لماذا نختلف نحن الأوكرانيين عن الروس؟ (مقال رأي)

  • 4/10/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

- عام 1918، نالت الدولة الأوكرانية استقلالها بدعم من الدولة العثمانية - نفذ الاتحاد السوفياتي سياسة الترويس الإجباري في أوكرانيا - نحن نختلف عن موسكو في اللغة والعقلية والنهج وسياسة الدولة. - نشعر بأننا جزء من أوروبا، ونشترك معها في القيم الديمقراطية قال لي مواطن تركي: "أينما ذهبت روسيا تجلب معها الخراب". وفي الوقت الحالي، نرى أن احتراق أوكرانيا يتزامن مع قدوم روسيا التي ضمّت في السابق شبه جزيرة القرم واحتلت دونباس (شرقي أوكرانيا)، قبل أن تشن هجومها العسكري واسع النطاق ضد كييف. في هذا المقال أود أن أتطرق إلى أسباب هذه الحرب، والتي تزامنت مع تزايد الاهتمام من قبل العديد من المواطنين الأتراك بتاريخ وثقافة أوكرانيا في محاولة لفهم ما الذي يجري. التاريخ الحقيقي لأوكرانيا يرجع تشكل الدولة الأوكرانية إلى سنوات قديمة في التاريخ. ففي القرنين التاسع والثاني عشر، كانت هناك دولة قوية على أراضي أوكرانيا الحديثة تسمى "كييف روس". (تُعرف أيضًا باسم "إمارة كييف"). كييف روس كانت تمتلك روابط مصاهرة مع بلدان أوروبية كبيرة مثل فرنسا وبولندا والمجر والدول الاسكندنافية وألمانيا. وفي عام 988 تحولت كييف إلى المسيحية القادمة من الإمبراطورية البيزنطية، وفي عام 1147 قامت كييف روس بتأسيس دوقية موسكو، في إطار مساعي الإمارة إلى توسيع رقعة المسيحية، ونشر الحضارة الغربية في تلك الأراضي. وبعد ذلك التاريخ بدأت "كييف روس" تدخل طور الضعف تحت وقع ضربات القبيلة الذهبية. لتحل محلها بعد ذلك مملكة غاليسيا فولينيا، التي حكمت حتى عام 1349. بعد ذلك، دخلت الأراضي الأوكرانية تحت حكم دوقية ليتوانيا الكبرى ثم أصبحت جزءًا من الكومنولث البولندي الليتواني قبل أن تتكون منطقة القوزاق ذات الحكم الذاتي في أوكرانيا ما بين عامي 1648 و 1764. استمر المجتمع الأوكراني في التطور على أساس القيم الأوروبية، وأعطى هذا التطور العالم أول دستور حديث يحمل قيم النظام الجمهوري. وقد جرى كتابة الدستور المشار إليه من قبل "هيتمان بيليب أورليك" في عام 1710 في أراضي الإمبراطورية العثمانية. بدأت دوقية موسكو تكتسب قوة على الساحة الإقليمية، فضلًا عن أن وقوعها تحت تأثير دولة القبيلة الذهبية لفترة طويلة أثر بشكل كبير على سياساتها الداخلية والطريقة التي تتصرف بها تجاه الدول الأخرى. بدأت دوقية موسكو في تلك الفترة بتنفيذ سياسة توسعية من خلال الاستيلاء على الأراضي المجاورة. ومع سيطرة موسكو على الأراضي الأوكرانية حدث اختلال في توازنات القوى في المنطقة. ب دأت موسكو المعززة بالموارد الأوكرانية بتغيير القوى المهيمنة في المنطقة وتقليل نفوذ الدولة العثمانية من منطقة شمال البحر الأسود، وسواحل بحر آزوف والقوقاز وأجزاء من منطقة البلقان فيما بعد. في الوقت نفسه، كان الهدف الرئيسي الآخر الذي لم تتخل عنه الدولة الروسية منذ 300 عام هو الوصول إلى المياه الدافئة (البحر المتوسط) ​. ما هي أهمية كييف بالنسبة لروسيا؟ الآن دعنا نعود إلى اسم "روس كييف". في بداية القرن الثامن عشر، أعلن بطرس الأكبر تغيير اسم الدولة من دوقية موسكو إلى الإمبراطورية الروسية. أدرك بطرس الأكبر أن كل إمبراطورية بحاجة إلى أساس أيديولوجي تقوم عليه القيم والثقافة والتاريخ، وبما أن دوقية موسكو لم تكن تمتلك هذه الأشياء، فقد قرر بطرس الأكبر "الاقتراض" من الأوكرانيين، أي من "روس كييف" هذه القيم والأسس، ولهذا السبب تعتبر كييف ذات أهمية تاريخية بالنسبة لروسيا ورمزًا لقوة الإمبراطورية. وفي عام 1708، حاول