عاد السجال إلى الواجهة بين الحكومتين المتمسكة كل منهما على حدة بمهامها في ليبيا، عقب قرار ممثلي الجيش الليبي تعليق عملهم في اللجنة المشتركة 5+5، ودعوتهم إلى إيقاف تصدير النفط، وإغلاق الطريق الساحلي بين مدينتي سرت ومصراتة، ووقف تسيير الرحلات الجوية بين الشرق والغرب، وقطع جميع أوجه التعاون مع حكومة الوحدة المنتهية ولايتها. وفي بيان صدر صباح الأحد شددت الحكومة الليبية الجديدة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا على ضرورة التحلي بضبط النفس، وعدم الانجرار وراء التصعيد السياسي والعسكري المتعمد من قبل الحكومة منتهية الولاية، معتبرة أن "كافة السبل ضاقت بها، لذلك باتت تسعى إلى اعتماد سياسات استفزازية تهدف إلى إيقاف إنتاج النفط وقطع الطرق والمواصلات البرية والجوية بين الشرق والغرب والجنوب، والتحريض على العنف والصدام بين الشعب الليبي". وكان مجلس النواب الليبي قد كلّف باشاغا بتشكيل حكومة جديدة منحها الثقة مطلع مارس الماضي، إلا أن حكومة الوحدة رفضت تسليم مهامها للحكومة الجديدة، مطالبة بإجراء الانتخابات أولا، ثم تسليم السلطة لجهة منتخبة بشكل مباشر من الشعب. وأكّدت الحكومة ضرورة تجنيب المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار من دائرة الاستقطاب والاستغلال السياسي، والالتزام بدعمها وفق أسس وطنية متجردة. واتهمت رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بالسعي إلى تعميق الانقسام في البلاد من خلال سياسات استفزازية تهدف إلى إيقاف إنتاج النفط، وقطع الطرق والمواصلات البرية والجوية بين الشرق والغرب والجنوب، والتحريض على العنف والصدام بين أبناء الشعب الواحد. وحمّلت حكومة الدبيبة مسؤولية "ما تمر به البلاد من فوضى أمنية وسياسية، سببه تعنت حكومة الوحدة واغتصابها السلطة بالمخالفة للشرعية الدستورية". كما اتهمت حكومة الدبيبة "بإهدار متعمد للمال العام وتسخيره لمصالح شخصية وسياسية ضيقة، واستغلال إيرادات النفط على غير الأوجه الصحيحة في شكل فاضح من أشكال الفساد، بما يهدد المركز المالي للدولة وينال من حقوق الشعب الليبي تجاه مقدراته وثرواته التي صارت مرتهنة بإرادة عُصبة خارجة عن القانون". وأشارت حكومة الاستقرار إلى أن موقفها ينبع من حرصها على تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار، وسعيها لتوحيد المؤسسات المنقسمة وخصوصا المؤسسة العسكرية، من خلال دعم اللجنة العسكرية المشتركة. وتأسست اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 عام 2020 بموجب اتفاق برلين لوقف الحرب، التي كانت تدور في ضواحي العاصمة طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق الوطني. وتضم اللجنة خمسة أفراد من كل طرف. وساهمت اللجنة بعد ذلك في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيته، هذا بالإضافة إلى إعادة فتح الطريق الساحلي وأجواء الطيران الداخلية بالبلاد، وكذلك تأمين جلسة منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية التي جرت في مدينة سرت، والبدء في توحيد جهاز حرس المنشآت النفطية، وكذلك المساهمة في إعادة ضخ مياه النهر الصناعي من جنوب البلاد. ولم تتمكن اللجنة من إنهاء أحد أهم الملفات الملقاة على عاتقها وهو توحيد المؤسسة العسكرية. وحمّلت حكومة باشاغا حكومة الدبيبة مسؤولية العواقب الناتجة عن التدخل في شؤون المؤسسات السيادية، مجددة التأكيد على قُرب استلامها لمهام أعمالها من العاصمة طرابلس بالطرق السلمية، وإنهاء مظاهر الفوضى الأمنية والفساد المالي. ونفى اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم قوات الجيش الليبي، إصدار المشير خليفة حفتر أو الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة باشاغا أوامر بغلق الموانئ والحقول النفطية في البلاد اعتبارا من الأحد. وقال المسماري في بيان مقتضب عبر صفحته الرسمية على فيسبوك بعد منتصف ليل السبت - الأحد "أخبار مزورة لا أساس لها من الصحة". وكان ممثلو الجيش الليبي قد أعلنوا عن ذلك في وقت سابق مساء السبت في بيان مصور لهم تعبيرا عن استيائهم من حكومة الدبيبة، على خلفية عدم صرف مرتبات العسكريين منذ أربعة أشهر، بينها شهر رمضان الحالي، وتمسكها بالسلطة. وقال أعضاء اللجنة ضمن البيان "لقد فوجئنا بما قام به رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة من إجراءات عرقلت عمل اللجنة، وشكلت خطرا جسيما على الأمن القومي لبلادنا، ومنها النهب الممنهج وغير المسبوق لأموال الليبيين بما لا يخدم الوطن، وعدم انصياعه لقرارات مجلس النواب". وأضاف أعضاء اللجنة أن "الدبيبة نكث عهده بعدم ترشحه للانتخابات التي قام بعرقلتها بحجج واهية، وكذلك الفساد المالي الذي سجل على الحكومة ووزرائها وإحالة الكثير منهم إلى التحقيق، وهيمنة عائلة الدبيبة على الحكومة وقراراتها". وأشار أعضاء اللجنة إلى "عدم تعيين وزير للدفاع واحتفاظ الدبيبة بالحقيبة لأغراض شخصية، هذا بالإضافة إلى إيقاف صرف مرتبات القوات المسلحة في الشرق أكثر من مرة، وبعض المؤسسات الأخرى بالمنطقة الشرقية، وفي المقابل قام بصرف مبالغ طائلة على بعض المجموعات المسلحة في غرب البلاد لشراء ذمتها وكسب ودها لتأمين حماية الحكومة ورئيسها". واعتبر الأعضاء "تصرفات حكومة الوحدة مخالفة صريحة للاتفاق السياسي وانتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وفق المعايير والمواثيق الدولية"، وأكدوا أنهم ماضون في تعليق أعمالهم إلى حين النظر في مطالبهم. ويأتي هذا البيان في وقت تشهد فيه ليبيا بداية عودة ملامح الانقسام السياسي، حيث رفضت حكومة الدبيبة تسليم مهامها إلا لسلطة منتخبة، في حين تصر الحكومة الجديدة على استلام مهامها في عاصمة البلاد طرابلس، وذلك بعد استلام ديوان رئاسة الوزراء في عاصمتي الشرق والغرب. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :