د.عزة القصابية في السابع والعشرين من شهر مارس، يوم المسرح العالمي، كانت الجمعية العمانية للسينما والمسرح على موعد للاحتفال بهذه المناسبة من خلال قراءة كلمة يوم المسرح العالمي التي قدمتها الفنانة القديرة عائشة فقير، وتوج الاحتفال بتقديم عرض مسرحي لفرقة "نخل" الأهلية للمسرح. مسرحية "أصفاد" من تأليف وإخراج الشاب عبدالله الرواحي، أنتجت المسرحية بتكاتف الشباب من أعضاء فرقة نخل الأهلية للمسرح، والذين اجتهدوا جميعًا لتقديم عرض مسرحي يعبر عن روح الفرقة المسرحية القادمة من ولاية نخل ذات النخيل الباسقة والحقول الخضراء. تُعد مسرحية "أصفاد" من النوع المسرحي الديكو-دراما؛ وهو عرض ثنائي من بطولة الفنانين الشابين يحيى الحراصي وخديجة البلوشي، واللذين تمتعا بأداء تمثيلي رشيق متناسق مع روح الخشبة وجمالية العرض البصري المتشح باللون الأحمر القاني. تحمل المسرحية دلالات رمزية وواقعية في آن واحد، لأنَّ المخرج والمؤلف استخدم لغة السرد والحوارات كوسيلة للتأكيد على موضوع المسرحية الذي يتحدث عن حياة زوجين يُعانيان من الخلافات المستمرة بينهما. وهذا جعل الحدث يدور في حلقة مفرغة قائمة على التراشق اللفظي والكلامي، فمنذ اللحظة الأولى التي توقف الممثلان فيها عن الحديث، كانا يعلنان عن بداية حوار آخر... وهذا الأمر يشكل صدمة للمشاهد ويؤكد أن التعايش بين الشخصيتين صعب للغاية!. اكتنزت المسرحية بعدد من الدلالات الرمزية المرتبطة بالحالة النفسية للشخصيتين، وكأنهما سجنين في قفص الحياة الموصد بالكثير من التابوهات والقوانين والعادات والتقاليد الاجتماعية! وفي الوقت ذاته، كانت كلا الشخصيتين تحاول إسقاط الأثر النفسي على الأخرى، ليستمر الصراع غير المنطقي بينهما فالرجل يسقط معاناته الحياتية على المرأة والمرأة على الرجل، وهكذا دواليك. وظلت المرأة تعاني من الأصفاد (الأغلال) حتى أفصح الرجل عن صولاته وجولاته المتتالية وظل الاثنان يعيشان في علاقة عبثية، وكأن الحياة والقدر ألزمتهما بضرورة التصالح مع ذواتهما المثقلة بقضايا الحياة. تخلل العرض إضاءة ثابتة على مستوى واحد، أما الموسيقى فقد اعتمدت على المؤثرات التسجيلية التي وظفت حسب الحدث والمواقف التي تعيشها الشخصيتان، مع استخدام الإظلام كفاصل لحدوث الانتقالات السريعة والعفوية. ظهرت على الخشبة "مقصلة الأصفاد" للدلالة على القيود الداخلية والتابوهات والمسلمات الاجتماعية المتغلغلة في نفسية الشخصيتين منذ ظهورهما. وتدفق الحدث الدرامي حسب حالات الضياع التي يعيشها الاثنان، وصراعهما بين الأنا والضد، الرجل والمرأة والخير والشر والحب والكره..على اعتبار أن الإنسان هو كائن تتراكم في نفسه عددا من المتضادات اللامتناهية. كشفت حركة الحدث الدائري عن التداخل بين الجنسين؛ الذكر والأنثى؛ وكأنهما يعانيان من شيزوفرينيا مزمنة، وهذا ما يبرر ارتكاب الفعل وضده في آن واحد. فنجد المرأة تتحدث عن أحلامها كأنثى وأنها ضد الرجل الذي يسعى إلى تكبيل حريتها وقمعها ومنعها من الحديث والتعبير عن نفسها. وسرعان ما يتغير أسلوب التعامل بين المرأة والرجل، عندما يعامل الرجل المرأة بأسلوب يُعبر عن مشاعره الودية....ولكنه سرعان ما يعود إلى اللاوعي الدفين؛ إذ تمثل له "المرأة" مجرد جسد يشبع رغباته فحسب، لذلك يتجرد من إنسانيته، ويتنمر ويتنكر للزوجة/ المرأة ويعاقبها بصوت مسموع! استمر العرض لمدة تتجاوز الساعة في سرد العلاقة الجدلية المفتوحة، وتمكن الممثلان من تأدية أدوارهما بألق فني وجمالي، وكأنهما في سجال وتحد للتخلص من الأصفاد...والمتابع للأحداث يجد أن الأصفاد - في الحقيقة "وهمية"؛ لا وجود لها في الواقع. ورغم محاولة المخرج عبدالله الرواحي في جعل "الأصفاد" حاضرة من خلال "المقصلة" الماثلة على خشبة المسرح، إلا أن البُعد النفسي للأصفاد كان حاضرا بقوة في ذات كلا الشخصيتين المتنافرتين. وقد أكد المخرج والمؤلف الرواحي تآلف روح البطلين، والتحامهما مع "المقصلة/ اللوحة" التي ترمز للمرأة التي كان الرجل يحاول أن يرسمها، وسرعان ما تكشفت شخصيته، عندما بدأ في التنمر عليها، والتحدث عن مغامراته السابقة مع النساء، كضحايا لتمثيله وكذبه وخداعه الزائف! وعن رغباته "السادية" والقضاء على حريتهن والانتقام منهن ! وتماثلت حركة الممثلين مع اتساع المسرح بشكله الطولي، وحدد المخرج منطقة معينة للحركة والأداء التمثيلي، وكانت الإضاءة الغالبة على المسرحية (الفرش أو الإضاءة عامة)... مع الإظلام حسب المواقف التي اختارها المخرج، وربما يرجع ذلك إلى إمكانيات المسرح. وتظل مسرحية "الأصفاد" محاولة شبابية سعى خلالها عبدالله الرواحي وفريقه الفني لتقديم عرض مسرحي بجهود ذاتية، بروح الشباب المتقدة بحب المغامرة والعطاء والتجريب، وتوظيف الكثير من الدلالات الجمالية المرتبطة بالخير والجمال.
مشاركة :