عند الحديث عن أي مشروع نهضوي في لبنان أو عن قضايا الإصلاح والتغيير نحو الأفضل، تُلقى المسؤوليات سريعاً من قبل المسؤولين السياسيين كما الخبراء والمحلّلين على الشباب بإعتبار أنّ التغيير مهمّة تقع على كاهلهم، وهم الأولى بإحداث التطوّرات على صعيد تحسين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبمجرد المقارنة مع الحراك الشبابي المستمر في العديد من الدول العربية وخصوصاً مصر وتونس، يبدو الشباب اللبناني الأكثر «خمولاً»، خصوصاً أنّ الإنتخابات الجامعية الذي كان يعوّل عليها كثيراً لتقديم رؤية شبابية جديدة ومختلفة أعادت فرز المنطق الطائفي والمذهبي نفسه في مختلف الجامعات الخاصة التي أجريت انتخاباتها الطالبية منذ بداية الـسـنة الدراسية في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي وحتّى الآن. وقد أثبت ذلك تحكّم الأحزاب والتيارات السياسية بشكل مطلق بالفئات الشبابية، على رغم المحاولات الحثيثة للخرق من قبل المستقلّين وذوي التوجّه العلماني أو المدني. فهل فات زمن التغيير بالنسبة للشباب اللبناني من دون عودة أو أنّ الأمل ما زال موجوداً بأن يحقّقوا نقلة نوعية تغيّر الواقع الذي عايشه أهاليهم؟ ينقسم الشباب اللبناني اليوم الى ثلاث فئات رئيسية من ناحية العمل السياسي في الجامعات، التي تُعتبر ركيزة التحرّكات الشبابية عبر التاريخ في لبنان. فهناك أولاً الشباب الحزبي أو الذي ينتمي الى تيارات سياسية معيّنة والذي لا يرى التغيير إلا من خلال إنتصار الفريق الذي ينتمي إليه على الطرف الآخر وحسم الصراع في لبنان لمصلحته. والفئة الثانية تشمل الشباب الذين لا يتعاطون في القضايا السياسية وكلّ ما يرتبط بالشأن العام، وهم باتوا الأكثرية في ظلّ الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تجبرهم على العمل لساعات طويلة ما يسـتنزفهم بـشكل كامل ويـحدّ من قـدرتـهم علـى الـمشـاركة فـي أي نـشاطات أخـرى. ويـقـول الطـالـب عمر خـير اللـه حـول هذه النقطة أنّ «الكثير من الشباب ملّوا من لعبة السياسة، وهم لا يريدون إلا إنهاء اختصاصهم والعمل وتأسيس أسرة، لذا هم يكرّسون كلّ أوقاتهم للعمل الذي يمكن أن يعود عليهم بالفائدة، فيما السياسة لا طائل منها». أمّا الفئة الثالثة فهي محدودة العدد، وتشمل «الثوريين» أو المؤمنين بأهمية التغيير، وهم ما زالوا يضحّون بوقتهم وجهودهم لتحقيق أفكارهم بهدف خرق الطبقة السياسية الحاكمة عبر أفكار طموحة، وقد أثبتوا أنّهم قادرون على إظهار رأيهم ولو ضمن نطاق ضيّق في الانتخابات الطالبية. فكما تقول الطالبة المستقلة أماني العلى «التغيير لن يكون إلا على يد هؤلاء الاشخاص الذين يعرفون أنّ الطبقة السياسية الحالية قد وصلت الى مرحلة الهريان وهي لا تستطيع مجاراة طموحات الشباب الذين يضطرون الى الهجرة بسبب البطالة المنتشرة بكثافة خلال السنوات الاخيرة». لكن المشكلة المرتبطة بهذه الفئة تحديداً عدم وجود إطار جامع لها بعد، فيجد الكثير من المستقلّين أنفسهم وحيدين في معارك إنتخابية طاحنة بمواجهة أحزاب ذات تاريخ طويل وتنظيم متمرّس. الحاجة الى كوادر من المستقلّين السؤال الذي يطرح نفسه في كلّ جامعة لبنانية اليوم سواء رسمية أو خاصة هو: أين الطلاب من النضال لأجل القضايا الوطنية المشتركة العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق؟ وهل بات نموذج الحراك في الجامعات يقتصر على المشاحنات الحزبية كما حصل أخيراً في جامعة القديس يوسف؟ يرى الناشط السياسي وأحد مؤسسي مجموعة «نحو الجمهورية» مروان معلوف، أنّ الجامعات اليوم لا تؤدي دورها السياسي وهذه هي الحال منذ العام 2005 بسبب السيطرة الحزبية شبه الكاملة عليها. ويستذكر معلوف فترة التسعينات حين كان الطلّاب يتظاهرون ويقطعون الطرقات احتجاجاً على خروقات تمسّ بالدولة والمؤسسات، فيما هذه التحرّكات غائبة اليوم رغم التمديد الحاصل للمجلس النيابي وحصول الكثير من الانتهاكات للقوانين. ويلفت معلوف الى أنّ غياب الكوادر من الشباب المستقلّين ضمن الجامعات هو الذي يزيد من قوّة الأحزاب والتيارات السياسية فيها، فيما كان المستقلّون من قبل يخوضون المعارك الانتخابية ويصلون الى أعلى المناصب من خلال ثقة الطلاب بهم. كما يشير معلوف الى موضوع رئيسي يمنع الحراك الطالبي الوطني في الجامعات، وهو وجود قوانين لا تسمح بوصول المستقلين إنما تعطي الافضلية للطلاب الحزبيين، فيما تمنع جامعات أخرى النشاط السياسي ككلّ ما يُعتبر خطيراً من ناحية انسحاب الشباب من المشاركة في الشأن العام وصنع القرار. انطلاقاً من هنا، تعمل مجموعة «من أجل الجمهورية» على بناء كوادر من الشباب المستقلين في الجامعات وترسيخ خطاب وطني يرتكز على مفهوم دولة المؤسسات والقوانين وليس الطوائف والاحزاب. ويُذكَر أنّ هذه المجموعة لم تبدأ تحرّكاتها إلا منذ فترة قصيرة، ولكنّها استطاعت لفت نظر الرأي العام اللبناني وخصوصاً الشباب الذين يؤيدون أي نشاط تقوم به عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن تجربة «من أجل الجمهورية» لا يمكن أن تقلب الموازين كلّها، فهناك حاجة لدعم شبابي أكبر وحراك ضمن الجامعات لمصلحة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشتركة بين اللبنانيين. وحتّى الآن، ما زالت الفئة الأكبر من الشباب في لبنان غير مؤمنة بأنّ التغيير ممكن، وهذا تحديداً ما أسقط كلّ التحرّكات التي نظّمت سابقاً لإسقاط النظام الطائفي. فقد انطفأت هذه الحركة تاركة وراءها صوراً لآلاف الشباب المجتمعين على شعار واحد.
مشاركة :