البلاد ـ عبد الهادي المالكي ـ مها العواوده اندثرت عادات وتقاليد رمضانية كثيرة تحت وهج الحضارة، ومن تلك المظاهر الشعبية؛ الأهازيج والمسحراتي. إلا أن الصور الرمضانية تبقى متنوعة في مختلف مدن المملكة، في هذا الشهر المبارك، وذلك بين عادات خاصة ومتميزة ومشاهد جميلة منها كثافة الحركة في الأسواق والمولات التجارية مع تنفيذ الإجراءات الاحترازية. فعلى سبيل المثال كان أفراد المجتمع قديما يحتفون باستقبال شهر رمضان منذ بداية شهر شعبان، وكان الأطفال يحتفلون بقدومه بالتجمع ليلة 29 شعبان، وترديد بعض الأهازيج القديمة ومنها “جابوه ما جابوه ” كناية عن هلال الشهر، ويستمر تجمع الصغار حتى سماع أصوات المدافع معلنة حلول شهر رمضان، وعندها يذهب الجميع لتقديم التهاني للأهل والاستعداد لأول سحور. ولا زال الكثير من كبار السن يتذكرون العادات والتقاليد القديمة التي كانت تسود المجتمع السعودي في شهر رمضان المبارك والتي حرصوا على نقلها من جيل الى آخر حفاظا على هذا التراث. فمن العادات هذا الشهر الفضيل استطلاع هلاله في 29 من شعبان بواسطة العين المجردة من فوق أسطح البيوت أو المساجد فاذا تمت رؤية الهلال شاعت الفرحة الغامرة في المجتمع ويبدأ الناس السحور في هذه الليلة. وأيضا المسحراتي الذي كان له دور بارز وهو ايقاظ الناس من نومهم للسحور حيث يحمل طبل وعصا وينشد بصوت عالٍ لإيقاظ الناس في الوقت الذي لم يكن هناك مكبرات صوت في المساجد. مدفع رمضان من الذكريات المترسخة في شهر رمضان قديما وتعتبر من المظاهر الحية مدفع الافطار الذي تدوي ضرباته الثلاث ايذانا ببدء اول ايام الشهر الفضيل. وكان من العادات وصورة من صور التكافل وسمة من سمات أفراد المجتمع على مدار السنة غير انه يتأكد في رمضان حيث يكون العطاء أكثر والاجر مضاعفا تبادل الوجبات بين البيوت حيث ان كل منزل يعطي جاره من اكله ويقوم الجار بالرد بالمثل في نفس اليوم او في اليوم الثاني. وكذلك من العادات وخاصة في القرى يأتي سكان القرية بعد الاذان مباشرة الى المسجد ومع كل شخص منهم وجبه ثم يجتمعون في زاوية المسجد ويفطرون مع بعضهم حيث استبدلت هذه العادة في وقتنا الحاضر بالسفر الرمضانية. تبادل الأطباق الكاتبة والأديبة شيمة الشمري قالت إن من العادات الرمضانية الجميلة التي اختفت تبادل الأطباق المتنوعة اللذيذة ما قبل الإفطار بين الجيران وأيضا مشاركة وجبة الفطور مع الحي في المساجد والبيوت لم تعد كما كانت. وترى أن التطور والحياة المدنية غيرت العادات، وأيضا انشغال الناس ووسائل التواصل التي تقرب وتبعد في نفس الوقت، تقرب البعيد وتبعد القريب حسب قولها. وتابعت “الناس اختلفت وتباعدت وباتت متكلفة أكثر ومتوجسة أكثر فاختفت تلك العادات اللطيفة التي كانت”. زحام الحياة الكاتبة والباحثة الدكتورة فوزية القحطاني تقول ان رمضان موسم عبادة روحانية يلتقي فيها الصائم مع ربه بلقاءً متزايد ومتجدد مع الله لذا يجب أن نجعل جل شغلنا في رمضان مع الله حيث أن هذا الشهر يتفرد عن غيره من الشهور بصيام النهار وقيام الليل رغم العمل ومشقته ورغم زحام الحياة ومعاناتها فهذا الشهر يضل له طعم خاص ونكهة فريدة لأن الأعمال تتجلى في أبهى صورها مع ورب العالمين. وبما أن رمضان شهر كريم وشهر روحانية فإنه يجب أن تتكثف فيه زيادة أعمال البر والخير وصلة الرحم وأن نستغل في هذا الشهر ما حرمنا فيه طوال العام من صلة رحم وبر بالأقارب والأباعد عن طريق زيارتهم وتفقد أحوالهم والدعاء لهم في ظهر الغيب حيث أن الدعاء هو من أعظم وسائل التواصل. وتشير إلى ان من أهم العادات التي اندثرت في وقتنا الحاضر هي تلك