صاحب العنيزية.. عبدالعزيز بن محمد بن حمد القاضي «الحلقة الأولى»

  • 4/4/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

سيرة مختصرة وتعريف موجز (25-6-1343 - 27-7-1443هـ) قبل أيام ودعت أسرة القاضي عميدها الأديب الكاتب الشاعر المفسر الفقيه الأستاذ عبدالعزيز بن محمد القاضي، المعروف بـ(صاحب العُنيزية) عن مئة عام. وفيما يلي سيرة مختصرة وتعريف موجز به. نسبه ومولده: هو عبدالعزيز بن محمد بن حمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن (إبراهيم) بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن بن (محمد بن أحمد) بن محمد بن منيف بن بسام بن منيف بن عساكر بن بسام بن عقبة بن ريّس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وُهيب. من آل بسام بن منيف، من الوهبة، من حنظلة، من تميم. و(إبراهيم) المذكور في تسلسل نسبه هو الجد الجامع لأسرة القاضي الموجودة اليوم (ت 1190هـ تقريبًا). و(محمد بن أحمد) هو مؤسس أسرة القاضي (ت 998هـ تقريبًا). كتب عبدالعزيز تاريخ ميلاده بخط يده في بعض أوراقه الخاصة أكثر من مرة، فذكر أنه وُلد في آخر ساعة من نهار يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1343هـ. أما والدته فهي (موضي) بنت الشاعر عبدالعزيز ابن محمد القاضي (ت 1308هـ) وهو ابن شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي (ت 1285هـ). فالمترجّم له وجدُّه لأمه كلاهما اسمه (عبدالعزيز بن محمد القاضي)، ووالدته ابنة عم أبيه (لزم). وللمترجم له أخوان: الأول أحمد، وقد وُلد في حدود سنة 1350هـ، وتوفي يافعًا بسبب صعق كهربائي في بيت والده في البحرين سنة 1365هـ، عندما كان يحاول إصلاح (لمبة). والثاني عبدالحميد، وقد وُلد قبل وفاة والده بعام وأربعة أشهر. كما أن للمترجم له أختًا من والده هي (حصة)، توفيت في الكويت في 6 - 6 - 1435هـ(1) رحمها الله. كما أن له ثلاث أخوات أخريات غير شقيقات له وغير شقيقات لأختهن حصة أيضا، وهن هند ولولوة وعزيزة. والمترجم له سليل آباء عُرفوا بالفضل، والعلم والأدب، والتجارة. فوالده محمد بن حمد القاضي (ت 30 - 12- 1381هـ) أديب ومثقف وشاعر وتاجر، وهو (أحد المطلعين على الأنساب والأخبار والأشعار). وجده حمد بن محمد القاضي شاعرٌ ومُوثّق وتاجر، وقد قُتل شابًّا في (كون المليدا) في 13 - 6 - 1308هـ. وجد أبيه هو الشاعر النبطي المشهور محمد العبدالله القاضي، وهو من أعيان الأسرة ورجالات عنيزة، وجيهٌ وتاجرٌ وشاعر ومثقف. وجدُّ جدِّه عبدالله المحمد القاضي (ت سنة 1247هـ) تاجرٌ وطالب علم، ووالد جدّ جدِّه محمد بن إبراهيم القاضي (توفي سنة 1237هـ)، هو رأس فرع (آل محمد) أحد أصول أسرة القاضي الحالية، وهو أحد أكبر تجار عنيزة في زمنه. حياته ونشأته: مما جاء في ترجمته في معجم أسر عنيزة(2) أنه: وُلد في عنيزة ونشأ فيها، فدرس فترة يسيرة في كتّاب صالح القرزعي الملقب (حبحبا) حتى وفاته رحمه الله. وفي صفر سنة 1348هـ افتتح رائد التعليم النظامي في عنيزة، الأستاذ صالح الناصر