مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية اللبنانية المقرر تنظيمها في الخامس عشر من مايو المقبل بدأت طبيعة التحالفات الانتخابية تتضح. وهذه التحالفات تعكسها 103 لوائح انتخابية تضم 718 مرشحًا موزعين على 15 دائرة انتخابية (قضاء أو أكثر) لاختيار 128 نائبًا في البرلمان. وتضم اللائحة الانتخابية عددًا من المرشحين على مقاعد نيابية عن إحدى الدوائر الـ15 وتكون موزعة بحسب التوزيع الطائفي للمقاعد البرلمانية. وتتوزع المقاعد الـ128 على النحو الآتي: 28 للسنة، و28 للشيعة، و8 للدروز، و34 للموارنة، و14 للأرثوذكس، و8 للكاثوليك، و5 للأرمن، ومقعدان للعلويين، ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية. فرصة حزب الله كمال فغالي: تيار المستقبل جعل حزب الله يخوض الانتخابات في مناطق السنّة يرى مراقبون أن انكفاء تيار المستقبل وتشظي قوى 14 آذار وأيضا غياب تماسك ووحدة قوى التغيير التابعة لانتفاضة 17 أكتوبر يصبّ في مصلحة التكتلات السياسية الموالية لإيران على غرار حزب الله. ويرجع خبراء هذا الواقع إلى غياب المكون السنّي الأبرز في لبنان “تيار المستقبل” وذلك بعد إعلان رئيسه سعد الحريري اعتكافه في يناير الماضي وعدم خوض تياره الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأعرب الحريري، رئيس الحكومة الأسبق، حينها خلال مؤتمر صحافي عن اقتناعه بأنه “لا مجال لأيّ فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”. وفي ظل تعليق الحريري عمله السياسي وعدم خوض تياره الانتخابات، فإن خبراء يرجّحون بأن يشكل ذلك فرصة لجماعة حزب الله (حليفة إيران) لتعزيز عدد مقاعد حلفائها السنّة داخل البرلمان. ومن أصل 28 نائبا سنيا في البرلمان، 6 منهم يعتبرون من حلفاء حزب الله ويطلقون على أنفسهم تسمية “اللقاء التشاوري”، ويمثلون مناطق مختلفة، وهم فيصل كرامي، وجهاد الصمد والوليد سكرية وعدنان طرابلسي وقاسم هاشم وعبدالرحيم مراد. وكما الحريري الذي أعلن عزوفه عن الترشح للانتخابات لأول مرة منذ عام 2005، كذلك فعل رئيسا الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، والأسبق فؤاد السنيورة، وهما من الشخصيات السنية البارزة في البلاد. ومنتصف مارس، أعلن السنيورة عزوفه عن الترشح في مؤتمر صحافي قال فيه إن “لبنان لا يستطيع أن يستمر على حاله هذه من دون دولة صاحبة سلطة، حيث أصبحت الدويلة (في إشارة لجماعة حزب الله) هي المسيطرة على لبنان”. وتتهم عواصم إقليمية وغربية وقوى سياسية لبنانية إيران بالهيمنة على مؤسسات الدولة، عبر حليفها حزب الله، وهو ما نفت طهران والحزب صحته مرارًا. بلا خصوم سُنّة محمد شمس الدين: التيار الوطني الحر خسر العديد من الشخصيات المسيحية التي كان متحالفًا معها يرى مدير مكتب “الإحصاء والتوثيق” (خاص) كمال فغالي أن “تحالفات قوى 8 آذار (الموالية لإيران) أكثر تماسكًا من قوى 14 آذار التي تعاني التفكك بسبب غياب تيار المستقبل عن الساحة السياسية والذي يعد العماد الأساس لهذه القوى”. وقال فغالي “صحيح أن قوى 8 آذار مربكة كمعظم القوى اللبنانية، إلا أن وجودها في السلطة ومن ضمنها حزب الله الذي يملك السلاح، يعطي تلك القوى اندفاعة أكبر ويجعلها أكثر تماسكًا من خصومها السياسيين”. وأشار إلى أن “غياب تيار المستقبل عن الانتخابات جعل