هذه الأسبوعية.. وهذا صاحبها!

  • 4/7/2022
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

والأسبوعية المقصودة هي أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني التي أصبحت معلماً من معالم جدة الثقافية، وهي تنهي اليوم عقدها الأول.. لكن الحديث عن الأسبوعية يأخذنا بالضرورة للحديث عن صاحبها، ليس لطبيعة المؤسسة وحسب، كونها صالوناً خاصاً يرتبط عادةً بالوجيه المضيف الذي يتفضل على مجتمعه بفتح داره لتكون منبراً للثقافة والتنوير، ولكن لأن أسبوعية عبدالمحسن القحطاني -كما تبدو لي- شديدةُ الارتباط بصاحبها، حتى تشكّلت بخصاله، وبنت صورتها على صورته، فجسّدت قيمه وتوجهاته الفكرية والاجتماعية.. سبب ثالث يجعل الفصل متعذراً، يعود لي أنا عادل خميس، وما يمثله عبدالمحسن القحطاني لي عبر مسيرتي العلمية والثقافية. في أول لقاء خاص مع أستاذي د. عبدالمحسن، كنت أبدأ اول خطوة في الدراسات العليا، طالبَ ماجستير في قسم اللغة العربية بجامعة المؤسس، ومنذ ذلك الحين كسبت قلب أستاذي، وحظيت بعطفه وكرمه، حتى أصبحت ابناً من أبنائه، أفخر وأفاخر بمنزلتي لديه.. وفي كل مرة أحضر للأسبوعية، يكون أجمل ما يمر على سمعي حين يكرر عبارته الأثيرة لقلبي: «عادل هذا اوْلدي». والأسبوعية باب سخاء لا ينضب؛ محاضرات وكتبٌ ونقاشات وموائد معرفةٍ عامرة لا يكفّ زائروها عنها، ولا يطلبون من ثوم الحياةِ وقثائها عنتاً أو مللاً.. فهي عطاء متجدد متنوع، يقبل عليها الجميع من كل فئة، كباراً وصغارا، وتستضيف شخصياتٍ من مشارب مختلفة، وتخصصات متنوعة، وتقدم ألواناً من المعرفة تناسب مختلف الاهتمامات. يحضر لها الناس غرثى للمعرفة، ويغادرون تحفُّهم تراحيب صاحب الأسبوعية وأبنائه الكرام الذي أخذوا من أبيهم سخاء القلب واليد.. أنعم به من مأخذ! تقّلب القحطاني في حياته بين الأماكن والثقافات من حياة البدو، للرياض، للقاهرة، وجدة وغيرها.. وطَبعتْ هذه التحولاتُ روحَه بشيء من السماحة والتنوع، على الرغم من لسانه الذي حافظ على بدوية محببة تميّزه.. ومن ينظر لجدول أنشطة الأسبوعية يقف على مثالٍ من هذا التنوع الثقافي في الموضوعات، والضيوف، والقضايا المطروحة. وهذا ينطبق على كل مواسم الأسبوعية، التي تحرص على توثيق ما يدور فيها من نقاش في كتب مطبوعة تضم أصل المحاضرات والحوار الذي يدور فيها، ورفع مقاطع المحاضرات على اليوتيوب، لمن يفضل أن يتابع مجرياتها. إن خدمة العلم والمعرفة ظل هاجساً يحرك الأسبوعية ويدفعها للمزيد من العطاء والإقدام، وهو هاجس لازم صاحبها منذ سني حياته الأولى، حين اختار لنفسه طريق المعرفة الوعرة. يقول د. عبدالمحسن في مقدمة كتابها السنوي: «تسعى الأسبوعية أن تطل على روادها ومشاهديها وقرائها بثوبها الذي لبسته، لا تحيد عنه، ولا تلبس جلباباً ليس لها». قلت إن المعرفة كانت ولا تزال هاجس صاحب الأسبوعية، يطلبها حيثما كانت، وقدر ما استطاع، وقد عرفته في محاضرات الماجستير، حيث تتلمذت على يديه، بحراً يتحدث بعمق ودون خطل، وكأنما يقرأ من كتاب أمامه.. وقد كان هاشم عبده هاشم دقيقاً حين صرّح في محاضرته في الأسبوعية بأن من الصعب مجاراة عبدالمحسن في بلاغته، وهو الفصيح الذي يرتجل فيمتع، ويناظر فيقنع. كان عبدالمحسن يخاطب عقولنا دوماً، ويستفزها بأسئلة المنطق، حتى لا نرضى بما هو مألوف، لأنه مألوف فقط.. وكانت سعة علمه واطلاعه الكبير في القضايا والمجالات العلمية المتعلقة بالعربية وآدابها والمتعلقة بشؤون علمية واجتماعية أخرى حافزاً لنا للتطور والمواكبة قدر الإمكان.. وها نحن نستمر اليوم بعد عقود، في هذه الرحلة، نداوم على حضور أسبوعيته، ونحرص على النهل مما تقدم لنا حديقتها الغناء بالمعرفة والأدب. تسير اللقاءات في أسبوعية القحطاني عادة على آلية محددة، فهناك مدير للقاء يقدم الضيف، ويدير النقاش بعد أن ينتهي الضيف المحاضر من حديثه.. لكنّ أبا خالد -صاحبَ الأسبوعية- حاضر على الدوام، حريص على متابعتها باهتمام، منذ التخطيط والتنسيق وحتى التقديم والنقاش، وهو حضور رشيق مثمر يدفع بالنشاط نحو النجاح غالباً.. والدكتور عبدالمحسن أستاذ في الإدارة، وخبرته الإدارية الطويلة في الجامعة وفِي النادي الأدبي تشهد له. هذا هو القحطاني عبدالمحسن، وهذه أسبوعيته؛ وكما تحط عليّ فرحةُ طفل كلما ناداني (ابني عادل)، اسمحوا لي أن أختم بالقول: هذه هي الأسبوعية، وهذا هو صاحبها.. أستاذي وأبي عبدالمحسن القحطاني!

مشاركة :