خبير دولي: صور الجثث في بوتشا غير كافية لإثبات الاتهامات بجرائم الحرب

  • 4/7/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بينما تؤكد السلطات الأوكرانية أن الجنود الروس قتلوا مدنيين، وقاموا بأعمال وحشية وقتل جماعي في مدينة بوتشا وبعض المدن الأخرى، والتي ترتقي إلى جرائم حرب، حذّر خبير دولي من أن الصور الصادمة لجثث منتشرة على الطرقات تعكس حصول جرائم حرب؛ لكنّها ليست كافية؛ إذ إن تقديم دليل قانوني وأكثر من ذلك محاكمة المذنبين، هو مهمة يصعب تحقيقها، بينما تنفي موسكو القيام بتلك الأعمال، متّهمة كييف بتركيب هذه المشاهد. وقالت روسيا إنها لم تستهدف المدنيين، ووصفت الأدلة المقدمة بأنها «تزوير شنيع» عمد إليه الغرب لتشويه سمعتها. ومنذ انسحاب القوات الروسية من البلدات والقرى المحيطة بالعاصمة الأوكرانية كييف، عرضت القوات الأوكرانية على الصحافيين جثثاً لمن وصفتهم بمدنيين قتلتهم القوات الروسية، ومنازل مدمرة وسيارات محترقة. وقال فيليب غرانت مدير منظمة «ترايل» (Trial) المتخصصة في مكافحة الإفلات من العقاب فيما يخص الجرائم ضد الإنسانية، في مقابلة مع وكالة «الصحافة الفرنسية»، إن «الصور بحدّ ذاتها نادراً ما تُعتبر أدلّة قاطعة». وأضاف: «يمكنها أن تكشف عناصر مهمّة؛ لكنها لا تكشف القصة كاملة». وأوصى بالتحلي بـ«الحذر» مذكّراً بعمليات التلاعب التي حصلت في الماضي والتفسيرات الخاطئة. ويقول مسؤولون أوكرانيون إن ما بين 150 و300 جثة ربما تكون في مقبرة جماعية قرب كنيسة في بوتشا شمال العاصمة كييف. وقالت شركة أميركية خاصة إن صور الأقمار الصناعية التي التقطت قبل أسابيع تظهر جثثاً لمدنيين في أحد شوارع البلدة، مما يقوض مزاعم روسيا بأن القوات الأوكرانية تسببت في سقوط قتلى، أو أن المشهد مدبر. وشاهد مراسلو «رويترز» 4 ضحايا على الأقل أصيبوا بطلقات نارية في رؤوسهم في بوتشا، أحدهم مقيد اليدين خلف ظهره. وروى سكان حالات قتل أشخاص آخرين، بعضهم أصيب بطلق ناري في الرأس وتعرض أحدهم للضرب حتى الموت والتشويه على ما يبدو. ودَفن الأوكراني سيرهي لاهوفسكي يوم الثلاثاء جثة صديق طفولته الذي أصيب برصاصة في فمه من مسافة قريبة، بعد أن اختفى عندما احتلت القوات الروسية البلدة. وقال منتحباً: «لماذا أطلقت عليه هذه الحيوانات النار؟ هذه ليست روسيا، هذا وحش». ولم يتسنَّ لـ«رويترز» التحقق بشكل مستقل من تفاصيل رواية لاهوفسكي أو المسؤول عن عمليات القتل في بوتشا. وندد البابا الأربعاء «بوحشية تزداد فظاعة» تُرتكب في أوكرانيا و«تشمل مدنيين» أيضاً في إشارة إلى «مجزرة بوتشا». وقال البابا: «الأنباء الأخيرة عن الحرب في أوكرانيا (...) تدل على فظائع جديدة مثل مجزرة بوتشا، وحشية تزداد فظاعة ترتكب أيضاً في حق مدنيين ونساء وأطفال». ورأى غرانت أن في حالة بوتشا تحديداً «يبدو واضحاً أن جرائم حرب ارتُكبت»؛ لكنه قال محذراً إنه لا تزال ذكرى مجزرة تيميشورا المزيّفة في رومانيا عام 1989، حاضرة في الأذهان. وكذلك ذكرى مجزرة كاتين التي ارتكبها عام 1940 الاتحاد السوفياتي واتّهم النازيين بتنفيذها. وأثار نشر وسائل إعلام دولية صوراً ومقاطع فيديو مُلتقطة في بوتشا تُظهر جثثاً في الشوارع، بعضها يعود إلى أشخاص كُبّلت أيديهم خلف ظهورهم