إسلام سلامة لـ المدينة : شعراء القصيدة الموسيقية يشوهون جيلا نثريًا كاملا

  • 4/8/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حين يكتب الشاعر «إسلام سلامة» عن صحرائه، فإنه يؤرخ وجدانيًا لمساحات من الصفاء والطهر والنقاء، لا تحدها قسوة المدن وجلافة مشاعرها، فهو ابن واحة الداخلة في الصحراء الغربية بمصر، المكتفية بذاتها عمن سواها، كما قال عنها الرحالة والجغرافيون القدماء، وبقدر خصوصية المكان وصوفيته بقدر ما تفردت التجربة الشعرية، وصارت صافية لا تلوثها مقولات نقدية جامدة أو عراكات المتثاقفين حول غنائم ومكتسبات غير شعرية.. وللشاعر «إسلام سلامة» دواوين : «أمامه على ورقة بيضاء» و «كل هذه المحبة» و»أتحدث عني الآن» و»للشوارع أرواح أيضًا». هو موغل في الإيمان بالقصيدة النثرية ويراها نوعا مهما من الإبداع ويرى أن منتقديها جاهلون بأطرها وثوابتها وهو يرى أن قصيدة النثر تعطي أرضا أكثر خصوبة للتعبير والتنوع ومن وجهة نظره الخاصة أن شعراء القصيدة الموسيقية يشوهون جيلا نثريًا كاملا. التقينا به وناقشناه في ضجة القصيدة النثرية وشيئا من كلام النقاد عنها وشيئا عن الثورة التكنلوجية التي اجتاحت العالم كله وأثرت على الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص. **ربما كانت مبالغة شعرية يرددها الكثيرون حول اختيار النص للشكل، بمعنى أن الشاعر ليس مخيرا في اختيار الشكل الشعري الذي تتجسد فيه قصيدته .. فهل اختيارك لقصيدة النثر يعد خياراً جمالياً ومعرفياً يتسق واللحظة الراهنة .. أم ماذا؟ =أتعجب حقا عند سماعي مثل هذه «المبالغة» إذا جاز لنا أن نطلق عليها أساسا أنها مبالغة، فالأنسب لها من وجهة نظري أنها «مغالطة»، أقرأ مثل هذا الكلام في بعض التنظيرات النقدية التي تتناول علاقة النص بالشكل أو العكس، وأحيانا أسمعه في حوارات بعض الكتّاب عن أن الشاعر ليس مخيرًا في الشكل الشعري الذي يجسد قصيدته أو نصه، ويأتي استغرابي في أنني أقيس الأمر على إنتاجي الشعري قبل أي شيء فأجد أن النصوص التي أكتبها ليس الشكل هو المهيمن في اختيار موضوعاتها أو مضامينها، ولم تخض النصوص في حالة نفسية واحدة حتى، لكنني أعمد في كتابتي لتنويع ما أتناوله ولا أقف بها عند حالة واحدة متشابهة أو مكررة، ولا أجد أن قصيدة النثر تمثل عائقا أو تفرض نصوصاً بعينها بل العكس من ذلك أجدها تعطي فضاءً أوسع وأرضًا أكثر خصوبة للتعبير والتنوع، لذلك كان اختياري لقصيدة النثر كشكل للكتابة ما أعتبره بالفعل خيارا جماليا ومعرفيا يؤطر نصوصي ويجمعها في البرواز الذي يليق بها على حد قناعتي الراهنة والتي أعتقد أنها ستظل أيضا قناعتي المستقبلية. إن هذه «المغالطة» عندما توجه لقصيدة النثر لن تخرج في رأيي إلا من أغلبية النقاد أو المنظرين الأكاديميين لأنهم لا يستطيعون تطبيق نظرياتهم الجامدة على القصيدة النثرية، فيقفون أمامها مرتبكين لعدم قدرتهم على سبر أغوارها فينطبق عليهم أن «الإنسان عدو ما يجهل»، أو كتّاب القصيدة الموسيقية الذين لا يريدون الاعتراف بقصيدة النثر بل ويحاربونها محاولين تشويهها وتشويه جيل بأكمله قد يسحب بساط الإبداع من تحت أرجلهم، والأدهى أن هذه المقولة عن اختيار النص للشكل تصدر أحيانا من بعض شعراء قصيدة النثر ذاتها الذين سارت تجربتهم في اتجاه واحد متشابه ومكرر فاتخذوا من الشكل مبررا ذلك. التأرجح بين نمطين ** تكتب أحيانا القصيدة العامية المصرية، ألا تجد في التأرجح بين نمطين إبداعيين تبديدا للطاقة الشعرية؟ =نعم كتبت بعض النماذج القليلة من القصيدة العامية إلا أنها لا تعتبر بالنسبة لي إضافة لمشروعي الشعري ولا أضعها حتى الآن في إطار تجربة إبداعية يمكن أن تمثلني في مشواري الأدبي، أعدها نوعا من البوح النفسي لا أكثر أوهي دفقة شعورية خرجت بهذا الشكل، وما يؤكد عدم اعتباري لها خطوة على درب مشواري الأدبي أنها جميعها جاءت قصائد تفعيلة صاخبة الموسيقى في بعض الحالات ولم أحاول أن أضعها في إطار قصيدة النثر التي تمثل قناعتي الأدبية لذلك أجد أنني حين أكتب بالعامية لا أصل إلى حد التأرجح بين نمطين إبداعيين وليست بالكتابات التي أبدد فيها طاقتي الشعرية فأنا أعتبرها كنوع من التمارين الكتابية ونشاطا ترفيهيا أو فترة من الراحة أقضيها بين أوقات العمل الجاد المتمثلة في كتابة نصوص الفصحى، وليس معنى هذا أنني أرى الكتابة بالعامية هي إبداع من الدرجة الثانية للشعر كما يذهب البعض، على العكس فهي إبداع مواز تماما لقصيدة الفصحى ولها جمالياتها وتفردها الدلالي الذي قد يختلف عن قصيدة الفصحى، ولكن كما سبق وذكرت فقناعتي بقصيدة الفصحى النثرية هي الأساس بالنسبة لي كمشروع حياة يمثلني على الساحة الأدبية. العزلة الجغرافية ** هناك من يتحدثون عن العزلة الجغرافية للواحة وتأثيرها السلبي على التواصل، فهل بعد الثورة التكنولوجية صار لمثل هذه الأحاديث معنى؟ =في رأيي أن العزلة الجغرافية موجودة بالفعل وتلقي بأنوارها وظلالها على حد السواء على الواحة، وأقصد بجملة «أنوارها وظلالها» أن هذه العزلة لها أثرها المحمود علينا كأدباء أحيانا، وأحيانا أخرى لها أثرها النقيض، فعزلتنا الجغرافية جعلت من التجارب الإبداعية المنتجة في الواحات ما يميزها، فالواحات بعزلتها لا تزال تحتفظ بخصوصيتها وطبيعتها الملهمة ونقاء علاقاتها الاجتماعية مما انعكس على الإبداع. كذلك لم نتشابه مع أحد ولم نتشابه مع بعضنا البعض حتى بين من يكتبون منا النوع الأدبي نفسه، فلكل منا كأدباء تجربته التي تميزه ولم تنطو هذه التجارب تحت تبعية الكتابة في الصعيد ـ الذي ننتسب إليه كتقسيم إداري ـ لأن معظم إبداعات الصعيد وخاصة الشعرية منها تكاد تتقارب إلى حد ملحوظ بشكل ملفت والقلائل من الشعراء في الصعيد هم من نجحوا في التفرد في تجربتهم الإبداعية على مستوى الشكل والمضمون والرؤية، أما في واحة الداخلة تحديدًا التي أنتمي إليها فالأمر مختلف، الأدباء هنا تقريبا ينتمون لجيل واحد ولم يسبقهم من كان له التأثير الأبوي ليسيروا على خطاه، وليس ذلك وجهة نظر شخصية فقط أو نوع من العصبية للمكان الذي أعيش فيه ولكن هناك العديد من الدراسات الأدبية والقراءات النقدية المختلفة طرحت وجهة النظر نفسها، وليس مبالغة مني أن أقول أن تجربة المبدعين هنا هي تجربة «ما بعد حداثية» فقد تحدث بذلك على سبيل المثال الشاعر والناقد الدكتور/ أمجد ريان في إحدى دراساته لبعض نماذج الشعر من الواحات. ومما قست به علينا عزلتنا أيضا هو ندرة الاحتكاك المباشر بيننا وبين المبدعين من المناطق المختلفة في مصر لأنه لا يتوفر لنا ربما سوى مرة واحدة سنويًا من خلال أحد المؤتمرات الرسمية فرصة الالتقاء بالأدباء والنقاد ورواد الحياة الثقافية، وحتى مثل هذه الفرصة السنوية لا تتوفر هنا للجميع بسبب البعد المكاني ومشقة وكلفة الانتقال وانتظار الدور في حضور المؤتمرات. وبالنسبة للثورة التكنولوجية وتطور الاتصالات بشكل كبير