حزب الله يخوض المعركة الانتخابية في المناطق ذات الوجود السنّي، من دون خصوم حقيقيين خصوصًا في طرابلس والضنية (شمال)”. ويمتلك حزب الله ترسانة كبيرة من الأسلحة والصواريخ، وتتهمه قوى سياسية لبنانية بتهديد الساحة الداخلية بهذا السلاح، بينما تقول الجماعة إنه مكرّس حصرًا للدفاع عن لبنان ضد إسرائيل التي تحتل مناطق جنوب البلاد. انحسار قوة الوطني الحر أما بالنسبة إلى حزب التيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس اللبناني ميشال عون نوه فغالي بأن “التفكك والخلافات تنخر هذا التيار، وهذا ما يعكس تخبّط قوى السلطة، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد”. وفي السياق ذاته، قال الباحث في مؤسسة “الدولية للمعلومات” (خاصة) محمد شمس الدين إن التيار الوطني الحر (حليف حزب الله) “خسر العديد من الشخصيات المسيحية التي كان متحالفًا معها في بعض المناطق بالانتخابات النيابية الماضية عام 2018”. ومن الشخصيات المسيحية التي خسر التيار الوطني الحر تحالفه معها في الانتخابات المقبلة، ميشال معوض ونعمة فرام وشامل روكزومنصور البون. لكن واقع التحالفات، يشير إلى تعزيز وتكريس التحالف بين الوطني الحر وحزب الله لاسيما في بيروت وبعبدا (وسط) وجبيل وكسروان (شكال) وزحلة وبعلبك الهرمل (شرق) وفق شمس الدين. أما أبرز خصوم هذا التحالف، فهو التحالف بين حزبي القوات اللبنانية الذي يتزعّمه سمير جعجع والتقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط، إلى جانب مرشحين كانوا محسوبين سابقًا على تيار المستقبل. قوى 17 تشرين فرصة حزب الله كرسها غياب تيار المستقبل بعد إعلان رئيسه الحريري اعتكافه وعدم خوض تياره الانتخابات البرلمانية المقبلة فرصة حزب الله كرسها غياب تيار المستقبل بعد إعلان رئيسه الحريري اعتكافه وعدم خوض تياره الانتخابات البرلمانية المقبلة يتفق الخبيران فغالي وشمس الدين على أن “قوى الثورة تراجعت حظوظها نتيجة عدم توحدها بلوائح انتخابية واحدة وتحت الشعارات نفسها؛ لأن تشكيل أكثر من لائحة لتلك القوى سيؤدي إلى تشتيت الأصوات وتراجع حظوظها بالفوز”. وفي أكتوبر 2019 اندلعت احتجاجات عارمة في معظم المناطق اللبنانية واستمرت عدة أشهر، عرفت فيما بعد بـ”انتفاضة 17 تشرين” وقوى “التغيير”، حيث رفع المحتجون حينها شعارات مناهضة لقوى السلطة (مؤلفة من 8 و14 آذار) متهمة إياها بالفساد. بدوره يؤكد ربيع الهبر مدير شركة “إحصاءات لبنان” (خاصة) أن أبرز تحالف بالانتخابات المقبلة هو بين التيار الوطني الحر وحزب الله، إلى جانب حركة أمل (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) في بعض المناطق. انقسام يهز حزب السوري القومي في المقابل، يؤكد الهبر بروز التحالف بين القوات اللبنانية وحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانب بعض الشخصيات التي كانت محسوبة على تيار المستقبل. أما بالنسبة إلى حزب “السوري القومي الاجتماعي” حليف النظام السوري، فقد انقسم مرشحوه على العديد من اللوائح خصوصًا في دائرة البترون، بعضهم انضم إلى لائحة التيار الوطني الحر والبعض الآخر الى تيار المردة (يتزعمه سليمان فرنجية). وتتزامن الانتخابات مع أزمة اقتصادية طاحنة وغير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار السلع الغذائية.
مشاركة :