تعقيدات سياسية تُفشل المبادرة الأممية لحل الأزمة في السودان

  • 4/4/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يضع السجال المستمر بين مسؤولين وقوى سياسية وعسكرية في الخرطوم وبين بعثة الأمم المتحدة للدعم بالسودان الكثير من العراقيل أمام نجاح مهمتها بعد أن خرج التوتر من الظل إلى العلن أخيرا، بما يشير إلى أن العلاقة بحاجة إلى ضبط قبل أن تنهار مهمة البعثة التي تواجه عراقيل داخلية وخارجية متعددة. وجدد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان انتقاداته للمبعوث الخاص للأمم المتحدة فولكر بيرتس بتجاوز صلاحيات تفويضه، واتهمه الجمعة بالكذب، قائلا “نحن نقول له إذا تجاوزت التفويض سنخرجك خارج السودان”. واتهم رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة العقيد إبراهيم الحوري البعثة الأممية (يونيتامس) بـ”الخروج عن إطار تخصصها والمهام التي جاءت من أجلها والانحياز إلى جهات بعينها وتقديمها معلومات مغلوطة”. وفي الوقت الذي تجاهلت البعثة الأممية الرد على تصريحات الفريق أول البرهان، ردت على العقيد الحوري من خلال موقعها على فيسبوك بالقول “إن مهمتها متكاملة وما تفعله يأتي لدعم الانتقال في السودان”. وزاد التنديد عقب ما قدمه فولكر من إحاطة لمجلس الأمن الدولي حول الأوضاع في السودان الاثنين الماضي، حيث لفت إلى أن البلاد دون حكومة عاملة منذ استيلاء العسكر على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وأن الاحتجاجات والقمع العنيف لها لا يزالان مستمرّين. وأشار إلى وجود تقارير مقلقة عن ازدياد التوترات بين قوات الأمن المختلفة والمحتجين، وأن الكثيرين يعربون عن قلقهم من أنه لم يتم التوصل إلى حل سياسي، وقد ينحدر السودان إلى الصراع والانقسامات كما حدث في ليبيا واليمن. واصطدمت المبادرة الأممية التي قدمها فولكر لإنهاء الصراع السياسي بعراقيل جعلتها تراوح مكانها منذ ثلاثة أشهر عندما أطلقت مشاورات مع قوى متباينة وسط أجواء اتسمت بعدم الثقة في قدرة الأمم المتحدة نفسها على إحداث تحول إيجابي. وواجهت “مبادرة فولكر” كما تُعرف بين السودانيين، بإرث من الفشل الأممي في حل نزاعات عربية عدة، منها ما علق من سلبيات في أذهان دوائر سياسية بشأن تعثر البعثات في اليمن وليبيا وسوريا، وهو ما جعل هناك حجة تسوقها بعض الأطراف الرافضة للوصول إلى حل وسط لتجاوز الأزمة السياسية. البشري الصائم: البعثة الأممية في السودان لن تتمكن من استكمال مبادرتها وفشل السودانيون في التوصل إلى اصطفاف لتسوية القضايا العالقة منذ انقلاب أكتوبر الماضي، لكنهم اتفقوا تقريبا على رفض المبادرة التي لا تشكل طرحا للالتفاف حوله. واضطرت البعثة الأممية للدفاع عن نفسها أخيرا بعد أن واجهت اتهامات من جانب لجان المقاومة بتقديم دعم مادي لأطراف التقت بها في يناير الماضي. وتواجه البعثة الأممية منذ أن بدأت مهام عملها وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لدعم الانتقال السياسي صعوبات عدة، ولم تقدم المساعدة المنتظرة لتقريب وجهات النظر بين القوى المختلفة عندما كانت الشراكة قائمة بين المدنيين والعسكريين، وأخفقت في تحقيق الدور المطلوب منها على مستوى تسهيل مهام إنزال اتفاق جوبا للسلام لتعويض الفراغ الذي