الصالح رحمه الله (ت 1400هـ) المدرسة الأهلية، فانتقل إليها، وتعلم فيها القرآن الكريم بالتجويد، وقواعد الحساب، والخط العربي، والدروس الأدبية، وكان الأستاذ يدربهم على الإنشاء والخطابة. وعندما بلغ العاشرة من عمره انتقل إلى البحرين حيث كان والده وعمه عبدالله (ت 1365هـ) قد انتقلا إليها للتجارة سنة 1342هـ تقريبا، وكانا يتناوبان زيارة أسرتيهما في عنيزة كل سنتين تقريبًا(3). والتحق المترجم له بوالده عندما بلغ العاشرة من عمره سنة 1353هـ. وكانت تلك أولى رحلاته، وكانت على ظهور الإبل برفقة مجموعة من أهل عنيزة. وفي البحرين أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وكان خلال هذه السنوات يساعد والده في شركته التجارية، ويتعلم مسك الدفاتر التجارية، والحسابات، وكتابة الرسائل والبرقيات إلى مختلف المورّدين والعملاء بالعربية والإنجليزية(4). وقد كوّن خلال تلك الفترة صداقات عديدة مع عدد من أفراد أسرة الخليفة الحاكمة، كالشيخ خالد بن محمد الخليفة، والشيخ دعيج الخليفة رحمهما الله(5)، ومع عدد سكان البحرين ومنهم الأديب السفير الأستاذ تقي محمد البحارنة، ومع عدد من أهل نجد المقيمين في البحرين في تلك الفترة. وله في صديقه المرحوم الشيخ خالد الخليفة عدة قصائد، منها قوله: أخالدُ إن سارت بركبٍ ركائبُ فيمّمتِ البيداءَ تلك النجائبُ فلا بدّ من حادٍ إذا خيّم الدُّجى تكاد إذا غنّى تُجيب الحقائبُ(6) ونحن على اسم الله هذي طريقنا وفي مثلها تُهدى إليك المواهب فخذها حُداءً من أخٍ لك سائرٍ يلاصقك الجنبَ الذي لا تجانب كما رثاه في قصيدة مطلعها: دعاني الهوى يوم الوداع فخُنتُهُ فليس إليه اليومَ بَعْدُ سبيل ومنها: أخالد إن سارت بك اليوم للنوى ركابُك فالوَجْدُ الغداةَ طويلُ أخالد هلّا تعلمنَّ سريرتي إليك وهل لي إن بكيت عذولُ؟ ومنها: وإن بقلبي من فراقك لوعةً تُجدّدُ لي وجْدًا عليك يطولُ فيا باركَ اللهُ العشيةَ راكبًا وليس له بعد المسير قُفُولُ وقد استغرقت إقامته في البحرين عشرين عاما من 1353 - 1373هـ توفي خلالها أخوه أحمد سنة 1365هـ، كما توفي في الهند في تلك السنة أيضا عمه عبدالله (شريك والده) رحمهم الله. وفي سنة 1370هـ تزوج في عنيزة ورُزق بابنيه خالد وفيصل. وفي سنة 1373هـ انتقل إلى الدمام حيث افتتح (شركة القاضي التجارية) التي تحولت فيما بعد إلى مؤسسة تجارية خاصة باستيراد الأطعمة والسلع المتنوعة من شتى أنحاء العالم. ثم تحوّل إلى تجارة العقار بشكل محدود. وفي الدمام كان له حضور في المشهد الثقافي، فقد شارك في الكتابة في صحيفة (أخبار الظهران) وكان يكتب فيها في بعض الأحيان في الصفحة الأولى إذا كان الموضوع خاصًّا بالشأن الوطني. وكانت له صلات ثقافية مع بعض رموز الثقافة في المملكة تلك الفترة، وبعض المجلات المختصة. وخلال هذه الفترة أصيب بضعف شديد في السمع أدى إلى انسحابه تدريجيا من الحياة الاجتماعية والثقافية، وتقليص مشاركاته الإعلامية والثقافية بشكل كامل. فأقبل على القراءة المركّزة لأمهات الكتب الدينية والتاريخية