* كشف تقرير، أعده فريق من هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» في عام 2014 «أن 42% من المستشفيات، والمراكز الصحية، خاصة الأهلية منها، تمنح إجازات مرضية مزوَّرة، أو غير مستحقة، لتبرير غياب الموظفين عن العمل تتصدر المملكة دول الخليج في عدد أيام الإجازات في القطاع العام، بما معدله 152 يوماً خلال السنة الواحدة، شاملة أيام عطل الأسبوع 104، والإجازة السنوية 26 يوماً، «صافية» من عطل نهاية الأسبوع، و5 أيام «إجازة اضطرارية»، و17 يوماً «إجازة العيدين» دون عطل نهاية الأسبوع. بالإضافة إلى الإجازات المذكورة في الفقرة السابقة، فإن كثيراً من دول العالم العربي، خاصة دول الخليج، تعاني من تفشي ظاهرة الإجازات المرضية غير المستحقة، ما يكلف الاقتصادات الوطنية مليارات الريالات، أو الدولارات، أو أي عملة نختارها لقياس التكلفة. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة عن عدد أيام الإجازات المرضية في المملكة، في القطاعين العام والخاص، «أو أني لم أوفق في الحصول على مثل تلك الإحصاءات أثناء بحثي لكتابة هذا المقال»، إلا أني أعتقد، أيضاً، بأننا نتصدر دول الخليج في عدد أيام الإجازات المرضية الممنوحة لموظفي القطاعين. وإذا جاز لنا تقدير عدد الإجازات المرضية بمقارنة الإحصاءات المتوفرة في دول الخليج الأخرى، وإذا جاز لنا أن نفترض بأن قوة العمل في المملكة تبلغ حوالي 15 ضعفَ قوة العمل في الكويت، مثلاً؛ وإذا بلغ عدد أيام الإجازات المرضية في الكويت «فقط في القطاع العام» سنة 2013 حوالي 4 ملايين يوم إجازة مرضية، فإن ذلك يمكن أن يساوي حوالي 60 مليون يوم إجازة مرضية في المملكة. ولغياب الأرقام الحقيقية عن الإجازات المرضية فسأفترض بأن هذا الرقم يشمل القطاعين العام والخاص في المملكة، تحفظاً. وإذا افترضنا أن قيمة اليوم الواحد تعادل 200 ريال «باحتساب معدل الرواتب الشهرية بـ 5 آلاف ريال، وهو أعلى من هذا في القطاع العام، بالتأكيد»، فإن تكلفة الإجازات المرضية المقدَّرة تعادل حوالي 12 مليار ريال سعودي. وقد كشف تقرير، أعده فريق من هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» في عام 2014 «أن 42% من المستشفيات، والمراكز الصحية، خاصة الأهلية منها، تمنح إجازات مرضية مزوَّرة، أو غير مستحقة، لتبرير غياب الموظفين عن العمل؛ وأن تلك التقارير يتم منحها بمجرد مراجعة الشخص الاستقبال، وإبداء رغبته في ذلك، وتسديده أجرة الكشف الطبي دون إجراء ذلك الكشف في كثير من الحالات، أو إجرائه صورياً في حالات أخرى». وبهذا يمكن تقدير تكلفة الإجازات المرضية المزوَّرة، أو غير المستحقة، بأكثر قليلاً من 5 مليارات ريال سعودي سنوياً. وأكاد أجزم بأن هذا تقدير محافظ جداً. كثيرٌ من هذه الإجازات تصدر لتبرير غياب قد تم بكامله، فعلياً، قبل مراجعة الموظف/ الموظفة المستشفيات، أو المراكز الطبية الخاصة، أي أن الموظف يغيب عن عمله في الفترة الصباحية، ثم يراجع الجهة الطبية لتبرير ذلك الغياب مساء، وحتى قبيل منتصف الليل. وقد سبق لي، شخصياً، أن كتبت خطابات بهذا الشأن إلى وزارات الصحة، والتعليم، والخدمة المدنية، قبل 8 سنوات «2007»، طالباً باستصدار مذكرة تفسيرية من وزارة الخدمة المدنية، لتكون دليلاً لموظفي القطاع العام، والمؤسسات الطبية، والإدارات الحكومية ذات الاختصاص للمادة الأولى من لائحة الإجازات المرضية، التي تنص على أنه «يتوجب على الموظف عند شعوره بالمرض، وعدم استطاعته مباشرة عمله، أن يتقدم لرئيسه المباشر في نفس اليوم بطلب إحالته إلى الجهة الطبية المختصة للكشف عليه، وتقرير ما يلزم نحوه». انتهى نص المادة، التي تعني، في نظري، أن الموظف يجب عليه قبل غيابه عن العمل، إن كان قادراً، أن يتوجه إلى رئيسه المباشر عند بداية الدوام، وهذا هو المقصود بعبارة «في نفس اليوم»، فلا يمكن أن يُقصد بهذه العبارة غير بداية الدوام، أو قبل نهايته، على أبعد تقدير، ولا يمكن أن يُطلب من الأطباء، أو الجهات الصحية، تبرير غياب الموظفين عن طريق الإجازات المرضية بأثر رجعي، كما يطالب كثير من الموظفين الذين نواجههم يومياً بإلحاح. أما بالنسبة للمادة الثانية، فإنها تنص على أنه «إذا لم يتمكن الموظف من الحضور بنفسه للإبلاغ عن مرضه بسبب عدم استطاعته ذلك، فعليه مراجعة أقرب جهة مختصة للكشف عليه، وتقرير ما يلزم نحوه». ونفترض بذلك أن الموظف في حالةٍ مرضية تمنعه من التوجه إلى مقر عمله، والاتصال برئيسه، لذلك، فإنه من الطبيعي أن يكون في حاجة مُلحَّة إلى تلقي العناية الطبية اللازمة، بدلاً من التوجه إلى مقر العمل في وقت الدوام الرسمي. ولذلك نصَّت هذه المادة على وجوب «مراجعة أقرب جهة مختصة للكشف عليه وتقرير ما يلزم نحوه»، توفيراً للوقت والجهد المطلوبَين من الموظف. ولم أتلقَّ رداً!
مشاركة :