تركته البعثة العسكرية السابقة (يوناميد). وأصدر مجلس الأمن الدولي في الرابع من يونيو 2020 قراره رقم “2524” الذي أقر بإنشاء بعثة للمساعدة في الفترة الانتقالية بالسودان، بدأت مهمتها في الأول من يناير 2021، بهدف المساعدة في تحوّل البلاد إلى حكم ديمقراطي، دعم حقوق الإنسان والسلام وحماية المدنيين وسيادة القانون. وقال القيادي بتحالف الحرية والتغيير البشري الصائم إن البعثة الأممية في السودان لن تتمكن من استكمال مبادرتها السياسية لأسباب تتعلق بتعقيدات المشهد السياسي وعدم ثقة غالبية الأطراف فيها جراء فشلها في إدارة الكثير من الملفات. وأضاف لـ”العرب” أن الجهود الأممية تتجاهل توحد الشارع حول ضرورة إسقاط الانقلاب العسكري أولا، بجانب أن المشهد شديد التعقيد للدرجة التي جعلت المكون العسكري غير قادر على تقديم رؤية موحدة للحل من داخله. وأشار إلى أن الأجواء العامة في السودان لا تستبعد حدوث انقلاب جديد يخلص المواطنين من الشلل الراهن الذي يضاعف من صعوبة مهمة الأمم المتحدة أو أي جهة أخرى لديها ميل للدخول على خط الوساطة، فهناك قناعة في صفوف فئة من المواطنين بأهمية وجود طرف جديد لديه قدرة على تخليصهم من الأزمة سريعا. أبوالقاسم إبراهيم: البعثة لم تتمكن من إدراك طبيعة الصراع السياسي ويقول مراقبون إن الأدوات التي تستخدمها البعثات الأممية للتعامل مع الأزمات الإقليمية، ومن بينها ما يحدث مع السودان، تجاوزتها الصراعات، ويرجع عدم قدرتها على فرض تصوراتها لإنهاء الأزمات لتدخلات قوى خارجية في تحديد مساراتها. وينعكس التباين في المواقف الدولية وتزايد مؤشرات بناء المحاور والتحالفات على قدرة الأمم المتحدة في الحل السياسي، وظهر ذلك في الجمود الحاصل لحل الأزمة السودانية منذ بداية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أبوالقاسم إبراهيم آدم أن المشكلة تكمن في عدم إدراك البعثة الأممية لطبيعة الصراع السياسي، و”يوناميتس” تفتقر للخبرات التي تمكنها من قراءة توجهات القيادات الحزبية والدوافع التي جعلتها تخفق في إدارة المرحلة الانتقالية الفترة الماضية. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الخطأ الذي وقعت فيه مبادرة فولكر أنها دارت كثيرا في فلك عودة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وركزت استراتيجيتها التفاوضية والنقاشية مع القوى المختلفة على أساس الانطلاق من التوافق حوله كمقدمة للتوحد حول باقي الملفات الشائكة أو أغلبها. ومن هنا بدت البعثة كأنها طرف يدعم شخص حمدوك على حساب باقي المكونات التي اعتبرت أن الأمم المتحدة تعمل لتحقيق رؤية قوى إقليمية داعمة لرئيس الوزراء السابق، بما أرخى بظلال سلبية على مبادرتها وأصبحت محل رفض كبير. ولم تتوافق الأحزاب اليسارية ولجان المقاومة التي عول عليها فولكر لإنجاح مبادرته حول رؤية واحدة، في حين أن ذلك كان أحد الأسباب التي دفعت المكون العسكري لاتخاذ مواقف رافضة لجهودها. وفشلت في أن تكون على الحياد بين جميع الأطراف وتقترب من جذور الخلاف الرئيسي وتقدم ضمانات لنجاح الحوار وتراعي أن المكون العسكري موجود على رأس السلطة، وأخفقت في إيجاد وسائل لإقناع قيادته بالتنازل عن مكاسبه. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :