أفرزت أزمة الغلاء التي تعاني منها أسر مصرية عديدة سلوكيات مستحدثة لدى الكثير من الآباء بالتخلي عن فرض شروط تعجيزية على الشباب المتقدمين لخطبة بناتهم لأسباب كثيرة مرتبطة بالظروف الصعبة التي يمرون بها وعدم قدرتهم على توفير كل متطلبات الفتاة، والأهم ألا يكون الأب سببا في تعاسة وعنوسة ابنته. وتتشدد عائلات وتفرض على الشاب المتقدم للفتاة قائمة طويلة من المطالب، مثل المهر المرتفع والسكن الفاخر والوظيفة المرموقة، مع اشتراط شكل لحفل الزفاف، ما تسبب في عزوف بعض الشباب عن الزواج وعدم الاكتراث به كثيرا. وترتبط الظاهرة الصحية الجديدة بتحلي شريحة من الأسر بالوعي والعقلانية وتيسير أمور الزواج على الشاب، والنقطة المهمة تحلي المتقدم لخطبة الفتاة بالأخلاق والأمانة وحسن السيرة، بغض النظر عن الظروف المادية والقدرة على توفير احتياجات الابنة، طالما قبلت الزواج منه، وعليهما أن يختارا حياتهما بطريقتهما الخاصة. ويؤمن فكري رزق، وهو أب لخمس بنات، بأن الشروط التعجيزية التي تفرضها بعض الأسر من الصعب أن تؤمن مستقبل الفتاة بعد الزواج، وفي حال حدوث خلافات ومشكلات معقدة تقود إلى الانفصال لن تكون قيمة المهور والمستلزمات المنزلية المبالغ فيها قيمة حقيقية، ولن تستفيد منها الزوجة وسوف تصبح من الذكريات الميتة. الشروط التعجيزية التي تفرضها بعض الأسر من الصعب أن تؤمن مستقبل الفتاة بعد الزواج، في حال حدوث خلافات وتقدم شاب لخطبة إحدى بنات هذا الأب ولم يكن قد تم تثبيته في وظيفة يعمل بها، فقط لديه ما يكفيه وزوجته ليعيشا حياة معقولة نسبيا، وعندما أيقن والد الفتاة أنه على خلق ومجتهد ويريد الاعتماد على نفسه دون مساعدة أسرته ولديه طموحات في الحياة قرر الموافقة على زواجه من ابنته قبل أن يحدد شروط هذا الزواج. وقال الأب لـ”العرب” إنه لم يفرض أيّ شيء على خطيب ابنته بعدما وجد أنها مرتاحة للزواج منه، وأبلغهما بأنهما حرّان في شراء ما يرغبان فيه من مستلزمات لعش الزوجية، معتبرا أن كل زوجين يشتريان وفق قدراتهما وإمكانياتهما، حتى أنه لم يفرض على الشاب قيمة المهر. وأضاف “أبلغت خطيب ابنتي بأن الذهب الذي سيشتريه هدية منه لها، ويحدده كما تسمح به ظروفه، وقلت له لا مانع من بدء حياتك الزوجية في شقة بالإيجار لارتفاع تكلفة الوحدات السكنية المملوكة، المهم أن تحافظ على ابنتي وتعيش معك سعيدة وعليك تحمل هذه المسؤولية والأمانة، وسارت الأمور دون تعقيدات، وتم إنهاء إجراءات الزواج خلال فترة قصيرة”. ينتمي فكري إلى أسرة ميسورة الحال نسبيا، لكنه قرر التعامل مع الشباب المتقدمين لخطبة أي من بناته بفكر أبوي، وهو ما ورثه عن والده، وأقنع باقي أشقائه وأقاربه بالتعامل بهذه الطريقة عند تزويج بناتهم، فالأهم من المهور مرتفعة التكلفة والمستلزمات المبالغ فيها والشروط التعجيزية تأمين سعادة الفتاة مع رجل يصونها ويحافظ عليها. متخصصون في العلاقات الأسرية في مصر يرون أن تساهل أسرة الفتاة مع الشاب قبل الزواج لا يعني أنهم يتنازلون عنها، لكن المشكلة تكمن في اختلال معايير السعادة لدى بعض الأشخاص وصارت عنوسة الشبان والفتيات في مصر بسبب المغالاة من قبل بعض الأسر ظاهرة لافتة للانتباه، وسط هيمنة العادات والتقاليد وثقافة التباهي على عقول الكثير من الآباء، وتجاهلهم البحث عن حلول غير تقليدية وتبني مبادرات أكثر إنسانية بتقديم تنازلات تُغري الشباب بالزواج أو عدم التضييق