رمضان.. بين مُجتهدٍ فيه ومُفرط

  • 4/4/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

محمد بن سعيد الرزيقي لقد سعدت نفوس المؤمنين بقدوم الشهر الفضيل، وبإطلالته البهية التي ارتسم بهاؤها على محياهم، وبإشراقة أنواره التي سطعت في سمائهم، وبلياليه الزاهرة المباركة التي عانقتها النجوم في عليائها، ليتفيؤوا ظلال دوحته الوارفة، ويستظلوا بسحائبه المحملة بفيوض رحمات الله ومغفرته، ويتزودوا من أيامه ولياليه المعدودات، ما يعينهم على تزكية نفوسهم، وصفاء أرواحهم، وإزاحة الأدران عنها، فما أجدره من شهر، استحق أن يكون سيد الشهور وأفضلها، لما خصه الله تعالى به من خصائص الصيام والقيام، وإنزال القرآن الكريم، يقول الله تعالى:" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة:185)، وهو الشهر الذي فيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، يقول الله عز وجل: " لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر"(القدر:3) . أخي القارئ الكريم، إن الغاية من الصيام، والهدف الأسمى منه هو تحقيق التقوى في نفوس المؤمنين، كما جاء في الذكر الحكيم، يقول المولى سبحانه وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " (البقرة:183)، والتقوى ليست دعوى يدعيها كل إنسان؛ ولكنها حقيقة توقر في القلوب، وتترجمها الجوارح إلى واقع عملي؛ بحيث يجتنب جميع ما حرمه الله تعالى، وينتهي عن كل ما نهاه عنه، ويعمل بجميع ما أمره الله به، ويراقب ربه في السر والعلن، ورمضان هو الشهر الذي تتحقق فيه جميع هذه المعاني، فالصيام المقبول عند الله لا يكون إلا بالكف عن محارم الله؛ كما جاء في مسند الإمام الربيع بن حبيب من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله". أخي القارئ العزيز، ينقسم الناس في الشهر الفضيل من حيث الاجتهاد فيه بالعمل الصالح، وصنوف الطاعات إلى صنفين: صنف من الناس انتهز الفرصة؛ فاجتهد وعمل وثابر، وصنف آخر فرَّط في استغلال الفرصة؛ فضيع أوقاته الثمينة؛ فانظر أخي الكريم إلى نفسك وحالك من أي صنف أنت، هل من صنف المجتهدين الفائزين أم من صنف المفرطين الخاسرين: صنف المجتهدين ، هذا الصنف استعد لاستقبال الشهر الفضيل؛ فعد له العدة، وعمل له البرامج المناسبة لاستغلال أوقاته؛ بحيث لا يُضيع ولو ساعة واحدة من ساعاته؛ بل تجد بعضهم لا يهدرُ حتى دقيقة واحدة منه، بحيث يحصي جميع ساعات اليوم ودقائقها، ويعدها بعد أنفاسه، مستغلا هذا الظرف الزمني القصير الذي إن ضيعه ندم وخسر؛ لكنه يسارع في عمل الصالحات، ويسابق الزمن في فعل الخيرات، وكسب الحسنات، ويعمل فيه عمل المودع لهذه الدنيا؛ لعله لا يلاقي رمضان القادم، فتراه إن جنَّ عليه الليل صفَّ قدميه بين يدي خالقه، قائما متضرعا، يتلو آيات الذكر الحكيم، حتى إذا أقبل وقت السحر تبتل إلى ربه بالدعاء والضراعة والاستغفار، وتراه في النهار يتراوح من عمل إلى عمل آخر من أداء الصلوات في الجماعة، والتنفل بما شاء الله من الركعات، وقراءة الكتاب العزيز، ولا يفارق ذكر الله تعالى لسانه وجنانه، وزيارة الأرحام والمرضى، وأعمال البر والإحسان، وبالجملة يتنقل من طاعة إلى طاعة. وأما صنف المفرِّطين ؛ هذا الصنف لم يستعد الاستعداد اللائق باستقبال الشهر الفضيل؛ لكنه استعد له بطريقته الخاصة به هو، من قضاء وقت الليل في لعب الكرة، ومشاهدة المسلسلات المتنوعة، وغيرها من المــُلهيات، حتى إذا انتهى من لعبه ولهوه أمضى بقية ليله في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ثم يقضي سحابة نهاره في النوم؛ فلا قدم لآخرته شيئاً من صلاة نافلة، ولا قرأ من القرآن شيئًا، ولا عمل من أعمال البر والصلاح ما يكون له ذخرا عند لقاء ربه. أخي القارئ الكريم، إنَّ أيام وليالي الشهر الفضيل تمر مرورا سريعا؛ فالبدار البدار، في صومه وإحياء لياليه بالقيام وقراءة القرآن، وصنوف الطاعات والعبادات، فلعله يحول بينك وبين رمضان القادم موت أو مرض عضال. وفي الحديث الشريف" من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"(رواه مسلم). وأخيرا تأملوا جيدا في قول الشاعر العربي: إذا أنت لم تَزرَع وأبصرتَ حاصدًا .. ندمتَ على التفريطِ في زمن البَذرِ.

مشاركة :