والأدبية، حيث قرأ مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن القيّم، وقرأ كتب التفسير، وأعاد قراءتها مرارًا، وكان له اهتمام وعناية خاصة بها كما سيأتي. كما كان له- منذ نعومة أظفاره - عنايةٌ بكتب الأدب والأخبار وأيام العرب، ودواوين الشعراء، خاصة في العصرين الجاهلي والإسلامي. ثم انتقل إلى الرياض سنة 1390هـ فأقام فيها ثماني سنوات، للتجارة، لكن نزعته الوجدانية، وتعلقه بأرض آبائه، وعشقه للصحراء تاريخًا وجغرافيا، أرضًا وإنسانًا، ونباتًا وهواء ... قاده إلى الانتقال إلى مسقط رأسه عنيزة سنة 1398هـ، وفيها قضى بقية أيامه حتى توفاه الله. كانت فترة إقامته في عنيزة خصبة بالقراءة والتأمل، ثرية بالتصنيف والتأليف، ولم يعد يمارس التجارة فيها إلا على نطاق أكثر محدودية مما كان عليه في الدمام والرياض. و(التجارة) لا تقبل - عادة - بشريك لها في قلب الرجل واهتمامه، ولذلك هجرها وآثر العلم والأدب والثقافة، وتفرّغ للتأليف والتصنيف. لقد كان رحمه الله أديبا: شاعرًا، وكاتبا، وناقدًا أدبيًّا. كما كان له اهتمام بالتاريخ القديم والحديث، وله اطلاع على علم الأنساب. كما كان له اهتمام بكتاب الله سبحانه، تفسيرًا وتلاوةً وتدبُّرًا، وله عناية بالفقه وأصوله. صفاته: أما صفاته الخَلْقية فقد كان رحمه الله حنطي اللون، رَبعةً لا بالطويل ولا بالقصير، صحيح الجسم معتدل البنية يميل إلى النحافة قليلا. وأما صفاته الخُلُقِية فقد كان متديّنًا ملتزمًا، واصلًا لرحمه، محبًّا لأهله وأسرته، كريمًا مضيافًا، حسن الحديث، لديه مهارة في التأثير في نفوس الناشئة، وتوجيههم إلى القراءة والاطلاع على التراث العربي الخالد، من خلال تقريبه إليهم بأسلوب سهل واضح جذاب. وكان لا يأنف من مخاطبة الصغار ومناقشتهم في شؤون العلم والثقافة والأدب. وأما صفاته المكتسبة فقد كان قارئًا واسع الاطلاع، قوي الاستيعاب، وربما قرأ في يوم ما يقرأه غيره في أيام، حدثني ابنه محمد أنه لما طُبع كتاب (منهاج السنة) وكان وقتها طالبا في جامعة الإمام (قسم الاقتصاد)، اشترى نسخة منه، وكانت الجامعة تبيعه على الطلاب بسعر مخفض. يقول: لما أحضرته إلى البيت ورآه والدي فرح به فرحًا شديدًا، وأخذه ليقرأه. فلما كان بعد خمسة أيام أعاده إليّ، فقلت له: دعه عندك حتى تنتهي منه، فقال: قرأته كله وانتهيت منه، وكان الكتاب (تسعة مجلدات)! قال محمد: وحين كنت أقرأ في الكتاب فيما بعد كنت أجد تعليقات بقلم الرصاص كتبها والدي على هوامشه خلال قراءته. لقد كان ملتزما ببرنامج يومي لا يكاد يُخلفه، ففي الصباح يقرأ من الصحف اليومية (ما يقارب خمس صحف) قراءة استقصاء وإحاطة، كما كان يخصص جزءًا من يومه لقراءة الكتب. وكان يقرأ القرآن يوميًّا قراءة تأمل وتدبر، وربما ختمه في شهر أو أقل. وقد أثمرت قراءته لكتاب الله عن بعض المؤلفات التي سجل فيها شيئا من ثمرات التدبر. مؤلفاته(7): له عدد من المؤلفات، في عدد من المجالات، طُبع منها ثلاثة، وثمانية لا تزال مخطوطة، وأخبرني أبناؤه الكرام أنهم سيطبعونها تباعًا