أدباء ونقاد : تخلف النقد أثر على انطلاقة وتقدم الخطاب الثقافي العربي

  • 12/5/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت الثقافة أهم عجلة تتكئ عليها المجتمعات العربية في تحديد مسارات خطواتها نحو الأمام، والخطاب الثقافي كان وسيكون له موضع، حتى يخيل للبعض انه ربما يوازي الخطاب السياسي الذي هيمن على الساحة العربية سنوات طويلة، ولأن النقد هو المحرك الأول للإنتاج الثقافي، وهو المحفز للابداع والكاشف عن أبعاده، والموضح لمقاصده ونقاط قوته وضعفه .. كان على الجسر الثقافي أن نطرح من خلاله سؤالنا الذي يبدو اشكاليا على مجموعة من النقاد والمثقفين، وسؤالنا هو: ما تأثير النقد على الخطاب الثقافي؟ العجلة الخامسة يقول الكاتب والروائي واسيني الأعرج : النقد ناتج عن الحركة الثقافية ، والآن تواجهنا مشكلة في غاية الاهمية تتعلق بالثقافة في الوطن العربي وتأثيرها على الخطاب الثقافي. أعتقد انه مهم لان الثقافة تعني الانسان والحياة وكل مجتمع لا يقيم الثقافة يسير نحو التخلف، ونحن نقرأ لكتاب من القرن السابع عشر والتاسع عشر مثل «أبو العلاء المعري» وكأنهم أصدقاؤنا ونستمتع بأعمالهم. الخطاب الثقافي يأتي مع كل رواية وقصة وقصيدة تخاطب المجتمع، الثقافة تعني الخلود للأفكار وهي مسألة تدل على وعي المجتمعات، النقد ساهم في إثراء الحركة الثقافية، واليوم تعد الثقافة العجلة الخامسة والهامة لسير المجتمعات العربية. فالخطاب الثقافي هو الأهم في هذه الآونة، بعد أن ظل الخطاب السياسي مهيمنا مدة من الزمن، وهيمنته لم تؤد لتقدم واضح في المجتمعات العربية، وكان تأثيره محدودا على الفكر العربي، ودليل على ذلك أن الدول العربية أوضاعها تحتاج لمراجعة، وكلنا في رغبة لانتاج نموذج عربي يشبه ما حدث في الحضارات العربية السابقة .. اليوم أصبح التوجه نحو الثقافة من أهم العجلات لسير المجتمعات العربية. نقد النقد تقول الكاتبة والناقدة السعودية الدكتور ملحة عبدالله: قدمت موسوعة نقد النقد بهدف إزالة الإحساس بالاغتراب الفكري لدى المثقف العربي فى تعامله مع النظريات والمدارس النقدية التى شهدها العالم فى القرن العشرين وترد اليه فى العديد من الترجمات ما زاد الوحشة النقدية، واتسعت الفجوة بين المتلقي العربي وتلك المدارس حتى وصل الأمر فى العديد من الأحوال الى حد رفض هذا كله. وأضافت : هذا الاغتراب يطال بدوره القارئ ومن أوضح آثار ذلك عجز الناقد عن تحقيق وجوده الأصيل بوصفه ناقدا عربيا ينتمى الى ثقافة مازال لها خصوصيتها التاريخية والحضارية ولم تفتتها قيم ومعايير النظام العالمي الجديد. إننا اذا أردنا البحث عن الأنس علينا أن ننظر فى الذوات المغتربة أولا، ثم الأنس بالآخر لا جدال فى ذلك، فالغربة ما هي إلا ذلك الجهل المعرفي بسيكولوجيات الشعوب وما يتمخض عنه خطابهم شعرا كان أم نثرا، لأن الغربة المعرفية لا تعني ترحال المكان عبر الزمان بقدر ما تعنيه تلك المتاهة المعرفية بما يحويه الخطاب من تأثير على الثقافة الجمعية، ثم الثقافة الفردية، ثم العكس فى دوائر غير متماسة كى يتسنى لنا الانخراط فى عالم سماه فريدمان : العالم المسطح واستبعد العرب من خارطته لما يحمله من غربة معرفية وجمالية بمقتضيات هذا العالم، كى يمارس مهامه فى تغيير البشرية ومفاهيمها لقوته وسطوته على النفس وارتباطها بالآخر ونبذ الغربة. وهل هذا العالم المستبعد من خارطة فريدمان لا يحمل جينات معرفية وثقافية وتماسا شعوريا تنبثق منه القوة الصناعية والديموقراطية وجميع المهام المجتمعية كما ادعى فريدمان؟ وقد طرد فريدمان الحضارة العربية من عالمه، علما بأن الجزيرة العربية كان لها دور هام فى تيار الحضارات الإنسانية. وحول مهمة النقد؛ فهي ترى أن المهمة الأولى للنقد هى الوصف بأن يقوم الناقد باحصاء عدد الكلمات والمقاطع والتراكيب اللغوية والصور، لكننا نقول: بماذا يمكن أن يستفيد المتلقي من ذلك الوصف؟ إننا نرى أن المهمة الأولى للناقد هى أن يمد المتلقي بالتحليل الموضوعي للعمل الفني فيضيء الناقد المناطق التى لا يستطيع المتلقي سبر أغوارها، لذلك تكون مهمة الناقد الكشف عن العمل الفني، وبذلك تزداد معرفة المتلقي، ويصبح النقد إحدى وسائل المعرفة الانسانية. وتنتقل الدكتور ملحة الى قضية المحاكاة وهي قضية هامة مازال النقاد والفلاسفة يدورون في فلكها منذ أفلاطون وتلميذه أرسطو وحتى يومنا هذا، وهم يتوسلون بالمحاكاة من أجل تحقيق الأنس والألفة، لأن المحاكاة وسيلة للمتعة والتعلم، وهي ليست نسخا للواقع ونقلا له أو للطبيعة أو لعالم المثل وللمحاكاة وظيفة تناولها النقاد عبر العصور منذ أرسطو حتى الآن. متغيرات الحياة يقول الدكتور صلاح فضل أستاذ النقد بجامعة القاهرة: الأدب هو الوسيلة الوحيدة لاختبار الافكار والمبادئ وقدرتها على التطور لمواجهة متغيرات الحياة. نحن دائما ننقد الاصدارات الادبية للارتقاء بالمستوى الأدبي للأدباء لتلافي العيوب وننقد أوضاعنا وثقافتنا على وجه الخصوص، ودائما يكون الادب هو قاطرة الانسان التي تحمله للمستقبل، حيث تولي الادب ثلاثة أمور جوهرية في حياة البشر، الأمر الأول: هو تفتيت اللغة، بما يعني ان الانسان لا يفكر إلا في اللغة، وهي تستهلك وتتقاتل وتتجمد بما يعني أن الترجمة تساهم في التقدم والإبداع الأدبي، وقدرتها على التقاط الأحاسيس والمعطيات التي يستشعرها الإنسان متجددا في كيانه ومن حوله. أما الأمر الثاني: فيعني إطلاق الخيال للقارئ ، والخيال الادبي لا نظير له في تطور الحياة والابداع إلى غير ذلك. والأمر الثالث: العملية التي يقوم بها الادب في الإنسانية أنه يقوم بتمثيل هذه الحياة على المحتويات الفردية والجماعية، وفي مختلف البيئات تمثيلا جماليا، يتيح للانسان أن يتصور مسيرة عمره ومكوناتها، وأي من هذه المكونات يستمر ومنها ما يستحق ان يتلاشى لايجاد صور جديدة لتحقيق طموحات البشر في العالم، وأرى أن غياب النقد الأدبي في فترة ما ساهم في العديد من الإصدارات التي تناولت داعش وغيرها، وعظمت من شأنها سواء كانت إصدارات ضدهم أو معهم. فهولاء يلجؤون إلى العنف لاكتسابه حصانة، فهذه العمليات الوحشية ضد العقل والدين والمشاعر الانسانية .. وإراقة الدماء .. عدوان، وهذا نتيجة لتدهور منظومة القيم التي استهدفت الأداب والاديان، لذا على المؤسسات الثقافية تفعيل أنشطتها وجذب الشباب لحب الفن والإبداع، لأن ممارسة العمل الإبداعي سواء بالشعر أو القصة أو الرواية أو التذوق الفني والأدبي قادر بالضرورة على إبعاده عن العنف والإرهاب. صراعات أدبية ويقول الشاعر والناقد السعودي علي النحوي : يقع النقد الأدبي في دائرة الثقافي بصفته مكونا ضمن مجموعة من مكونات الثقافي الواسع، حيث إن مظلة الثقافي تشمل منظومة متعددة من الأدبي والفني والحياتي، هذه الشمولية تجعل النقد الأدبي إحدى معطيات الثقافة، لذا فإن تقدم أي أمة يعني ازدهار ثقافتها، وبالتالي تطور حركة الاشتغالات والفنون ذات العلاقة بالثقافي. إذا النقد الأدبي وليد الحركة الثقافية، إذ لا يمكن أن نشهد حركة نقد أدبي متطورة بمعزل عن نهضة ثقافية شاملة، وذلك ما يمكن ملاحظته في الأوساط التي عاشت نهوضا. لا تكتمل حركة نقد أدبي بعيدا عن منهجيات وتحولات مفاهيمية وصراعات أدبية نقدية واعية ومرجعيات ذات غنى معرفي ، وذلك كله يتهيأ في مشهد ذي فاعلية ثقافية، وذي اشتغالات علمية تتصل بالفني والفكري والفلسفي والجمالي، ما يساعد في تحويل العملية النقدية من مجرد آراء وانطباعات إلى علم خاضع لأدوات نقدية ومناهج معرفية، متعالق مع كل ما يساعده على إنجاز مهمته من علوم ونظريات ذات صلة، وذلك ما يقع ضمن منظومة الثقافي بالطبع. وأشير إلى فهم خاطئ، حيث يعتقد البعض أن الحركتين الأدبية والنقدية تمثل الثقافة، لذا أظن ذلك مفهوما يعمل على تضييق المدى الثقافي وحصره في جانب محدود من اشتغالاته، ومع ذلك فإن مجتمعاتنا قد بدأت تتجاوز ذلك لتقتحم فضاءات النقدين الثقافي، والسينمائي، وغيرهما في محاولة للرهان على الخيار الثقافي في مدلوله الأرحب. الخطاب الثقافي وتحدث الكاتب والناقد محمود الضبع عن النقد الذي يعتبره الكثيرون جسرًا يمكن أن تعبر به الكتابة إلى بر آمن، فيقول: شخصيًا أعتقد أن النقد في معظمه أداة لم تحاول أن تتقدم بتقدم الكتابة، وأيضًا يعتمد على التذوق الشخصي أكثر من اعتماده على قواعد ثابتة يتكئ عليها حين يتحدث عن كاتب أو نص. يجب أن يتكئ على تلك القواعد المدروسة والموضوعة سلفًا، وبالتالي تأتي النتيجة بناء على ما تقوله القاعدة، وقد كتب كثيرون عن أعمالي، لكن لم أجد حتى الآن سوى عدد قليل استطاع أن يغوص إلى لحم النص ويضيئه، فمثلاً : بعض الأعمال التي تعد نقلة فكرية لم تكتب عنها سوى دراسات قليلة مقارنة بحجمها وموضوعها، بينما أعمال أقل أهمية كتب عنها مئات الدراسات والقراءات وهي من الأعمال البسيطة عندي، وكتبتها في فترة وجيزة مقارنة بغيرها، لكن في النهاية يظل الإبداع موجودًا حتى لو لم يحتفِ به النقد، حتى لو شاهده عاريًا ولم يكسِه، لذلك أرى أن الخطاب الثقافي متأخرا عن دوره في المجتمعات العربية لغياب دور النقاد الدارسين للقواعد النقدية وفي هذا الزمن ومع اتساع نطاق التقنية، وانتشارها المريع، أصبح القراء وحدهم من يستطيع أن يعول عليهم الكاتب في انتشار نصه، حيث نشأت منتديات القراءة المتعددة على الإنترنت، ونشأت أيضًا على المواقع أندية للقراءة تستقطب الشباب، الذين يناقشون الكتب، ويحتفون بالكاتب والكتابة، بطريقتهم.

مشاركة :