أو أُحرقوا جزئياً، وكذلك مقابر جماعية، غضباً على الصعيد الدولي. واعتبر مكتب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الثلاثاء، أن «كل المؤشرات تشير إلى أن الضحايا استُهدفوا عمداً وقُتلوا مباشرة»، ما يشكل بحكم الأمر الواقع جريمة حرب. إلا أن فيليب غرانت يشدد على أن الصور وحدها لا تسمح «بتحميل هذه المسؤولية إلى شخص أو مجموعة محددة». وأوضح أنه إذا قيل إن «الروس فعلوها فعلينا معرفة من الذي أمر بذلك» مضيفاً: «أهو (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين؟ أهو قائد ميداني؟ أهي عصابة؟». وأشار إلى أن «من ناحية المسؤولية الجنائية، من المبكر جداً تحديد من يجب أن يمثل أمام محكمة بسبب هذه الجرائم». وهذه آلية قد تكون طويلة ومعقّدة. وتعتزم المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وعدد متزايد من الدول، التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير (شباط). غير أن غرانت حذّر من أنه سينبغي عليهم القيام بكثير من العمل الشاق. وأعلن الإليزيه الثلاثاء في أعقاب مكالمة هاتفية بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنّ باريس ستوفّر قدرات مالية وبشرية للمساعدة في إجراء تحقيقات في المجازر المتّهمة بارتكابها القوات الروسية في أوكرانيا. وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إنّ ماكرون أعرب لزيلينسكي عن «الصدمة والمشاعر التي أشاعتها في فرنسا صور الجرائم المرتكبة في بوتشا ومناطق أخرى»، وأكّد له «استعداد فرنسا لدعم العدالة الدولية والمساهمة في أعمال التحقيق وتوثيق أعمال العنف المرتكبة ضدّ المدنيين، وذلك بهدف محاسبة روسيا». وأوضح البيان أنّ باريس ستقدّم «مساهمة مالية استثنائية قدرها 490 ألف يورو لأعمال المحكمة الجنائية الدولية، وستدفع سلفاً مساهمتها السنوية البالغة 13 مليون يورو. كما عرضت أن تضع في تصرّف المحكمة الجنائية الدولية قاضيين وعشرة دركيين». كما عرضت فرنسا إرسال «فريق تقني إلى أوكرانيا لفحص الأدلّة على الجرائم المرتكبة». وطردت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وسلوفينيا عشرات الدبلوماسيين الروس، يومي الاثنين والثلاثاء، في أعقاب اكتشاف مجازر قرب كييف نُسبت إلى القوات الروسية. وأعرب الغربيون عن غضبهم نهاية الأسبوع الماضي، بعد العثور على عشرات الجثث في ثياب مدنية في بوتشا شمال غربي كييف، عقب انسحاب القوات الروسية من محيط العاصمة. وأشار فيليب غرانت إلى أن الخطوة الأولى في كل تحقيق من هذا النوع هي «التأكد من أن الجريمة حصلت». وذكّر غرانت بأن «ذلك قد يبدو بديهياً؛ لكنه ليس كذلك دائماً»؛ خصوصاً في سياق حرب قائمة. فأثناء الحرب، قتل الناس قد يكون قانونياً؛ إذ إن قتل جندي خلال المعارك لا يُعتبر جريمة؛ لكن إذا قُتل بعد إصابته بجروح أو بعد أسره، فإن ذلك يصبح جريمة. وإذا قُتل جنود أثناء المعارك ودُفنوا في مقبرة جماعية، فهذا لا يشكل جريمة. لكن غرانت أوضح: «إذا وجدتم في المقبرة عائلة، مدنيين، فإن ذلك على الأرجح هو جريمة». ما إن يتمّ تحديد أن الجريمة ارتُكبت، تأتي المهمّة التي تكون غالباً أكثر تعقيداً، وهي تحديد المسؤول عنها. وأشار غرانت إلى أن جرائم الحرب تشمل «طبقات عديدة» من