وجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة شرط أساسي لبناء مجتمع ناضج قائم على أسس المواطنة والتعاون، حيث تستطيع هذه المؤسسات عند انتظامها تحت مفاهيم وقيم مدنية وأخلاقية دعم الإنسان بالانتقال من الحالة الفردية إلى حالة المواطنة نحو مجتمع العدالة والمساواة والتنوع والتعدد، وكلما انخرط المواطن في مؤسسات المجتمع المدني، استطاع أن يسهم في تحسين وتقدم نمو مجتمعه. ويتوقف نجاح المجتمع المدني وما يلعبه من دور مهم على قدرة مؤسساته وإدراكها لاحتياجات المجتمع والوسائل والأدوات الفاعلة لتحقيق آثار إيجابية تنعكس بدورها على الارتقاء بمفهوم التكافل الاجتماعي، ونشر الوعي الثقافي والديني وحث الشباب على العمل الإيجابي وشغل أوقات الفراغ من مجهود بدني وذهني وإبداعي من شأنه استغلال الطاقات في عمل منتج. وقدد أحسن المنظم السعودي صنعاً بإعداد مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، لما في هذا النظام من قدرة على استيعاب فئات كثيرة من المجتمع للقيام بعمل إيجابي وفعال يتوافق مع الأسس والعادات الاجتماعية والدينية ولا يتعارض معها، وينمي روح المواطنة والمشاركة. ولعل توقيت إصدار النظام يأتي منسجما ومناسبا للظروف الآنية التي تمر بها المملكة والتحديات الجمة التي تواجهها. وإذا كان تنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني القائمة على العمل الجماعي المنظم وليس على العمل التطوعي العشوائي هو في الحقيقة أمرا لا بد منه مما يتعين معه وضع القواعد النظامية التي تحكمه، سواء اتخذ المجتمع المدني شكل المؤسسات الأهلية أو الجمعيات، إلا أن تناسق النصوص النظامية ووضوحها وعدم التعارض بينها يخلق مناخا إيجابيا قادرا على تشجيع الفكرة وإنجاحها ومن ثم تحقيق الأهداف التي من أجلها صدر النظام. لذلك ورغم الثناء على الجهد المبذول في إخراج ها النظام إلى النور والاعتراف من جانبنا بأهمية وجود مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة إلا أن الواجب يفرض علينا البحث والتدقيق في النصوص وإزالة التعارض بينها حتى لا يتسنى لضعاف النفوس الاستغلال السيئ والتحايل والالتفاف حول النظام لتحقيق أغراض شخصية مما يفرغ النظام من مضمونه. وعن ملاحظاتنا بشأن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية نتناول ما يلي: أولا: تعدد أنشطة الجمعيات والمؤسسات الأهلية وتنوع أغراضها يتعارض مع ما نص عليه المنظم من ضرورة قيام الجهة المشرفة بالموافقة على إنشاء الجمعيات والمؤسسات، وكذلك الإشراف الفني والعمل التطويري، حيث يصعب في الواقع إيجاد جهة حكومية مشرفة لكل نشاط، على الأقل في الوقت الحالي، مما يتعين معه توحيد جهة الإشراف على الجمعيات الأهلية بأنواعها باستثناء الجمعيات المهنية التي قد يتوافر لها جهات إشراف وذات الشأن بالنسبة للمؤسسات الأهلية. ثانياً: ازدواج الاختصاص بين وزارة الشؤون الاجتماعية والجهة الحكومية المشرفة التي قد تكون وزارة أخرى مما قد يعطل إنشاء الجمعيات والمؤسسات. ثالثا: اكتفى المنظم بالنص على عدم تلقي إعانات خارجية إلا بإذن الوزارة، ولم يوضح ما هو مصطلح إعانات خارجية، وهل يشمل المصطلح التمويل الأجنبي لبعض الجمعيات أم هو محظور. رابعا: أشار المنظم لإمكان اندماج الجمعيات الأهلية والمؤسسات الأهلية على أن تكون لوزارة الشؤون الاجتماعية سلطة البت، وهذا بدوره يعد مصادرة لحقوق الجمعيات والمؤسسات، وكان الأفضل وضع معايير وشروط واضحة للاندماج وعند مخالفتها يكون من حق الوزارة اتخاذ قرارها المناسب. خامسا: أحال المنظم في تنظيمه لآلية عمل المؤسسات الأهلية إلى نصوص النظام التي تناولت آلية عمل الجمعيات رغم اختلاف أهداف كل منهما فكان الأفضل أن يراعي المنظم ذلك. سادسا: نظام التصويت في الجمعيات العمومية العادية وغير العادية جدير بالملاحظة لما ينم عنه من خطورة، حيث أجاز النظام لـ25% من الأعضاء فقط الاجتماع في جمعية عمومية غير عادية واتخاذ قرار قد يكون مصيريا بحيث تكفي أغلبية الثلثين، ومن ثم يمكن تصور اتخاذ قرار على قدر من الخطورة بنسبة لا تتجاوز 17% من إجمالي الأعضاء، وهذا يعطي فرصة كبيرة للتلاعب، بل إن الأمر أكثر خطورة بالنسبة لاجتماعات الجمعية العمومية العادية التي أتاح لها النظام أن تجتمع وتصدر قرارها بأغلبية أكثر من 50% من الحاضرين دون وضع حد أدنى! ومن ثم قد يكون عدد أعضاء الجمعية أو المؤسسة الأهلية 1000 عضو وتعذر اجتماعهم الأول مما يتعين معه التأجيل لاجتماع آخر للتصويت على قرارات معينة، فهنا بالنسبة للجمعية العمومية العادية إذا حضر 100 عضو فيكفي لاتخاذ القرار موافقة 51 عضوا! وبالنسبة للجمعية العمومية غير العادية إذا حضر 250 عضو "بنسبة 25%" فيكفي لاتخاذ القرار موافقة 170 عضوا تقريبا "بنسبة الثلثين" وهذا يعسف بمقدرات الجمعية أو المؤسسة. سابعا: كان على المنظم إلزام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمعايير الحوكمة. ثامنا: كان على المنظم أن يحدد نسبة معينة من موارد الجمعية أو المؤسسة تخصص لأجور العمال والموظفين دون أن تتجاوز 15 أو 20% من الميزانية، حتى لا تضيع الموارد والتبرعات وغيرها في توزيع مرتبات وأجور. تاسعا: تناولت المادة الـ43 في فقرتها السادسة التحذير من أن تكون الجمعيات أو المؤسسات وسيلة للتكتلات والتحزبات وهذا مصطلح غامض يحتاج إلى إيضاح. وبالإجمال لا نقلل من شأن هذا النظام فهو يعد خطوة جيدة وتجربة عظيمة، ومن خلال الممارسة سوف يتم التحسين على ضوء ما يتضح عند الممارسة الفعلية لتطبيق النظام.
مشاركة :