الصلات الاجتماعية الجميلة التي كادت تغيب عنا بسب كثرة الأعمال وضغط الأعباء وضيق الوقت. وتضيف “كان والدونا يحرصون منذ بداية الشهر وحتى نهايته على تفقد الأحوال وعلى مواصلة الأقارب والجيران وعلى مساعدة الفقراء والمساكين وعلى مواساة الأيتام والحرص على مقاسمتهم بما تجود به النفس. وقد شدد ديننا الإسلامي على أن الدين المعاملة لذلك يجب ألا تكون عباداتنا مجرد شعارات وطقوس نقضيها في أوقات محددة من العام ولابد أن نفعل ما نقول ونطبقه على أرض الواقع. فإذا أديت الصلاة لا بد أن تطبق هذا العمل فعلًا في حياتك فتصل الأقارب والأرحام لتتحقق صلة عبادتك عن طريق الصلاة التي تتواصل بها مع الله وينطبق ذلك على بقية أركان الإسلام وما يندرج تحت كل فريضة من فرائض الله كالصوم مثلًا حيث تصوم فيه النفس عن إيذاء الآخرين سواء باليد أو باللسان أو القلب. مهرجانات الشراء من جهته أوضح الكاتب ناصر القرعاوي يؤكد على اندثار عدة عادات رمضانية ومنها: الموائد الرمضانية في المساجد والشوارع لمن لا يستطيع توفر طعام له كالأسر الفقيرة والعمالة والمسافرين او من يفد الى المدن أو الاحياء الميسورة كذلك تجمع أبناء الاسرة الكبيرة حين الافطار وخاصة في اليوم الاول هذا الى جانب قلة الاهتمام بمظاهر رمضان خاصة الاطفال والالعاب والحلوى والفوانيس الرمضانية وبالنسبة للعوائل هناك زيارات متبادلة وحل محلها الذهاب الى المولات والاسواق واماكن الترفيه. وتابع اهم ما فقدناه من روح الشهر الكريم هي الروح الرمضانية روح التواصل الاجتماعي واذابة الخلافات بين الاشخاص ومن العادات الرمضانية الجميلة دور المسحراتي وصوته الرائع بنغماته ومعانيها الشجية” وأضاف “رحل رمضان القديم. ليأتي رمضان بالمسلسلات ومهرجاناته والشراء غير المبرر من الاطعمة والملبوسات وجفاف الوشائج الاسرية وغياب حلاوة اصوات الاطفال في الاحياء والحواري. الاجتماعات العائلية من جانبه يرى الإعلامي والأكاديمي صالح الخراشي أن أبرز العادات الرمضانية التي اندثرت هي الاجتماعات العائلية على الفطور وقلة الزيارات بين الاقارب والصدقاء فلم تعد كما كانت قديما فضلا عن الكلفة والمبالغة في شراء المشتريات من الاسواق كنوع من التبذير وكذلك المبالغة والتبذير في العزائم. كما لفتت رجاء القحطاني محاضر قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز الى ان الجميع استشعر خلال فترة الحجر ثراء عاداتنا في هذا الشهر الفضيل. “حرمنا في فترة الحجر من عمرة رمضان وصلاة التراويح جماعة بالمساجد والتزاور بين الجيران، والتجمعات العائلية على وجبات الإفطار أو السحور وزيارة الأسواق استعدادا للعيد وتجمعات الأهل والأصدقاء في فترة العيد والآن مع عودة الحياة لطبيعتها ها نحن نعود للاستمتاع باللقاءات الروحانية والعائلية والاجتماعية”. نفحات روحانية ويصف محمد بن إبراهيم أحد كبار السن في المدينة المنورة الروحانية العظيمة في شهر رمضان وأيامه المتميزة وطعمه المنفرد، مشيرا إلى أن شهر رمضان تتضاعف فيه الروحانية والتميز بوجود المسجد النبوي الشريف وتوافد أعداد كبيرة من الزوار والعمار. وقال: إن لنا مع هذا الشهر ذكريات جميلة. وكبار السن لا زالوا يتذكرون الأهازيج التي كنا نرددها ونحن صغار قبل قدوم الشهر، وهي لوحة شعبية تجسد فرحتنا بهذا الشهر. حيث نجوب شوارع وحارات المدينة القديمة ونردد كلمات بسيطة لازلت أذكرها، وأحن إليها لأنها تذكرني بأول سنوات العمر وتذكرني بأصدقاء كانوا معنا ورحلوا عنا». ذكريات المسحراتي ويتذكر عبيد محمد من كبار السن وهو يستعيد ذكريات شهر رمضان، العديد من المظاهر الرمضانية