المسؤولية في كلّ سلسلة القيادة «وحتى رأسها». وتابع بأن في هذه الحال، الأمر الأصعب هو «الوصول إلى المشتبه بهم». واعتبر أنه إذا حمّلت التحقيقات الأوكرانية «المسؤولية الجنائية إلى بوتين، فسينبغي القبض على الشخص»؛ مضيفاً أن «ذلك لن يكون أمراً سهلاً» لكنّه «ممكن». ليس هناك فترة تقادم لجرائم الحرب. ويشرح غرانت أن إضافة إلى الرئيس بوتين نفسه: «هناك على الأرجح مئات الأشخاص في جهاز الأمن الذين يمكن في وقت من الأوقات تحميلهم المسؤولية، من دون التحدث عن الجنود الذين كانوا على الأرض». وقال وزير الصحة البريطاني ساجيد جافيد، أمس الأربعاء، إن العالم لا بد أن يتحرك لوقف أعمال القتل الجماعي في أوكرانيا، مشبهاً تقارير عن قتل مدنيين على أيدي القوات الروسية بالإبادة الجماعية في البوسنة عام 1995. وقال جافيد لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «هذا قتل جماعي على نطاق غير مسبوق في أوروبا. أعتقد أننا لم نشهد مثل هذا منذ عام 1995. لا أريد أن أحيي ذكرى إبادة جماعية أخرى في أوروبا بعد سنوات من الآن. لدينا القوة، والعالم لديه القوة لوقف هذا، ولا بد أن يتحرك». وأعلنت «أطباء بلاد حدود» الثلاثاء، أنّ 3 مستشفيات في مدينة ميكولايف في جنوب أوكرانيا «أُصيبت بعمليات قصف» يومي الأحد والاثنين أثناء وجود أفراد من المنظمة غير الحكومية فيها، مشيرة إلى عدم إصابة أي منهم بجروح. وقالت المنظمة الإنسانية في بيان إنّ فريقاً تابعاً لها مكوّناً من 4 أشخاص كان داخل مستشفى الأورام في ميكولايف عصر الاثنين حين «وقعت انفجارات عدّة بالقرب من طاقمنا على مدار 10 دقائق تقريباً». ونقل البيان عن ميشال- أوليفييه لاشاريتيه، رئيس بعثة منظمة «أطباء بلا حدود» في أوكرانيا، قوله إنهّ «عند مغادرته المنطقة، شاهد فريق (أطباء بلا حدود) جرحى، وجثة واحدة على الأقلّ»، موضحاً أنّ أيّاً من أفراد طاقم المنظمة «لم يُصَب بجروح». وأصيب في القصف أيضاً مستشفى الأطفال الإقليمي، الواقع على بُعد حوالي 300 متر من مستشفى الأورام، بحسب طاقم المنظمة. ولفتت «أطباء بلا حدود» في بيانها، إلى أنّ طاقمها «لاحظ بعد الانفجارات وجود كثير من الثقوب الصغيرة في الأرض، منتشرة على مساحة كبيرة، ولم تكن هناك أي حفرة كبيرة مرئية في هذه المنطقة. وقد تشير هذه العناصر إلى استخدام قنابل عنقودية». وبحسب لاشاريتيه، فإنّ «المستشفى رقم 5 الواقع في جنوب المدينة أصيب أيضاً» بقصف يوم الأحد. وخلص البيان إلى أنّ «منظمة (أطباء بلا حدود) تعيد حالياً تقييم انتشار أنشطتها في ميكولايف». وكان أولكسندر سينكيفيتش، رئيس بلدية ميكولايف، قد أعلن الاثنين مقتل عشرة مدنيين وإصابة ما لا يقلّ عن 46 في قصف روسي استهدف المدينة خلال النهار. والأحد قُتل 8 أشخاص وأصيب 34 بجروح في ضربات شنتها القوات الروسية على مدينتي ميكولايف وأوتشاكيف الواقعة على بعد 60 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي منها، وفقاً للنيابة العامة الأوكرانية. وميكولايف الواقعة على الطريق المؤدية إلى أوديسا، أكبر ميناء في أوكرانيا، كان عدد سكانها قبل بدء الحرب 475 ألف نسمة. وتعرّضت البلدة للقصف على مدى أيام عديدة عندما كان الجيش الروسي يحاول عبثاً الاستيلاء عليها.

مشاركة :