الأوكراني "هيتمان إيفان مازيبا"، بدعم من الملك كارل الثاني عشر ملك السويد، الخروج من "حضن" موسكو وخاض معركة ضد بطرس الأكبر بالقرب من بولتافا (مدينة في أوكرانيا). ومع ذلك، هُزم مازيبا وهرب إلى الدولة العثمانية، حيث وجد ملاذًا له ولأتباعه. أدركت الدولة العثمانية حجم التهديدات القادمة من الإمبراطورية الروسية، فأرسل السلطان العثماني جيشًا هزم جيش بطرس الأكبر عند نهر بروت وكاد أن يأسر القيصر في عام 1711. وعلى الرغم من الانتصار، لم يستطع بلتاجي محمد باشا، قائد الجيش العثماني آنذاك، تعزيز أهمية هذا النصر على طاولة المفاوضات. سمح هذا الوضع لموسكو بإعادة تجميع قواتها والخروج من الهزيمة بأقل قدر من الخسائر. وعام 1775، تم تدمير بقايا منطقة الحكم الذاتي للقوزاق قبل أن يتم الاستيلاء عام 1783 على شبه جزيرة القرم. وعام 1795 تم الانتهاء من تقسيم بولندا وتأجيل قضية استقلال أوكرانيا إلى فترة لاحقة. أوكرانيا في عهد الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الأولى، برزت قضية استقلال أوكرانيا كواحدة من أبرز القضايا التي تؤرق السياسة الروسية. وعام 1918، نالت الدولة الأوكرانية استقلالها بدعم من الدولة العثمانية. في ذلك الوقت، أعلن طلعت باشا (صدر أعظم/ رئيس وزراء) أنه سيناقش "القضية الأوكرانية" مع الروس فقط في حالة حضور وفد يمثل الأوكرانيين. تم وقتئذ التوقيع على اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية بين جمهورية أوكرانيا الشعبية والدولة العثمانية، كما جرى تبادل افتتاح البعثات الدبلوماسية في كييف واسطنبول. لكن ولسوء الحظ، لم تستطع الدولة الأوكرانية البقاء طويلاً فقد سارعت موسكو في اجتياح هذه الدولة وفرض سيطرتها على أراضيها، لكن هذه المرة تحت مسمى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (الاتحاد السوفييتي). أمعنت موسكو في استخدام الموارد الأوكرانية لبناء قوتها، في ظل استمرار الانتفاضات الشعبية وحركات التحرير والمعارضة. لماذا كان هذا يحدث؟ لأن الإمبراطورية الروسية حرمت الأوكرانيين من دولتهم، واستولت على أراضيهم، وحظرت استخدام اللغة والثقافة الأوكرانية. وفي وقت لاحق، نفذ الاتحاد السوفياتي سياسة الترويس الإجباري في أوكرانيا. أدت هذه السياسة إلى وقوع مأساة الهولودومور (القتل بالجوع)، التي تعتبر إبادة جماعية ضد الشعب الأوكراني، حيث تركت السلطات السوفييتية ملايين الأوكرانيين يموتون جوعاً. ومع ذلك، لم يكن هذا المصير ينتظر الأوكرانيين فحسب، بل كان أيضًا مصير جميع الشعوب التي استولت عليها إدارة الكرملين التي استخدمت القمع والنفي إلى سيبيريا ومصادرة حقوق الشعوب أداة ونهجًا للحكم. وهنا، لا ينبغي نسيان ترحيل تتار القرم من قبل نظام ستالين، ولا استيلاء روسيا على تاريخ أوكرانيا، وإعادة كتابته، وتدميرها أرشيف هذا البلد، ورفع مكانة كنيسة موسكو على حساب كنيسة كييف. ومع ذلك، استعادت أوكرانيا عام 2018، استقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عبر تحقيق العدالة التاريخية. بدون أوكرانيا لن تكون هناك إمبراطورية روسية بدأ التاريخ الحديث لأوكرانيا عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أوكرانيا. مر أكثر من 30 عامًا على ذلك الاستقلال، لكن الاتحاد الروسي لم يفوت أي فرصة لإعادة الهيمنة الروسية على كييف. وعبر التاريخ، حصلت أوكرانيا على استقلالها عدة مرات وخسرته للسبب نفسه، وهو الاجتياح الروسي. كما عاشت أوكرانيا تحت احتلال روسيا لأكثر من 300 عام وبفضل مواردها تحولت الأخيرة إلى إمبراطورية. إن تاريخ روسيا يقتصر على تاريخ موسكو، وليس تاريخ كييف، إلا أن روسيا