ما إن تنتهي هذه المنطقة من أزمة طائفية حتى تبرز لها أزمة أخرى. وما إن نتجاوز حاجزا فرضه من فرضه، حتى يبرز حاجز آخر، وكأننا نعيش في سباق حواجز طائفية فننقسم طائفيا بتناقض عجيب، وتحدث اصطفافات غريبة وعجيبة في جملة من القضايا، وبالذات في الحالة السياسية. قبل أيام قلائل دعا عضوا مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين وليندسي جراهام الأحد 29 نوفمبر 2015، إلى تشكيل قوة من 100 ألف جندي أجنبي معظمهم من دول المنطقة السنية، إضافة إلى جنود أميركيين، لقتال تنظيم ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية. للأسف ازدواجية المعايير هي جزء لا يتجزأ من العمل السياسي الأميركي، يجيدها السياسيون باحترافية عالية، ويتعاملون معها كأدوات مشروعة، ولكن قيم حقوق الإنسان لا مجال فيها لازدواجية المعايير، وهذا ما يؤكده (أريه نايير) على ظهور ما أسماه بالازدواجية الجديدة تجاه حقوق الإنسان في السياسة الأميركية، وهي ازدواجية تتصف بالتلون وتحمل في طياتها أدوات التدمير والتشويه للمعاني السامية لمبادئ حقوق الإنسان. فمثلا، تجد مجلس الشيوخ الأميركي وفي مقدمتهم السيناتور "جون ماكين" يناضل من أجل منع التعذيب بقوله: "التعذيب قذارة تشوه الشرف الوطني الأميركي". وفي ذات الحال تجده يلعب على الوتر الطائفي في القضية السورية، فهو لا يبالي بإخراج نظام الأسد بقدر ما يريدها حربا طائفية نتنة بين السنة والشيعة، وهو ما ألمح إليه صديقه السيناتور ليندسي جراهام حينما قال: "سيتمكن العرب السنّة من السيطرة على جزء من سورية يلقون فيه ترحيباً" وهنا نذكر دراسة جديدة تناولتها صحيفة "روسيسكايا جازيتا" للكاتب الفرنسي "تيري ميسان"، بشأن دور السيناتور "ماكين" في الأحداث العالمية يقول فيها: "السيناتور ماكين لا يولي أي اهتمام لقوانين وتقاليد البلدان التي يحاول أن "يصلح أنظمتها". إن سلوك ماكين في الشرق الأوسط (في سورية وليبيا) يؤكد مرة أخرى على أن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، يتميزون بعدم مبالاتهم بمصير الناس ومعاناتهم بسبب النزاعات الإقليمية التي يخططون لها في واشنطن. يقول ميسان: "تعداد ما ارتكبه ماكين من جرائم نيابة عن الخارجية الأميركية مثير. فقد أسهم في كافة الثورات الملونة التي حدثت خلال السنوات العشرين الماضية". هذا النوع من الخطاب هدفه بكل وضوح إشعال النار الطائفية في سورية، خاصة ونحن نشهد انتشارا وتمددا للمشهد الطائفي والمذهبي والقومي الذي أسهم قويا في نشوب نزاعات داخلية تهدد المستقبل وتؤذن بحدوث انقسامات، وقد رأينا مصاديق ذلك تجلت بشكل واضح في عدد من الأمصار العربية والإسلامية؛ فمثلا السودان تم تقسيمها قبل أكثر من عام بين شمال وجنوب، وفلسطين مقسمة بين حركتي "حماس" و"فتح" وما بينهما من فصائل وتنظيمات، وأما العراق، فلطالما تفرقت مذهبيا وطائفيا وعرقيا من الشمال إلى الجنوب، أما لبنان فتشظى على خطوط الصدع الطائفي والديني، بدءا من الحرب الأهلية التي عصفت به على مدى 15 عاماً وقسمته إلى طوائف وقوى سياسية، وقد وصل الانقسام إلى داخل الطائفة الواحدة؛ فالسنة انقسموا إلى فئتين وكذلك الشيعة والمسيحيون! وتوزعت الطوائف بين فريق 8 آذار وفريق 14 آذار. إن التهديد الأخطر لأمن الدول عموما يكمن في هذه الخطابات الطائفية التي تصدر من كبار الشخصيات الأميركية والتي تكرس التفكك الداخلي وتقود إلى التشظّي والتشرذم للدول والمجتمعات.
مشاركة :