حوار: جمال سالم أكد الشيخ عبد الكريم خصاونة مفتي الأردن أن فوضى الإفتاء في الوطن العربي والإسلامي لن يوقفها إلا نشر الوعي الديني الصحيح وسيف القانون، مؤكداً ضرورة محاصرة الفضائيات التي تتاجر بالدين، وتنشر الخرافات بين الناس، وتوهمهم بقدرة بعض الناس على علاج أمراضهم بالقرآن الكريم والرقية الشرعية، لأنها تفسد عقول الناس، وتلحق الأذى بهم، وتصرفهم عن أساليب العلاج التي حث عليها الإسلام. وقال الشيخ خصاونة في حواره مع الخليج: لا نتأثر في عملنا في دائرة الإفتاء الأردنية بأي توجهات من هنا أو هناك وهذا ما ينبغي أن يحرص عليه العلماء في كل مؤسسات الدعوة والإفتاء في عالمنا العربي والإسلامي، فالدين الذي نقدمه للناس لابد أن يظل نقياً خالصاً من كل الشوائب لكي يؤثر فيهم ويقود سلوكهم إلى الأفضل. وفيما يلي تفاصيل حوارنا معه: } ما النهج الذي تسيرون عليه في الإفتاء؟ - نحن في الإفتاء الأردنية مستقلون تماماً ولا سلطان علينا غير ضميرنا الديني والإنساني، وهذا النهج رسمه ودعمه الملك عبد الله الثاني عندما قال عبارته الشهيرة للمسؤولين عن الإفتاء: لا سلطان على دائرة الإفتاء إلا كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الجملة البليغة تجسد منهجنا في دائرة الإفتاء الأردنية التي تعتمد في إطارها العام الشمولية في الإفتاء، وتعمل على تنفيذ ذلك من خلال مجموعة من الآليات التي تقوم عليها الدائرة لتحقيق هذا الهدف منذ أن تأسست في العام 2006م، وكان مقصودها الرئيسي إيجاد الفتوى التي تعتمد على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا تهتم أو تلتفت إلى الفتاوى الشاذة لانها تشوة الصورة المشرقة للإسلام ولا إلى الفتاوى التي تخلق وتثير المشكلات، وإنما تحاول أن تجيب بما يرضي الله سبحانه وتعالى، حيث إن المسائل الفقهية متعددة، ومنها المتعلقة بالعبادات التي يجيب عنها كثير من طلاب العلم وأئمة المساجد. قانون الإفتاء } ما الإجراءات التي تم اتخاذها في الأردن لمنع فوضى الإفتاء التي تعاني منها مجتمعات عربية وإسلامية عديدة؟ - مجلس الوزراء الأردني أقر مؤخراً مشروع قانون معدلاً لقانون الإفتاء السابق لضبط الفتوى الدينية لما لها من أهمية، وما قد يترتب عليها من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع بحيث لا يتصدى للفتوى إلا من كان مؤهلاً لها، وبحيث لا تتضارب الفتاوى بما يؤدي إلى الإساءة إلى الدين والدولة وحقوق الإنسان، وفي ضوء هذا القانون المعدل لا يجوز لأي شخص أو جهة التصدي لإصدار الفتاوى الشرعية في القضايا العامة خلافاً لأحكام هذا القانون، كما أنه يحظر على أي شخص أو جهة الطعن والتشكيك في الفتاوى الصادرة عن المجلس والمفتي العام بهدف الإساءة والتجريح. } ما العقوبات التي يتضمنها مشروع القانون ضد من تسول له نفسه الجرأة على الإفتاء بغير علم؟ - القانون الجديد يرتب عقوبة على مخالفة أحكامه بما يضبط عملية الفتوى ويحد من ظاهرة الفتاوى الشاذة التي تسيء إلى ديننا وتشوه الصورة المشرقة للإسلام وأهله وتمنع - في الوقت نفسه - غير المؤهلين من إصدار الفتاوى التي تمس القضايا العامة للمسلمين، بمعنى أن القانون يعاقب كل من يتصدر للفتوى التي تتعلق بالمجتمع عموماً بغير علم، أو يشكك بما يصدر عن الجهة الرسمية المختصة بالفتوى، وهذا القانون يتضمن عقوبات بالحبس والغرامات المالية لمن يصدر فتوى تخالف قرارات واجتهادات مجلس الإفتاء وليس المواطن المتلقي للفتوى، وباختصار فإن فوضى الإفتاء يجب أن تواجه بالوعي الديني وسيف القانون. } ما الفتاوى الرئيسية التي تهتم بها دائرة الإفتاء لديكم؟ - لا يقتصر عمل دائرة الإفتاء على الفتاوى الخاصة بالعبادات وإنما نهتم بكل الفتاوى المرتبطة بقضايا تحدد توجهات المجتمع عموماً مثل مخالفة نص شرعي سواء كان في القرآن الكريم أو السنة النبوية، إضافة إلى الفتاوى المتعلقة بتضليل الشباب وإيقاعهم بالمحرمات مثل فتاوى خلط أوراق الجهاد في بعض دول العالم العربي والإسلامي، أو اعتبار نساء ينتمين لطائفة أو دين معين سبايا أو تكفير فئة من المسلمين. مجلس متخصص } يتنوع الإفتاء بين الفردي والجماعي.. فما طبيعة العمل الإفتائي لديكم؟ - الإفتاء لدينا لا يصدر بشكل فردي، ولكن يصدر عن طريق مجلس متخصص لهذه الغاية يعرف بمجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية، ويتم تعيين أعضائه بقرار من مجلس الوزراء بناء على ترشيح المفتي العام، وهناك شروط يجب توافرها في أعضاء المجلس الإفتائي، حيث ينبغي أن يكونوا من العلماء والفقهاء المعروفين ببحوثهم ودراساتهم في العلوم الشرعية، وأن يكون كل واحد منهم حاصلاً على الشهادة الجامعية الأولى في العلوم الشرعية كحد أدنى، ومضت على حصوله عليها مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة. ولا شك أن الهدف الرئيسي لهذا المجلس الإفتائي ضبط الفتوى في المجتمع الأردني، والعمل على ألا تصدر الفتوى إلا من قبل مجلس متخصص بهذا الشأن، فليس كل شخص مؤهلاً لإصدار الفتوى وثمة علم كامل يعرف باسم آداب الفتوى يجب على من يتطلع لإصدار الفتوى أو الشخص المعروف بأنه مفت أن يدرسه حتى يتأكد من أن كل أحكامه واضحة ودقيقة وصحيحة. خطورة التطرف } قلتم إن لديكم تجربة في الأردن في مواجهة موجة العنف والتطرف باسم الدين ليس على مستوى بلادكم فقط بل على مستوى العالم.. فما ملامح هذه التجربة؟ - سبق أن أطلق الملك عبد الله الثاني، إلى العالم كله رسالة عمان، وأعقبتها خطوات أخرى مثل كلمة سواء وكذلك أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، الذي أقرته الأمم المتحدة كما شارك الأمير غازي بن محمد المستشار الديني والثقافي للملك، مع 126 عالماًَ من مختلف أنحاء العالم بتوقيع رسالة موجهة إلى ما يسمى ب داعش، حيث تم تفنيد الشبهات التي يستندون إليها في أفعالهم وبيان زيفها وبطلانها وقد تم هذا لأننا نشعر بالحاجة الشديدة إلى أصوات الاعتدال الديني في عالمنا العربي والإسلامي، نظراً لفداحة الثمن الذي تدفعه أمتنا وشعوبنا بسبب هذا العنف والتطرف. ومنطلقنا الأول من وراء كل ذلك بيان براءة الإسلام من هذه الأفعال التي يحاول أصحابها إلباسها عباءة الإسلام حتى وصل الأمر إلى الحرق والذبح والتخريب والتدمير باسم الإسلام ولهذا انطلقنا لمصارحة الأمة والعالم بخطر هذه الانحرافات والجرائم التي ترتكب باسم الدين ودعونا إلى الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية وإلى الحوار بين أتباع الأديان السماوية لتوضيح صورة الإسلام والتعريف بمقاصد الدين، القائمة على الاعتدال والسماحة والعفو. رموز جاهلية } يؤكد بعضهم أننا على أبواب جاهلية جديدة في ظل الحروب إلى يتم شنها على الدين من الداخل والخارج.. هل ترى ذلك؟ - يؤسفني القول إن هناك رموزاً للجاهلية الجديدة يحاولون تزيين الحرام والسخرية من الحلال مما يذكرنا بأيام الجاهلية قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان العالم يعيش في حالة من الفساد والفوضى والظلم والاضطراب. } ما دور الدعاة في مواجهة هذه الجاهلية الجديدة؟ - واجبهم أن يتعلموا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي حمل الرسالة الإسلامية ولم يأبه لقول الجهلة والمغرضين والمشككين وإنما كان يقول: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي. ولهذا يجب ألا يوهن لهم عزم ولا يضعفوا ولا يستكينوا وأن يقابلوا الأذى بالصبر والسفه بالحلم مثلما كان يفعل الأنبياء في دعوتهم لأقوامهم، وهنا تحضرني مقولة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول فيها: إذا لم يؤذ الداعية فليراجع نفسه، فلا بد أن يدرك من يعملون في حقل الدعوة أن الجمع بين راحة البال وبلوغ الآمال مستحيل، إذ لا يمكن تجاوز الأخطار والتحديات التي تواجه الدعوة إلا بالصبر والمثابرة وأن يكونوا يداً واحدة وعلى قلب رجل واحد في مواجهة التحديات والأخطار التي تحيط بخير أمة أخرجت للناس. } كيف تنظرون إلى فضائيات تنشر الدجل والشعوذة بين المسلمين عن طريق علاج الأمراض بالقرآن الكريم والرقية الشرعية وهدفها الحقيقي هو الربح المادي؟ - من المؤسف أن العلاج بالقرآن والرقية الشرعية أصبح اليوم باباً من أبواب التحايل على الناس، واستغلال الدين لتحقيق المصالح الدنيوية الخاصة، حيث امتهنته قنوات فضائية تسعى إلى تعليق الناس بالوهم والخرافة باسم القرآن الكريم، وقد علموا أن الله عز وجل أنزل كتابه هداية ونوراً للناس وليس ليأكلوا به الأموال أو يحققوا به الشهرة، أو يفسدوا به عقول الناس فيصرفوهم عن سنة التداوي التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم، ولهذا يستطيع كل إنسان أن يرقي نفسه وأهل بيته بالرقية الشرعية الملتزمة بضوابطها لا أن تكون مهنة للتكسب وأكل أموال الناس بالباطل. ومن هنا ندعو المسؤولين عن مؤسسات الإعلام في مختلف الدول العربية والإسلامية إلى منع جميع المحطات الفضائية التي تدعي علاج الأمراض بالقرآن الكريم والرقية الشرعية، فهذا واجب شرعي على المسؤولين لأن هذه الفضائيات تخرب العقول وتخدع البسطاء وتتاجر بهمومهم.
مشاركة :