بإذن الله كلما سنحت الفرصة. وفيما يأتي عرض موجز لأهم مؤلفاته رحمه الله: 1 - تفسير القرآن (مخطوط): قال ابنه تميم: وهو أكبر مصنفاته وأجلُّها، وأكبرها قدراً في نفسه، وأكثر ما شغل به عمره، وأنعم به من شغل! بلغ من الصفحات ما قد يصل بعد الطباعة إلى (4) مجلدات، فَسَّر به كامل القرآن، يقف فيه مع (غالب الآيات) (لا جميعها) وقفات وافية، فيما يرى فيه لطيفة تفسيرية أو لغوية، فلا يعد تفسيراً مختصراً، ولا مطولاً. قال في التعريف به إنه: "حصيلة وثمرة عقود من السنين، قراءة وتدبُّرًا في مصنفات التفسير، عودًا على بدء، حتى اجتمع ثمرة ذلك في هذه الأوراق. أسأل المولى الولي أن يُقدّر لها النشر، نفعًا وبصيرة وهدى". 2 - (العُنيزية): وهي أول مؤلفاته وأشهرها، وبها عُرف، فصار يشار إليه - على سبيل التعريف - بـ(صاحب العُنيزية)، وقد طُبعت في بغداد سنة 1367هـ. وسبب تأليفها أنه عندما كان في البحرين كان فؤاده متعلّقًا بمسقط رأسه (عنيزة)، وكان مغرمًا بها كما هو حال معظم أهلها في الماضي والحاضر، فعكف على قراءة كتب التاريخ النجدية، التي تؤرخ لمنطقة نجد في عصورها المتأخرة، وخصوصا ما يتعلق منها بعنيزة، رغبة في تسجيل تاريخها في منظومة يسهل حفظها والرجوع إليها. ونظن أن والده وهو المثقف المعني بالأدب والتاريخ والأنساب، وهو الذي صودر منه أصل تاريخ مقبل الذكير (ت 1363هـ) على الحدود العراقية في سبعينيات القرن الهجري الماضي؛ نظن أنه شجعه على المُضي في إنجاز هذا الهدف. فكتب وهو في ميعة صباه، منظومته التاريخية، (العُنيزية). وذكر لي أنه أتمَّها قبل أن يتجاوز العشرين من عمره، ثم طبعها في بغداد سنة 1367هـ. وجاء في تعريف عنوان المنظومة أنها (قصيدة تضم مختصر تاريخ عنيزة منذ تأسيسها حتى وقتنا الحاضر). وكتب في أولها إهداء طويلا نسبيا، جاء في أوله: (إلى أبناء عنيزة، شيبًا وشُبّانًا، أهدي هذه النفحات الشعرية التي ضمت موجز تاريخ بلادهم ...إلخ). كما كتب لها مقدمة تضمنت ما يأتي: 1- بيان الدافع الذي حداه إلى نظم هذه القصيدة. ثم ذكر أن الشعر يستعصي على الناظم عند إرادته تفصيل الحوادث تفصيلا مسهبًا، ولذلك اضطر إلى التعليق عليها في الهوامش نثرا لإيضاح ما قد يشتبه على القارئ. وأشار إلى أن التطرق إلى تاريخ قُطر من الأقطار يستلزم أحيانًا التعرض لأحداث تتعلق بغيره مما يحيط به. ثم ذكر أنه أورد في المقدمة نُبَذًا موجزة، وخصوصا الحوادث التي لم ترد في القصيدة وشرحها، لأن القصيدة وشرحها إنما هي تاريخ موجز لعنيزة. وأشار إلى أنه سيورد قبل ذلك نبذة مقتضبة عما وصل إليه من أخبار عنيزة في أخبار العرب الأقدمين. 2- نبذة عن (عنيزة في أخبار العرب الأولين) وجاءت في صفحتين ذكر فيهما سبب تسمية عنيزة بهذا الاسم، ونقل شيئا عن تاريخها القديم، وذكر بعض معالمها التي لا تزال موجودة إلى اليوم، ومنها (القريتان) المعروفتان اليوم بـ (الجوي) و(العيّارية) وذكر أنهما كانتا عامرتين بالسكان. ثم أشار إلى البئر المعروفة عند أهل عنيزة بـ(أم القبور) وعرّف بها، وذكر سبب تسميتها، وشيئا من تاريخها وسبب اختيارها لتكون على طريق الحجاج. ثم ذكر بعضًا من أبيات الشعر القديم التي ورد فيها اسم (عنيزة). 