في مرات كثيرة كان الاعتداء على الأماكن الدينية يأتي من قبل إسرائيليين، سواء أكانوا من المسؤولين أم من المستوطنين الذين يتعمدون المساس بالمسجد الأقصى غالبا، لكن الاعتداء هذه المرة جاء من قبل فلسطينيين حيث خرب شباب مقام "قبر يوسف" الأحد في نابلس بالضفة الغربية، وأضرموا فيه النار. ويحظى المقام بقدسية خاصة عند اليهود. وجاء الحادث في وقت شرعت فيه قوات الاحتلال بتنفيذ عمليات تفتيش واسعة عن هاربين بعد سلسلة هجمات استهدفت إسرائيليين وأدت إلى مقتل وجرح العديد منهم. وقالت وسائل إعلام محلية إن عشرات من الفلسطينيين شاركوا في مسيرة انطلقت من وسط مخيم بلاطة للاجئين في شرقي نابلس تنديدا بالإجراءات الإسرائيلية المتعسفة في مدينة جنين ومخيمها. ووصلت مسيرة إلى مقام النبي يوسف وحطم مشاركون فيها الأبواب ودمروا رخام القبر ومقتنياته وأشعلوا النار في جزء منه، وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية مجموعة من الشباب وهم يقومون بالتحطيم، قبل أن تتدخل قوة أمن فلسطينية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن "حادث انتهاك حرمة قبر يوسف أمر خطير للغاية، وإسرائيل ستحرص على ترميم المكان وإعادته إلى سابق عهده على وجه السرعة، واتخاذ كافة التدابير تجنبًا لتكرار مثل هذا الحادث". ووجهت الحكومة الإسرائيلية رسالة حادة إلى السلطة الفلسطينية طالبتها بتكثيف تواجد قواتها في المكان واتخاذ إجراءات صارمة بحق من اعتبرتهم “يمسون بالاستقرار والأمن والأماكن المقدسة”. ويكمن الخطر في أن يدخل على خط المواجهة متطرفون إسرائيليون انتقاما من تخريب المقام. وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب لـ”العرب” أن الاعتداء لا يستهدف المكانة الدينية لقبر النبي يوسف الذي لديه قدسيته عند الفلسطينيين. وأضاف أن العمليات الأخيرة التي نفذها شباب فلسطينيون بطريقة فردية داخل إسرائيل “نتيجة طبيعية لفقدان الأمل الذي أصاب المواطنين العاديين في الوصول إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، وأن مساعيها نحو السلام الاقتصادي فقط لا تكفي لتهدئة الأوضاع لأن انتفاضات سابقة وقعت في أوقات رخاء اقتصادي”. وجاء الحادث ردًّا على اقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين (شمال) وسط دعوات إلى تخفيف الحصار عن أهالي المدينة، وهو ما دفع أهالي مخيم بلاطة الذي يتواجد فيه قبر يوسف إلى الخروج في مسيرات تندد بالإجراءات الإسرائيلية. Thumbnail ولم يحل وجود اتفاق ضمني بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل يقضي بالهدنة دون استبعاد تكرار الحوادث الفردية ضد قوات الجيش وداخل المدن الإسرائيلية، ففي الوقت الذي تلتزم فيه حركات المقاومة بالصمت العسكري تصاعدت حدة الاشتباكات ذات الطابع الفردي بما لا يضمن استمرار ضبط النفس بين هذه الحركات وإسرائيل. وذكر رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية سمير غطاس أن التطورات الحاصلة في نابلس جاءت عقب تنفيذ أربع عمليات من جانب الفلسطينيين داخل إسرائيل، وأن هناك شعورا يسود بإمكانية اندلاع انتفاضة على غرار ما جرى في العام 2000 عندما اقتحم أرئيل شارون وزير الدفاع حينئذ المسجد الأقصى. ويرجع المراقبون تزايد معدلات العنف بين الجانبين إلى توتر العلاقة بين الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية الذي أرخى بظلال سلبية على عملية التنسيق الأمني بينهما. وأشار غطاس إلى أن إدانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس حوادث قتل الإسرائيليين لم تكن مقنعة للرأي العام داخل إسرائيل الذي يرى أنها تأتي في إطار لعبة سياسية. ولفت إلى أن هناك قناعة بأن حركة فتح وعناصرها في الضفة الغربية يعدون خطرا كبيرا حاليا بعد أن فقدت العمليات التنظيمية قدرتها على التهديد، وهناك تقديرات إسرائيلية تشير إلى عدم استبعاد حدوث تصعيد في العمليات الفردية خلال شهر رمضان أسوة بما حدث في السابق. وتصاعدت التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع بداية شهر رمضان الجاري، والذي يتزامن هذا العام مع أعياد يهودية ومسيحية رئيسية، ما يشي بأن الموقف قابل للانفجار ويمكن أن يفضي إلى مواجهات أكثر دموية. ويتاخم قبر يوسف مخيم بلاطة بشرق نابلس في منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية، ويشكل “مقام يوسف” كما يسميه الفلسطينيون بؤرة توتر تتجدد باستمرار بينهم وبين الإسرائيليين منذ احتلال نابلس عام 1967. Thumbnail وأنشأت إسرائيل عام 1986 مدرسة يهودية في المقام لتدريس التوراة وبعد أربعة أعوام تحول القبر إلى نقطة عسكرية يسيطر عليها الجيش وصنفته وزارة الأديان وقفا يهوديا. ويؤكد علماء فلسطينيون أن الموقع أثر إسلامي مسجل لدى دائرة الأوقاف الإسلامية وكان مسجدا قبل الاحتلال الإسرائيلي، ويضم قبرا لشيخ صالح من بلدة بلاطة البلد يدعى يوسف دويكات وتاريخه لا يتجاوز بضعة قرون. ويردد الإسرائيليون رواية أخرى مناقضة تعتبره موقعا يهوديا مقدسا، ويزعمون أن عظام النبي يوسف بن يعقوب أحضرت من مصر ودفنت في هذا المكان. ويتهم الفلسطينيون هذه الرواية بالتزييف، ويقولون إنها تهدف إلى إحكام سيطرة إسرائيل على هذه المنطقة باستخدام حجج دينية مشكوك في صحتها. ويزور المستوطنون الموقع تحت حماية الجيش الإسرائيلي وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وتؤدي زيارة المستوطنين إلى قبر يوسف عادة لغلق المنطقة المحيطة به. وشهد محيط قبر يوسف في سنوات ماضية صدامات قتل فيها عدد كبير من الإسرائيليين والفلسطينيين، أشهرها وقعت عام 1996 عندما اشتبك الأمن الوطني الفلسطيني مع الجنود الإسرائيليين وسقط قتلى وجرحى من الطرفين.
مشاركة :