والتي جعلت العالم على حد التعبير الشائع «قرية صغيرة» فأنا أجد أن أثرها تمثل لنا من ناحية النشر بالدوريات والمجلات الأدبية إذ أصبح من السهل علينا أن نرسل أعمالنا عن طريق النت للجرائد أو نتواصل مع مسؤولي ومحرري الدوريات الأدبية على مواقع التواصل المختلفة، مما يجعلنا إلى حد ما قادرين بشكل شبه منتظم أن ننشر أعمالنا خارج الحدود الجغرافية للواحات، كما أن الثورة التكنولوجية أتاحت لنا كما أتاحت للجميع نشر أعمالنا في مدونات أو صفحات أدبية الكترونية، ولكن في رأيي يظل للعمل المنشور ورقيا سواء كان كتابا أو بالجرائد والمجلات الورقية رونقه الخاص وبقاءه وتاريخه الذي يظل متواجدًا لفترة طويلة على خلاف النشر الإلكتروني. الحضور المكاني **تناول الناقد «عبدالحافظ بخيت» تجربة الحضور المكاني في ديوانك (أمامه على ورقة بيضاء)، فهل خصوصية المكان بتفاصيله الحميمة في صحراء الواحات، تتعارض مع رحابة قصيدة النثر، إذ يبدو أن نماذجها الأنصع تنحاز لمشتركات إنسانية متجاوزة فكرة المكان وخصوصيته؟ = رغم الحضور المكاني بالديوان إلا أنني كنت مهموما بالعلاقات الإنسانية في المقام الأول وكان من الضروري في بعض الأحيان أن يصبح المكان بخصوصيته أو مغايرته هو الذي يجمع مثل هذه العلاقات، وأؤكد أنه في بعض الأحيان لأن المكان لم يظهر ولم يؤطر أية علاقات إنسانية أو اجتماعية في أحيان كثيرة. المكان بتفاصيله الحميمة لن نجده غاية لنصوص الديوان ولكنه كان وسيلة ليس إلا، كما أن المكان في الديوان لم يكتف بخصوصية الصحراء وتفاصيلها ولكنه كان أيضًا متنقلا من فضاء الصحراء المتسع إلى أماكن مغايرة عنها حاولت فيها أن أشترك مع أي إنسان يقرأ النصوص. وبالنسبة للأستاذ الناقد «عبدالحافظ بخيت» فقد تناول في قراءته المكان خلال نصوص الديوان بداية من العنوان الذي قال عنه أنه يشير للمكان ولكن»بوصفه كيانًا اجتماعيًا وإنسانيًا وبوصفه أيضا مساحة بيضاء تحتلها النصوص الشعرية للديوان لتشكل منها واقعا مغايرا عبر مسافات التخيل والحلم» ولم يتناول المكان بمفرداته المادية. يشوبه الانغلاق ** كيف ترى المشهد الشعري والنقدي في اللحظة الراهنة؟ =المشهد الشعري في اللحظة الراهنة يشوبه الانغلاق على نفسه فالشعر لم يعد ينتقل أو ينتشر سوى بين الشعراء أنفسهم أو ربما الأدباء بشكل عام بعكس الرواية مثلا التي هي المحل الأول لاهتمام المتلقي الآن سواء كان المتلقي العادي أو المتخصص، رغم أن الشعر بحداثته الآنية اقترب كثيرًا من الناس على مستوى اللغة والمضمون نائيًا بشكل كبير عن تهاويم السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، إلا أن هناك فجوة بينه وبين المتلقي ربما كانت تلك الفجوة نتيجة توقف مناهج التعليم بما فيها التعليم الجامعي عند مدارس معينة وأشكال شعرية لا تشمل النص الحداثي في الشعر المعاصر فافتقر المتلقي العادي عن أية خلفية ثقافية لمتابعة النص الحديث. وأما المشهد النقدي بالنسبة لقصيدة النثر تحديدا فعلى المستوى النظري لا توجد -عربيا- نظرية حتى الآن تتناول القصيدة النثرية بشكل شامل وعميق كما النظريات المتعلقة بالأشكال الشعرية السابقة كالتفعيلة والشعر العمودي، ما يحدث هو بعض القراءات الفردية للنصوص وغالبا ما تكون بين الشعراء وبعضهم البعض، أما الكثير من النقاد فهم في واد آخر كأن نفس الفجوة التي بين المتلقي العادي والشعر تحول بينهم أيضا وبين قصيدة النثر وكتابها.

مشاركة :