لطالما أعادت كتابة التاريخ في محاولة للاستيلاء على القيم التاريخية لأوكرانيا لاعتقادها بأن الإمبراطورية الروسية لن تتحقق بدون ضم أوكرانيا. أما حول الحرب الروسية الأوكرانية أستطيع القول إنها مسألة وجود بالنسبة للدولة الأوكرانية، كما أن حركات التحرر الوطني الأوكرانية ضد روسيا سعت دائمًا للحصول على شركاء، لذلك فإن كييف تتفاعل بنشاط مع تركيا ودول أخرى. وكما ترون، فإن التطور التاريخي للدولتين والشعبين مختلف تمامًا عن بعضهما البعض. نحن نختلف عن موسكو في اللغة والعقلية والنهج وسياسة الدولة. الأوكرانيون والروس مختلفون تمامًا إلى جانب كونهم شعبًا حرًا ويؤمن بالفردانية، أستطيع القول إن الأوكرانيين مستعدون للدفاع عن حريتهم واستقلالهم حتى النهاية. نشعر بأننا جزء من أوروبا، ونشترك معها في القيم الديمقراطية، ومنفتحون على التعاون والمفاوضات والحل السلمي للنزاعات. من ناحية أخرى، نرى أن روسيا سياسيًا قريبة من الأنظمة الشمولية والاستبدادية وما تزال تقود نهجها السياسي بمنطق بطرس الأكبر ولينين وستالين وأخيراً (الرئيس الروسي) بوتين. فضلًا عن أن روسيا تتبنى نهج التوسعية والاعتقاد بأنها متفوقة على الجميع واستخدام لغة التهديد والوعيد ونشر الأكاذيب. وحول سؤال "لماذا استخدام نهج الحرب؟"، يمكننا العثور على إجابة لهذا السؤال في كتاب المؤرخ الروسي يفغيني تارلي، الذي يحمل اسم "حرب القرم". فمن وجهة نظر القيصر الروسي نيكولاي الأول (1796 - 1855)، تم بناء الإمبراطورية الروسية عن طريق الغزو، وأن بقاء الدولة مرتبط بقدرتها على الدفاع عن المناطق المحتلة وانتزاع أراضٍ جديدة وإخضاع مجموعات بشرية متنوعة لسلطة القيصر الروسي اللامحدودة. يقوم جوهر وجود روسيا على الصراع المستمر أو الحرب، والتفوق بالحرب فقط على الدول الأخرى، يثير شعور الروس بالفخر. في الوقت نفسه، وعلى الرغم من المساحات الشاسعة والثروات الطبيعية التي لا حصر لها، يعيش الروس في فقر مدقع، وعلى النقيض من هذا، يعيش بوتين ومن هم في السلطة من أصحاب الملايين حياة ترف وبذخ. الأوكرانيون والروس لا يشتركون في القيم لذلك، عندما أسمع أن الأوكرانيين والروس شعبان شقيقان، أطرح سؤالاً معقولاً: كيف يمكن لشخص كان يمسك بسكين في حلقك منذ قرون ويستخدمه أحيانًا أن يسمى أخًا؟ أو عندما يُقال على مسمعي إن بعض الأوكرانيين يتحدثون الروسية، أقول "ليس أولئك الذين يتحدثون نفس اللغة، ولكن أولئك الذين يتشاركون نفس القيم يمكنهم التعايش". نحن مختلفون تمامًا عن الروس، لأن القيم التي نتشاركها مختلفة جدًا. على الرغم من انتمائنا إلى نفس المجموعة اللغوية السلافية، إلا أن الروس لا يفهموننا عندما نتحدث الأوكرانية. من ناحية أخرى، نفهم اللغات السلافية الأخرى ويمكننا التحدث باللغة الروسية بشكل مريح. إذا سألت الروس عما إذا كانوا يفهمون اللغة البولندية أو التشيكية أو البلغارية، فإن إجابتهم تكون واضحة بالنفي. ووفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجريت مؤخّرًا، يؤيد 70 بالمائة من الروس الحرب ضد أوكرانيا. أي أنهم يؤيدون قتل المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن. نريد أن نعيش في سلام وطمأنينة مع جميع جيراننا. من ناحية أخرى، يريدون بناء الدولة الإمبريالية الجديدة على أجسادنا. لن نسمح بحدوث هذا الهراء. لقد دمرنا بالفعل أسطورة أن الجيش الروسي لا يقهر، وسوف نوقف طموحات بوتين الأسطورية والمشبوهة. ​​​​​​​------------------------------------------- فاسيل بودنار، سفير أوكرانيا في أنقرة. * مقالات الرأي المنشورة لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.

مشاركة :