عليهم بطلبات تدفعهم إلى تفضيل العزوبية. وتأتي أزمة الكثير من الأسر المصرية من أنها تتعامل مع ارتفاع المهر وفرض شروط مالية نظير زواج الشاب على أنهما تقدير معنوي لأفراد العائلة، ودليل على تمسكه بالارتباط بفتاتهم، انطلاقا من تصور أنه كلما كان المهر عاليا عكس مكانة العائلة وبرهن على جمال العروس وأنها ليست زهيدة إلى الدرجة التي تقدمها عائلتها دون ما تستحق الحصول عليه. وهناك رأي غالب في الأوساط الأسرية يقوم على أن الحفاظ على الحقوق المالية للزوجة، من مهر وسكن جاهز ومستلزمات غالية الثمن ووفرة مالية للشاب ووظيفة راقية، يجب أن يسبق كل شيء، لأن تلك الأمور تؤكد سعادة الزوجة وطريقها إلى تأمين حياتها مستقبلا إذا وصلت العلاقة إلى طريق مسدود وانتهت بالطلاق. ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية في مصر أن تساهل أسرة الفتاة مع الشاب قبل الزواج لا يعني أنهم يتنازلون عنها، لكن المشكلة تكمن في اختلال معايير السعادة لدى بعض الأشخاص، فهم يظنون أنها مرتبطة بالمال والتجهيزات الغالية والمهور، مع أنها يفترض أن تقوم على التفاهم والتشارك والمودة بين الشريكين مهما بلغت قسوة الظروف. ويعتقد هؤلاء أن مرونة أسرة الفتاة مع الشاب تضع على عاتقه عبء تحمل هذه المسؤولية، وبذلك يعمل على السعي لإظهار أنه يستحق هذا التنازل من جانبهم، وينعكس ذلك على علاقته بشريكة حياته لكونها تنتمي إلى عائلة ليست مبتزة ولا تساير العادات والتقاليد وترفضه لأسباب مادية لكن تقف بجواره وتجعله يرسم حياته بما يناسبه. Thumbnail ومنذ خطبة وفاء محمود من الشاب الذي ترتبط به عاطفيا ولم يفرض والدها عليه شروطا وهي تخطط معه لكل مراحل الحياة الزوجية وطقوس العرس واحتياجات المنزل عبر التشارك في كل شيء، فقد عرفت كل أسرة ما لها وما عليها بلا تعقيدات، وسار كلاهما يستشير الآخر في ما يشتري ويخطط. وأكدت وفاء لـ”العرب” أن والدها سألها عما إذا كانت توافق على الزواج من الشاب أم لا؟ وعندما أبدت رغبتها في القبول أبلغها بأنه لا يريد إلا سعادتهما وباقي المستلزمات ليست ذات أهمية لتحقيق الحياة الزوجية المثالية، ما رفع عن خطيبها حمل الاستدانة للزواج وقررا بدْء حياتهما بالحد الأدنى والتشارك في عش الزوجية. وتشير هذه الحالة إلى أنه كما أن هناك عائلات سلبية تتعامل مع زواج الفتاة بتفكير تجاري توجد نماذج إيجابية تقرر إعادة التفكير في معايير زواج الفتيات، وتدرك أن استمرار الضمانة المادية لا يتم بفرض شروط مجحفة على الشباب بذريعة أن تأمين المستقبل يمنع وقوع أزمات بقدر ما يتطلب حُسن الاختيار والتربية والسلوك. وأوضح محمد هاني، استشاري العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن التيسير على الشباب في شؤون الزواج أصبح ضرورة وترك الزوجين يخططان لحياتهما بالطريقة التي تناسبهما وتوفر لهما السعادة هو السبيل الأمثل لتعويدهما على التشارك والتفاهم والتضحية والتنازل عندما يعيشان معا تحت سقف واحد، فلا يمكن للمال وحده أن يؤسس لحياة آمنة خالية من المنغصات. وأشار لـ”العرب” إلى أهمية تعميم هذه الثقافة بين الأسر ووقف تصدير النماذج السلبية التي تصيب الشباب بالإحباط، مع ضرورة تبني حملات توعوية وإعلامية ودينية تغير عادات العائلات التي تتعامل مع طقوس الزواج بمنطق التباهي لتغير نمط المعيشة، فلا بديل عن استحداث تقاليد تناسب الشباب ولا تساير نظرة المجتمع.
مشاركة :