3- (نبذة عن عنيزة في التاريخ الحديث) وجاءت موجزة مسلسلة تاريخيا باثنتين وعشرين فقرة، بدأت بتاريخ تأسيس عنيزة وهو كما يذكر أواخر القرن السابع الهجري، وختمها بسنة 1323هـ حيث ذكر حادثة إطلاق الملك عبدالعزيز سراح آل بسام (المعتقلين) في الرياض. جاءت المنظومة في 235 مئتين وخمسة وثلاثين بيتًا، بقافية الهمزة المكسورة (المردوفة) بالألف. ويلاحظ أن أبياتها من 1- 63 جاءت على بحر (الطويل)، ومن البيت 65 إلى آخر القصيدة على بحر (الكامل). أما البيت 64 فقد جاء شطره الأول على الطويل، وشطره الثاني على الكامل، فهو نقطة التحول بين البحرين! يقول في مطلعها: سلوا عن بلادي رائد الشعراء(8) وقُسَّ إيادٍ سيِّد الخطباء أما البيت رقم 64 فهو: لقد ظلَّ عبدُ الله في دِرَعيّةٍ عند الإمام مكرَمًا بحباء والبيت الأخير منها يقول: ما زال عبدالله حتى يومنا هذا أميرًا مُكْرَمًا بولاء وجرت العادة على أن تكون المنظومات العلمية والتاريخية خلوًا من الخيال والعاطفة، ويرى حمد الجاسر أن (العُنَيزية) تطغى عليها "النزعة الخيالية الشعرية على الحاسة التاريخية المتأنية"(9). قلت: ولو أنه علم أن ناظمها أنشأها وهو - في البحرين - فتًى دون العشرين، وأنه فارق عنيزة قبل إتمامه العاشرة من عُمُره، لربما أدرك أن حماسة الشباب المشتعلة في وجدان هذا الفتى هي التي دعته إلى نظمها قبل أن تكتمل أدواته، ويشتد عوده، وتستقر روحه! ولستُ هنا بصدد (التعليق) على المنظومة شكلا أو محتوى، بل الغاية هي (العرض) فقط. لكني سأذكر هنا أمرين مهمَّين متعلقين بها: الأول رأي ناظمها بتسميتها بهذا الاسم (العُنيزية). والثاني انحراف بناء المنظومة من بحر إلى آخر ابتداء من ربعها الثاني تقريبًا. ففي سنة قدوم أبي خالد رحمه الله إلى عنيزة عام 1398هـ كنت وقتها طالبا في الصف الأول الثانوي، وكنت أجلس إليه في زياراتي إلى أختي، زوجته (أم محمد) رحمها الله (ت 10 - 12- 1437هـ)، وكان يحدثني كثيرًا في الأدب والشعر والتاريخ. وذات مرة جرى الحديث عن (العُنيزية) فالتمست منه أن يُعِيرَنيها لقراءتها، فأخرجها من أحد أدراجه وسلمني إياها. وعندما أعدتها إليها إليه بعد أيام سألته: لماذا أسميتها (العُنيزية) ولم تسمّها (العُنَزيّة) وفق ما قررته قواعد الصرف؟ فقال لي ما معناه: لقد قصدتُ إلى هذا قصدًا، لأني خشيت أن يُظن أنها منسوبة إلى (عَنَزة) القبيلة العربية المعروفة. وتبيُّن مدلول عنوانها لدى القارئ مُقدمٌ عندي على أي اعتبار آخر. ثم إن (عنيزة) أحب إليّ من الصرفيين وقواعدهم! كما سألته عن سبب الانتقال من بحر (الطويل) إلى بحر (الكامل) في نظمها، فقال: كنت أنظم على السليقة، ولم يتسنّ لي في ذلك الوقت دراسة علمي (العروض والقافية). وكنت نظمت الجزء الأول منها على بحر (الطويل) وعندما بدأت في البيت 64 توقفت عند الشطر الأول. ثم انصرفت عنها بسبب بعض الظروف الخاصة أو قال