وسام مقابل الكلام البذيء

  • 4/6/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا نعرف ماذا جال في أذهان جنود جزيرة الثعبان الأوكرانية عندما استسلموا للقوات الروسية الغازية. ماذا يفعل 13 جنديا أمام أسطول البحر الأسود الروسي. عندما تحدّث معهم ضابط بارجة روسية ليدعوهم إلى الاستسلام، رد أحد الجنود (بتصرف في الترجمة) “أيتها البارجة الروسية، اذهبي إلى الجحيم”. النسخة الأولى من الحكاية تقول إن البارجة ردت بقصف موقع الجنود وقتلتهم جميعا. تلقف الإعلام الغربي الحكاية وقدمها على أنها مثال للبطولة. الجنود الأوكرانيون مقاتلون أشداء، لا أحد يشكك في هذا. لكنهم في النهاية جنود، أي يعلمون أن الموت ليس الخيار الأفضل أمام قوة غاشمة لا فرصة لمواجهتها. الموت في هذه الحالة مجاني، ولن يقدّم أو يؤخّر في الحرب الدائرة. استسلم الجنود وتم أسرهم من قبل القوات الروسية. لكن الآلة الإعلامية استمرت في تمجيدهم. أوكرانيا تستعد لإصدار طابع يمجّد بطولة “أيتها البارجة الروسية، اذهبي إلى الجحيم”. هناك بالطبع مشكلة واحدة، هي أن الجندي “الشهيد” الذي قال العبارة قد تم تسليمه آخر شهر مارس إلى أوكرانيا ضمن عملية تبادل للأسرى. الروس يقولون إن الجنود الذين يتم إطلاق سراحهم، يوقّعون تعهدات بعدم التعرض للقوات الروسية في المستقبل. لا شك أن الضغط النفسي على جندي شاب كان كبيرا، فصار مستعدا لتوقيع أي تعهد. الوسام الذي قيل إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد منحه للجندي الشاب كان إذًا لقدراته على الشتم وليس القتال. الوسام جاء مقابل نصر معنوي كانت كييف تحتاجه في مرحلة حرجة من القتال قبل أن يتماسك جيشها ويسجل ضربات مؤذية حقيقة للروس، وليست نفسية عبر إطلاق الكلام البذيء. وسائل الإعلام العالمية التي نقلت بحماسة حكاية جنود جزيرة الثعبان لم تبادر إلى اليوم لإجراء مقابلة مع الجندي العائد. هذه حكاية من الأفضل ألّا تكتمل وأن تترك لمؤرخ سيقلبها بعد سنين. ممنوع منح الروس فرصة لإثبات المصداقية. ليس لأن موسكو معروفة بقول الحقائق، فهي من رواد البروباغاندا بدورها، ولكن مرة أخرى لأن الحقيقة هي أول ضحية للحرب. حرب المعلومات والمعلومات المفبركة على أشدها. وربما للمرة الأولى في زمننا المعاصر نجد أن الأمم، شرقية وغربية، تتحرك لحجب كل منبر تعتبره معاديا أو مصدرا لهز المعنويات، دون أي تردد أو حديث عن حرية الإعلام وسماع ما يقوله الطرف الآخر. بل ذهبت بعض المنصات “المحايدة” إلى تبني وجهة نظر واحدة بعد أن ربطت موقفها بموقف دولها. حالها يقول: اُنْصر دولتك ظالمة أو مظلومة، حتى لو كان من ظلمها هو شياطينها.

مشاركة :