الشعبية القديمة التي قد يكون بعضها اندثر تحت وهج الحضارة ومن تلك المظاهر التي اختفت منذ سنوات ويعتبرها من مميزات هذا الشهر “المسحراتي بطبلته الصغيرة ” حيث كان لكل حارة وحي مسحراتي خاص، يجول في الساعات الأخيرة من كل ليلة من ليالي الشهر في نطاق حارته حتى لا يدخل في نطاق الحارات الأخرى، ويحمل طبلة صغيرة يطرق عليها بدقات مميزة وينشد أهازيج جميلة بصوت شجي ينادي من خلالها المواطنين لتناول طعام السحور داعيا الله لهم بالقبول وبسحور هنيء. وكان المسحراتي يطرق أحيانا أبواب بعض السكان لإيقاظهم من النوم، ويقدم له الأهالي بعض النقود والطعام أو يدعونه لتناول السحور معهم، ويستمر المسحراتي بأداء مهمته حتى آخر ليالي شهر رمضان حيث يقدم له الأهالي «العيدية» وهي عبارة عن ملابس وزكاة الفطر وبعض المال، إلا أن هذه الصورة انقرضت وأصبح الناس لا يحتاجون لخدمات المسحراتي مع تطورات العصر وتغير نمط الحياة بالسهر إلى الفجر. كما يأسف كثير من كبار السن على ما آلت اليه العادات والتقاليد الرمضانية التي نشأوا عليها واتفق كثير منهم على التغير الكبير في الحياة الاجتماعية مجمعين على ان الكفة تميل لصالح تلك العادات “القديمة ” التي عاشوها بالنظر لما يعايشونه الآن. عادات جميلة محمد العمري يقول ان ما كان يميز رمضان في الماضي تلك العادات الجميلة التي كنا نستمتع بها ونحن صغار عندما نذهب مع آبائنا الى الجيران في ما يسمى (الشبة) وهي عادة يدرج عليها سكان الحي بحيث تكون وجبة الافطار في كل يوم من رمضان في بيت من بيوت الحي وينطبق الحال على الجميع بالتناوب. وكان الجميع يستمتع بهذه الاجواء الاسرية الحميمة بين سكان الحي. اما سعيد محمد فيقول هناك على عادات جميلة اندثرت ولم تعد قائمة في رمضان ويرى ان رمضان الماضي كان له نكهة خاصة لما فيه من التواصل والتآلف بين سكان الحي الواحد الذين تربطهم اواصر اجتماعية قوية وكانوا يحتفلون بقدوم رمضان ويلتفون حول بعضهم البعض ويتبادلون التهاني بقدومه. واذكر ان عادة تبادل الاطباق الرمضانية كانت مشتركة بين الأسر حيث تقوم كل أسرة وعند مغرب كل يوم بتبادل اطباق الطعام والاكلات الرمضانية مثل السمبوسك والقطايف والاكلات المعروفة، واضاف أن عجلة الحياة وتغير طبائع الناس جعلت الكثير من العادات والتقاليد الجميلة التي كنا نستمتع بها في رمضان تندثر ولم يعد لها وجود. نمط الحياة أستاذ الإعلام السابق بجامعة الملك سعود وجامعة الإمام مدير عام القناة الأولى مدير عام إذاعة الرياض سابقا الدكتور عبد العزيز حمد الحسن يقول: بعضنا يبالغ بوجود اندثار عادات تخص شهر رمضان، والواقع أن تغير نمط وإيقاع المعيشة كلها تطور مع تطور معطيات الحضارة وتقنياتها واختلاط الشعوب وتفاعلها، فقد توسعت المدن وتباعدت المساكن وظهرت الأسواق الكبيرة المكيفة ذات الخدمات الجاذبة الكثيرة وطبيعي أن يشمل التغير عادات الناس الاجتماعية حيث قل التزاور وجها لوجه مع تباعد المنازل وتوفر الاتصال والتواصل الالكتروني المريح.. وزاد في الشهر الكريم عطاء الناس في الصدقات والزكاة وتفطير الصائمين وعدد المؤدين صلاة القيام؛ وزاد عدد المؤسسات الخيرية المنظمة ذات الميزانيات الضخمة؛ ويمكن القول أن مجتمعنا لم يفقد شيئا قيميا أساسيا. مؤكدا ان المجتمع تطور إلى الأفضل خاصة ما نلاحظه من برامج ومنشورات وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي بالتواصي على الخير والتنبيه والتعريف بالسنة الصحيحة والحمد لله الذي أنعم علينا بما لا يُحصى من النِعَم، والشكر لمجتمعنا الذي ثبت على الخير واستفاد مُعطيات الحضارة الجديدة.
مشاركة :