بعض المشاغل، فلما عُدت إليها بعد فترة من الزمن أكملتها على بحر (الكامل) ولم أتنبّه إلى تغيّر البحر. وقد نبهّني بعض العارفين بعد قراءتها إلى تحول الوزن فيها من بحر الطويل إلى بحر الكامل. فرأيت أن أبقيها كما هي. قلت: وليست قيمة (العنيزية) مختصة بشكلها الأدبي بل قيمتها ترجع إلى محتواها التاريخي. يتبع ... ... ... ... ... الهوامش: (1) زوجها هو ابن عمها (لزم) أحمد العبدالله الحمد القاضي (توفي في ربيع الأول سنة 1415هـ أغسطس 1994م) وهو أحد التجار العرب المعروفين في الهند. ولها منه خالد، ود. لبنى، وليلى. (2) معجم أسر عنيزة 13 -493. وسننقل منها هنا بعضًا مما يتعلق بحياته مع شيء من التصرف. (3) ذكر لي طارق بن صالح بن عبدالعزيز بن عبدالله بن حمد القاضي، أن جد أبيه عبدالله الحمد انتقل مع أخيه محمد من عنيزة إلى البحرين عام 1342هـ 1924م، وأنهما عملا بالتجارة مع شركة (كانو). وفي عام 1353هـ 1934 تم تأسيس (شركة محمد وعبدالله أبناء حمد القاضي) وفي عام 1937م أنشآ (بيت القاضي الكبير) في البحرين، ثم استقدما عائلتيهما وأختهما منيرة. كما كان يقيم عندهما في فترات مؤقتة القادمون إلى البحرين من أبناء الأسرة، ومنهم ابن عمهما عبدالعزيز البراهيم القاضي (1338هـ - 1408هـ) وأخوه عبدالرحمن (1346 - 1437هـ) الذي صار سفيرًا في كل من البحرين والسويد فيما بعد. قدما للدراسة في البحرين فأقاما عندهما. وهما ابنا المؤرخ الشاعر إبراهيم المحمد العبدالله القاضي. قلت: ويظهر أن انتقال محمد وأخيه عبدالله إلى البحرين كان قبل ذلك، فقد وجدت في أوراقهما وثيقة مكتوبة في 12 ذي القعدة سنة 1330هـ تذكر أن محمد الحمد القاضي (والد المترجم له) كان مقيما في البحرين. ولعله كان مقيما فيهما إقامة مؤقتة قبل أن يستقر فيها هو وأخوه عبدالله. (4) كانت السلطة التنفيذية في تلك الفترة في البحرين بيد البريطاني تشارلز بلجريف (ت 1969م) الذي قدم إليها سنة 1344هـ 1926م بصفته مستشارًا للحاكم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وظل فيها حتى سنة 1957م. (5) توفيا رحمهما الله في فترة إقامة المترجم له في الدمام، إما في أواخر السبعينيات الهجرية الماضية أو في ثمانينياتها. (6) الحَقِيبةُ: الرِّفادةُ في مُؤَخَّر الرحل (الشداد) أو مؤخر القَتَبِ، وهو رحْلٌ صغير على قدر السَنام. جاء في اللسان (حقب): والحقيبةُ كالبَرْذَعة، تُتَّخَذ للحِلْس والقَتَب، فأما حَقِيبةُ القَتَب فمن خلف، وأما حقيبةُ الحِلْس فَمُجَوَّبةٌ عن ذروة السَّنام. (7) زودني تميم العبدالعزيز القاضي بصفحات مصورة من مؤلفات المترجم له المخطوطة، مع نُبذ موجزة عنها. (8) يقصد الشاعر الجاهلي امرأ القيس. (9) انظر: مؤرخو نجد من أهلها، جمد الجاسر، إصدارات مركز حمد الجاسر الثقافي، الطبعة الأولى 1435هـ - 2014م، ص72. ** ** كتبها بتنسيق مع أبناء المترجم له عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم القاضي راجعها وصحّحها تميم بن عبدالعزيز بن محمد القاضي (ابن المترجم له)

مشاركة :