم غير مسلحين. واتهم وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الأحد روسيا بارتكاب "مجزرة متعمّدة" في بوتشا غداة العثور على عشرات الجثث في هذه المدينة بعد تحريرها من القوات الروسية. وكتب كوليبا على تويتر "إن مجزرة بوتشا كانت متعمّدة. الروس يريدون القضاء على أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين. يجب أن نوقفهم ونطردهم. أطالب بعقوبات جديدة مدمرة من مجموعة السبع حالا". من جهته كتب أحد مستشاري الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك على تويتر "منطقة كييف. الجحيم في القرن الحادي والعشرين. جثث رجال ونساء قُتلوا وأياديهم مكبّلة. عادت أسوأ جرائم النازية إلى أوروبا. قامت روسيا بذلك بشكل متعمّد". ودعت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس الأحد إلى التحقيق في الهجمات الروسية على مدنيين أوكرانيين باعتبارها "جرائم حرب" مع تزايد الأدلة على ارتكاب "أعمال مروّعة" في مدينتي إيربين وبوتشا. وقالت في بيان إن الحكومة البريطانية ترى "أدلة متزايدة على ارتكاب قوات الغزو أعمالا مروعة في مدن مثل إيربين وبوتشا". وأعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الأحد على تويتر عن "صدمته حيال الصور المخيفة للفظاعات التي ارتكبها الجيش الروسي في منطقة كييف المحررة" مضيفا "الاتحاد الأوروبي يُساعد أوكرانيا والمنظمات غير الحكومية في جمع الأدلة الضرورية لملاحقات أمام المحاكم الدولية"، مشيرا إلى تحضير "المزيد من العقوبات الأوروبية والدعم". وأكّد نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد روبرت هابيك الأحد لصحيفة بيلد أنه "لا يمكن أن تبقى جريمة الحرب المروعة هذه دون رد عليها"، مضيفا "أعتقد أن هناك إشارة إلى تشديد العقوبات. هذا ما نعدّه مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي". وشهدت بوتشا ومدينة إيربين المجاورة بعض أعنف المعارك منذ بدء الغزو في 24 فبراير/شباط فيما كانت القوات الروسية تحاول تطويق كييف، وتعرضتا لقصف مركز تسبب بدمار كامل. وعلى مقربة من العاصمة عثر على جثة المصور والموثق الأوكراني المخضرم ماكس ليفين مقتولا بالرصاص بعد انسحاب القوات الروسية، وفق ما أعلنت السلطات الأوكرانية السبت، فيما أفادت النيابة العامة الأوكرانية بأنه قتل "برصاصتين أطلقهما جنود روس". ويزور مسؤول في الأمم المتحدة موسكو الأحد سعيا للتوصل إلى "وقف إطلاق نار لأغراض إنسانية" في وقت أسفرت فيه الحرب حتى الآن عن سقوط آلاف القتلى وشردت أكثر من 4.1 ملايين أوكراني. وكانت روسيا حتى الآن ترفض أي زيارة لمسؤول كبير في الأمم المتحدة يكون موضوعها الرئيسي أوكرانيا. وتوعدت المفوضية الأوروبية الأحد، بمحاسبة روسيا إثر ارتكاب ما وصفته المفوضية بـ"فظائع لا توصف" في المناطق التي تنسحب منها في أوكرانيا. وأعربت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين في تغريدة على تويتر عن "فزعها" من التقارير التي تتحدث عن ارتكاب فظائع لا توصف في مناطق تنسحب منها روسيا. وقالت "هناك حاجة ماسة إلى تحقيق مستقل"، مؤكدة أنه "سيتم محاسبة مرتكبي جرائم الحرب". وطالب المستشار الألماني اولاف شولتس الأحد بتسليط الضوء على "الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي" في بوتشا قرب كييف والتي استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها وحيث عثر على عشرات الجثث. وقال شولتس في تصريح مقتضب نقله مكتبه الإعلامي "علينا تسليط الضوء في شكل كامل على هذه الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي"، مشددا على "وجوب محاسبة مرتبكي هذه الجرائم ومن خطط لها" ومطالبا خصوصا بإفساح المجال أمام منظمات دولية لدخول المنطقة "لتوثيق هذه الفظائع". وعبّرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الأحد عن صدمة إزاء ظهور أدلّة جديدة على قتل مدنيين في أوكرانيا وحذّرا من أن تراجع القوات الروسية من محيط كييف قد لا يكون إشارة إلى انسحاب تام أو إنهاء للعنف في أوكرانيا. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد لقناة سي إن إن "لا يَسَعك إلّا التعامل مع هذه الصور بوصفها ضربة مؤلمة"، مضيفا "هذا هو واقع ما يحصل كلّ يوم ما دامت استمرت وحشية روسيا ضد أوكرانيا". وأكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الأحد أنه "ليس متفائلا جدا" بشأن ما تقوله روسيا عن سحب قواتها من محيط العاصمة الأوكرانية كييف. وقال لقناة سي إن إن، "ما نراه ليس تراجعا، بل نرى أن روسيا تعيد تمركز قواتها"، مضيفا "ينبغي ألا نكون مفرطين في التفاؤل لأن الهجمات ستتواصل ونحن قلقون أيضا بشأن احتمال تزايد الهجمات". وفي أوديسا المدينة الإستراتيجية التي تؤمن منفذا على البحر الأسود في جنوب غرب أوكرانيا، سمعت سلسلة انفجارات صباح الأحد وتصاعدت ثلاثة أعمدة من الدخان الأسود على الأقل وألسنة نار في منطقة صناعية على ما يبدو. وقالت موظفة في فندق بوسط المدينة إنها سمعت هدير طائرة، لكن عسكريا قرب موقع إحدى الضربات أكد سقوط صاروخ أو قذيفة. وكتب مستشار وزير الداخلية أنطون غيراشتشنكو على تلغرام أن "أوديسا تعرضت لهجوم من الجو وأفيد عن حرائق في بعض المناطق. أسقطت الدفاعات الجوية قسما من الصواريخ" موصيا السكان بـ"إغلاق النوافذ". ولا تزال القوات الروسية "تحاصر جزئيا مدينة خاركيف" ثاني أكبر مدن أوكرانيا في الشرق، حيث تتعرض المناطق الصناعية والسكنية على السواء لقصف مدفعي، وفق هيئة أركان القوات الأوكرانية التي تشير رغم ذلك إلى تراجع في حدة القصف. وكشفت رئاسة الأركان أن روسيا تعتزم "تشكيل كتائب مؤلفة من مقيمين +متطوعين+ في المناطق المحتلة مؤقتا في أوكرانيا ومن مرتزقة". واصطدمت جهود القوات الروسية لتعزيز مواقعها في جنوب أوكرانيا وشرقها حتى الآن بمقاومة شرسة من الأوكرانيين في ماريوبول حيث قتل ما لا يقل من خمسة آلاف شخص فيما لا زال حوالي 160 ألفا من السكان محاصرين، وفق السلطات المحلية. والسيطرة على ماريوبول ستسمح لموسكو بتأمين تواصل جغرافي من القرم إلى منطقتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين المواليتين لروسيا في دونباس.
مشاركة :