تصدّر إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأحد بفارق بضع نقاط مئوية عن منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وسيتواجه الاثنان في الدورة الثانية في الرابع والعشرين من أبريل التي تبدو نتيجتها غير محسومة. ومع فرز أكثر من 90 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، أظهرت التوقعات أن ماكرون حصد من 28 إلى 29 في المئة، مقابل ما بين 22 و24 في المئة للوبان. ودعا المرشحان النهائيان على الفور إلى تجمعين حاشدين، وشكر ماكرون المرشحين الخاسرين الذين دعوا إلى قطع الطريق أمام مرشحة أقصى اليمين، في حين حضت لوبان "كل من لم يصوتوا" للرئيس المنتهية ولايته على "الانضمام" إليها. وأعرب ماكرون عن استعداده لإنشاء هيكل جديد جامع بعيدا عن "الخلافات"، يكون "حركة سياسية كبيرة للوحدة والعمل". وعلى وقع هتافات "ماكرون رئيسا"، لوّح نحو ألف من أنصاره بالأعلام الفرنسية والأوروبية مساء الأحد، كما عبّروا عن فرحتهم مرددين شعار "عام، عامين، وخمسة أعوام أخرى". وكان المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون قريبا من الترشح إلى الجولة الثانية مع نيله نحو 21 في المئة من الأصوات. وكان مرشحا الحزبين التقليديين الاشتراكي والجمهوري في طريقهما لتحقيق هزيمة مهينة ونتائج منخفضة غير مسبوقة. وأعلن ماكرون مساء الأحد أنه سيطلق حملته الانتخابية الاثنين من شمال فرنسا، بينما من المقرر أن تلتقي لوبان بفريق حملتها قبل أن تستأنف جهودها على مستوى القواعد في البلدات الصغيرة والريف الفرنسي في وقت لاحق الأسبوع المقبل. وأظهرت الاستطلاعات الأولى التي أجريت مساء الأحد حول نوايا التصويت في الدورة الثانية، أفضليّة ضيّقة لماكرون بحصوله على 51 في المئة من الأصوات وفق استطلاع "إيفوب - فيدوسيال"، و54 في المئة وفق استطلاع معهد "إبسوس"، وهي نسبة أدنى بكثير مما حصدها عام 2017 (66 في المئة). فرنسا وقالت لوبان بعد إعلان النتائج إن "ما سيحدد في الرابع والعشرين من أبريل سيكون خيارا للمجتمع والحضارة"، متعهدة خصوصا بـ"استعادة سيادة فرنسا". وشدد ماكرون أمام أنصاره في مقر حملته على أنه "لم يحسم شيء بعد" في الانتخابات، لافتا إلى أن "النقاش الذي سنخوضه لمدة 15 يوما سيكون حاسما بالنسبة لبلدنا وأوروبا". ودافعت مارين لوبان عن رؤيتها المتمثلة في "تجميع الشعب الفرنسي حول العدالة الاجتماعية والحماية، اللتين يضمنهما إطار أخوي حول فكرة الأمة التي يمتد تاريخها إلى ألف عام"، معتبرة أن ذلك نقيض "الانقسام والظلم والفوضى التي فرضها إيمانويل ماكرون لصالح قلّة قليلة". أما الرئيس المنتهية ولايته فقال إنه يريد "فرنسا أن تكون جزءا من أوروبا قوية، تواصل تشكيل تحالفات مع الديمقراطيات الكبرى للدفاع عن نفسها، وليس فرنسا التي تغادر أوروبا ليكون حلفاؤها الوحيدون التحالف الدولي للشعبويين وكارهي الأجانب"، في إشارة إلى لوبان التي تتمتع بعلاقات جيدة مثلا مع رئيس الوزراء المجري الشعبوي فيكتور أوربان. وسيكون الامتناع عن التصويت إحدى قضيتين رئيسيّتين في الدورة الثانية، إضافة إلى الحصول على أصوات ناخبي المرشحين المنهزمين في الدورة الأولى. وتشتد حالة الاصطفاف السياسي في فرنسا لحسم السباق الانتخابي