دمشق - ألقى الارتفاع العالمي للأسعار جراء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، بظلاله الثقيلة على الاقتصاد السوري المترنح أساساً، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية في مناطق سيطرة النظام بشكل كبير، تجاوزت الضعف. وتزامناً مع ارتفاع الأسعار فقدت الليرة السورية نحو 10 بالمئة من قيمتها لتلامس حاجز الـ 4000 ليرة سورية لكل دولار. وشكل ارتفاع الأسعار ضغطاً كبيراً على المواطن السوري الذي يعاني منذ سنوات، من انخفاض الدخل و يواجه ارتفاع الأسعار بدون مساعدة من النظام، الذي يركز على الإنفاق العسكري، إضافة إلى تفشي الفساد في مؤسساته. ولا يتجاوز متوسط الرواتب في سوريا 50 دولاراً، ما زاد من المخاوف من وقوع مجاعة في مناطق النظام مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية. وفشل النظام خلال السنوات القليلة الماضية - بعد استعادة مساحات واسعة من يد المعارضة - من الحصول على دعم دولي لإعادة الإعمار بسبب موقفه الرافض للحل السياسي، كما عمقت عقوبات قيصر التي فرضتها الولايات المتحدة عليه من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها. ولم يتمكن النظام من وضع خطط لتخفيف حدة الأزمة نتيجة الفساد المستشري، وبات يعتمد بشكل شبه كامل على حليفتيه إيران وروسيا، لإنقاذ اقتصاده من الانهيار الكامل. وبحسب تقديرات أممية فإن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المواد الأساسية في مناطق النظام بشكل كبير، تراوحت بين 50 بالمئة إلى 100 بالمئة. وأفادت مصادر محلية أن سعر لتر الزيت وصل إلى 14500 ليرة (3.75 دولارات)، وكيلوجرام الرز إلى 3500 ليرة (90 سنتا)، والبرغل 4400 ليرة (1.14 دولارا)، و العدس 5000 ليرة (1.3 دولارا)، و هي أسعار مرتفعة جداً مقارنة بدخل المواطن العادي. والأسبوع الماضي نقلت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية عن مسؤول في وزارة السياحة في النظام السوري صدور تعريفة جديدة خاصة بأسعار الخدمات المقدمة في المطاعم والمقاهي في سوريا، بزيادة قدرها 20 بالمئة. وأوضحت المصادر أن اللحوم في مناطق سيطرة النظام، باتت من الكماليات بالنسبة للمواطن العادي، وخرجت من قائمة الأطعمة التي يستهلكها بسبب أسعارها المرتفعة جداً. وأفاد يحيى السيد عمر رئيس مركز "ترندز" للدراسات الاقتصادية، بأن الحرب الروسية الأوكرانية تركت آثارها الاقتصادية على مختلف دول العالم، على مستوى الطاقة والمواد الغذائية الرئيسة وغيرها. وقال السيد عمر، إن ذلك أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية المرتفعة أساساً، وهذا الأمر ينسحب على كل دول العالم ومنها سوريا بمختلف مناطقها. وأوضح أن تأثير الحرب على مناطق سيطرة النظام بات واضحاً جداً، فالمستوى العام للأسعار شهد ارتفاعاً حاداً خلال الشهرين الفائتين. "واضاف بعض السلع ارتفعت أسعارها بنسبة 100 بالمئة كالزيت النباتي والقمح والبرغل وغيرها، وهذه المواد تعد رئيسة لا سيما في شهر رمضان". وأشار أن هذا الارتفاع يأتي في ظل ثبات القيمة الاسمية للأجور أي قيمتها بالليرة السورية، وفي ظل تراجع قيمتها الفعلية أي قدرتها الشرائية، وهو ما يزيد من حدة الضغوط الاقتصادية على السوريين. واضاف "الآثار الاقتصادية للحرب بالغة التأثير على اقتصاد النظام السوري لسببين، الأول أن النظام يستورد غالبية احتياجاته من المواد الغذائية، وهو ما يعني تأثر مباشر بالتضخم العالمي الناتج عن الحرب، ومن جهة أخرى فإن تراجع قيمة الليرة يعزز من ارتفاع الأسعار". وفيما يتعلق بالخطوات التي يقوم بها النظام، أكد أنها غير فعالة وتقتصر على طرح المواد الغذائية في الصالات السورية للتجارة بأسعار تقل 20 بالمئة عن أسعار السوق.. وهذه الأسعار المعروضة مرتفعة أيضاً ولا تشكل حلا". خالد تركاوي، الباحث في مركز جسور، قال إن أولويات النظام السوري مختلفة عن أية حكومة أخرى، الأولوية له هي تمويل الجيش والأمن بالدرجة الرئيسية. وأضاف "نرى مثلاً أن النظام وقع عقدا الشهر الماضي لتأمين كميات من الشاي والسكر للجيش، ونرى أيضاً تأمين مكيفات لقوى الأمن الداخلي". ولفت تركاوي أن المشكلة في سوريا ليست في ارتفاع الأسعار بل أن المشكلة الأساسية هي الدخل المتدني للمواطن. وأعرب تركاوي عن اعتقاد بأن النظام لن يقوم بأي خطوات عملية لتحسين الواقع الاقتصادي ولكنه سيستغل الأزمة العالمية ليقول للمواطنين هذا هو السبب.
مشاركة :