تخيم حالة من التشويش والعزوف على المشاهد الجزائري في الأيام الأولى للموسم الدرامي، بسبب نمط التكرار في الأعمال المقترحة، وفشل المعروض منها في إثارة اهتمامه، خاصة في ظل المنافسة المفروضة على الفضائيات المحلية، وهو ما يترجم أزمة الدراما الجزائرية التي ضيعت معالمها في السنوات الأخيرة، حيث لم تستطعْ مواكبة تحولات المجتمع. وحين كان الشارع الجزائري يطالب بالحرية والتغيير خلال السنوات الماضية فشلت أعمال الدراما في التعبير عن الحراك الشعبي ومطالبه، ما دفع الشارع إلى مقاطعتها. ودخل العديد من الأعمال الدرامية على خط الموسم الرمضاني، في أجواء تغلب عليها اهتمامات اجتماعية وسياسية تصنف في خانة الخطوط الحمراء، وتم التركيز على قضايا اجتماعية مستهلكة في مسلسلات باتت تطارد موضة “الأجزاء” من أجل الحفاظ على نفس الأفكار والتوجهات، تفاديا لأيّ صدام مع الرقيب. وفي هذا السياق عاد مسلسلا "يمّا" (أمي) للمخرج التونسي مديح بلعيد، و"بنت البلاد" للمخرج محمود محساس، في أجزاء جديدة، بدعوى الاستمرار في النجاح الذي حققه هذان المسلسلان في أجزائهما السابقة، ليواصلا عرض حبكات اجتماعية مستهلكة، تجاوزتها التحولات الاجتماعية. الموسم الحالي خلا من أيّ عرض مبكر حتى بالنسبة إلى التلفزيون الحكومي، على عكس المواسم السابقة وحتى الأعمال الكوميدية التي كانت توجه رسائل جادة في قالب هزلي تنتقد فيه الأوضاع المعيشية تراجع منسوب أدائها ومحتواها، مما يكرس حالة غير مسبوقة من الرقابة، فبرنامج "دقيوس ومقيوس"، الذي واكب ثورة الشارع الجزائري في 2019، لم تعد لديه الجرأة على انتقاد ندرة المواد الغذائية واسعة الاستهلاك. واستحوذ التلفزيون الحكومي المدعوم بإمكانيات ضخمة مقارنة بالفضائيات المملوكة للقطاع الخاص على غالبية الأعمال الدرامية المقترحة على المشاهدين، وبحوزته أربعة مسلسلات هي "عندما تجرحنا الأيام" للمخرج عمار سي فوضيل، و"أنين الأرض" للمخرج مسعود العايب، و"عين الجنة" للمخرج كريم موساوي، و"لعبة خطيرة" للمخرجة فاطمة وزان. وأكد المخرج عمار سي فوضيل أن مسلسل "عندما تجرحنا الأيام" تدور أحداثه في إطار درامي، فخالد صاحب الشخصية المركبة، الذي يأمل في إنجاب ولد، يلتقي مع شخصيات أخرى في علاقات مختلفة تأسست وتوطدت وتأزمت بناء على رغبات خالد وجموحه، ولكن الحياة تضعه في صراع مع حلم ضائع، وبعد غياب طويل عاودت الأيام ترتيب عهدٍ جديد بين خالد وجميلة ليحاول بعث قصة حبهما وسط رفض ابنتهما وفاء التي لم تقبل والدها الذي تركهما لأكثر من ثلاث وعشرين سنة. ويتوغل المسلسل عميقا في الجانبين النفسي والاجتماعي للشخصيات الإنسانية، من خلال نماذج تجسد قيما إيجابية وأخرى سلبية كالحب والمثابرة والعمل لتحقيق الذات في مقابل الخيانة والجشع والطمع والكيد. وفي "أنين الأرض" للمخرج مسعود العايب، يعيش سحنون البالغ من العمر خمسين عاما في قرية صغيرة وهو صاحب نفوذ، ويسعى للاستيلاء على الأراضي الخصبة للقرية ليتمكن من تحقيق مشروع عمراني ترغب في إنجازه شركة أجنبية، واختار المخرج لتسويق عمله العديد من الوجوه الدرامية المعروفة في المشهد على غرار حسان بن زراري ومراد صاولي وفتيحة سلطان. وفي "لعبة خطيرة" عمدت المخرجة فاطمة وزان للاستعانة بالعديد من الأجيال من الممثلين، لتفكيك أحداث اجتماعية تتناول صراع الأجيال وصدام النوازع الإنسانية كالأنانية والفردانية في قضايا الميراث والملكية، التي كانت من بين أسباب التفكك الذي تعاني منه الأسر، ليكون بذلك العمل نسخة من تجارب سابقة مثل "المشوار" و"الذكرى الأخيرة" و"الليالي البيضاء" و"حنان امرأة" و"مفترق".. وغيرها. وفي مسلسل "ماينا" للمخرج وليد بوشباح، يروي العمل بحس فكاهي مغامرات شخصيتيْ كريمو وحميمي، مسير فندق مغمور ومحطة بنزين ومالك واحة بجنوب البلاد، إذ تتقاطع الشخصيتان في كونهما متهورتين ولا تقيمان وزنا للمبادئ، خاصة حين يتعلق الأمر بالثراء. وعلى عكس المواسم السابقة، حين كانت الفضائيات تسبق الموسم الدرامي بمؤتمرات صحافية للكشف عن شبكاتها البرامجية ومغازلة الجمهور والمعلنين، فإن الموسم الحالي خلا من أيّ عرض مبكر حتى بالنسبة إلى التلفزيون الحكومي، فيما اكتفت أغلبية القنوات الخاصة بـ"ملء الفراغ" بإعادة عرض أعمال قديمة وبعضها مقرصن، الأمر الذي يجسد حدة الأزمة الدرامية التي يعيشها القطاع في ظل الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد. وردا على سؤال عن موقع القناة في الموسم الدرامي طرحته "العرب" على مالك قناة فضائية خاصة، فضل عدم الكشف عن هويته، قال "همنا الآن تأمين رواتب العمال، وليس الإنتاج.. الوضع مأزوم والعائدات قليلة، والمناخ غير مشجع للإعلام ولا للإنتاج التلفزي أو الدرامي”.
مشاركة :