الرئاسي، بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الدورة الثانية في الرابع والعشرين من أبريل. ودعا المرشح اليميني المتطرف إريك زمور، الذي نال نحو سبعة في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، مساء الأحد ناخبيه إلى التصويت لمنافسته في اليمين المتطرف مارين لوبان في الدورة الثانية، في مواجهة ماكرون. وقال زمور أمام أنصاره "لدي خلافات مع مارين لوبان. ولكن هناك في مواجهتها رجل أدخل مليوني مهاجر، ولم يتطرق البتة إلى موضوع الهوية. لن أخدع بخصمي"، داعيا إياهم إلى "التصويت لمارين لوبان". وعلى الجانب الآخر دعا مرشحو اليمين وحزب الخضر والحزبين الشيوعي والاشتراكي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، الأحد إلى التصويت للرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون في الدورة الثانية لقطع الطريق على لوبان. ويمثل هؤلاء المرشحون نحو 15 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى بحسب التقديرات. ومع ذلك، فإن تأثير تلك الدعوات لا يزال غير مؤكد بالنظر إلى أن شخصية إيمانويل ماكرون مثيرة للانقسام، لاسيما بين بعض الناخبين اليساريين. واعتبرت القيادية في حزب الخضر المدافع عن البيئة ساندرين روسو أن على الرئيس المنتهية ولايته أن "يقنع الناخبين اليساريين والمدافعين عن البيئة واحدا بواحد" وإلا فإنه "لن ينجح". فرنسا ويبدو أن للوبان احتياطي أصوات منخفض نسبيا في الجولة الثانية، لكن يمكنها الاعتماد على دعم المرشح اليميني المتطرف الآخر إريك زمور، الذي قال بعد حصوله على نحو 7 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى "لن أخدع بخصمي"، داعيا أنصاره إلى "التصويت لمارين لوبان". كما دعا المرشح السيادي نيكولا دوبون - إينيان إلى التصويت لصالح لوبان، بعد أن حصل على حوالي 2 في المئة من الأصوات. وقد تكون لفوز لوبان تداعيات دولية مهمة، نظرا إلى مواقفها المعادية للتكامل الأوروبي، ورغبتها مثلا في سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي "الناتو". وفوزها سيمثل سابقة مزدوجة، فلم يسبق أن حكمت فرنسا امرأة. كما لم يحكم اليمين المتطرف البلاد قطّ. وقال الخبير السياسي باسكال بيرينو على موقع "آرتي" إنه "في عام 2017، لم يكن لدى مارين لوبان احتياطي كبير، أما الآن فيمكنها الذهاب أبعد بكثير. سيتعين على ماكرون صيد الأصوات من جان لوك ميلانشون". واعتبر لويس أليوت القيادي في "التجمع الوطني" حزب لوبان، على شاشة تلفزيون "فرانس2" أن "انتخابات جديدة بدأت". وستكون المناظرة المتلفزة التقليدية في فرنسا بين دورتي الانتخابات من المحطات الحاسمة في الحملة التي تستمر أسبوعين اعتبارا من العشرين من أبريل. وفي عام 2017، هيمنت ظاهرة ماكرون على الساحة وباغتت الكل، لكن هذه المرة تبدو ابنة جان ماري لوبان الذي كان أول من يقود اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية للرئاسيات عام 2002، مستعدة أكثر. وخاضت مارين لوبان حملة ميدانية منذ البداية ركزت خلالها على القوة الشرائية التي تمثل الشاغل الرئيسي للناخبين، في حين أن إيمانويل ماكرون الذي انشغل بالحرب في أوكرانيا، وربما كان واثقا جدا من استطلاعات الرأي، لم يشارك كثيرا في حملة الدورة الأولى.
مشاركة :